احتفالات 8 آذار في مقاطعة دير الزور مستوحاة من الهوية الثقافية للمنطقة
مع اقتراب يوم المرأة العالمي، تتأهب نساء مقاطعة دير الزور بإقليم شمال وشرق سوريا للاحتفال بهذه المناسبة الخاصة التي تتجاوز حدود الاحتفال التقليدي لتصبح تجسيداً لقوة النساء السوريات وصلابتهن في مواجهة التحديات.

زينب خليف
دير الزور - على الرغم من الظروف الصعبة التي فرضتها الحرب، ورغم المعاناة اليومية التي تختبرها النساء السوريات في مختلف المناطق، فإن يوم الثامن من آذار/مارس هذا العام يعكس أكثر من أي وقت مضى إرادة الحياة والتحدي.
يوم الثامن من آذار/مارس في دير الزور ليس مجرد احتفال تقليدي؛ هو يوم يعبر عن قوة المرأة السورية وصلابتها في مواجهة الأزمات فمن خلال تحضيرات تقليدية تحاكي التراث تحتفل المرأة بمكانتها في المجتمع.
تقول هدية محمد، إحدى نساء مقاطعة دير الزور "لكل امرأة عانت في سوريا، وكل أم فقدت أحباءها وأولادها، نقول إننا هنا صامدات رغم الجراح التي تمزق قلوبنا، ما زلنا نرفع رؤوسنا عالياً لأننا نعلم أن رفع رؤوسنا يعني رفع الوطن بأسره فالنساء السوريات يزرعن الأمل رغم الفقدان، ويعملن دون كلل لرسم البسمة على وجوههن، على الرغم من أن وراء هذه البسمة دموع وآلام".
ومن خلال هذه الكلمات تعكس هدية محمد قوة وصبر المرأة السورية التي تتحدى كل الظروف، بدءاً من فقدان الأحبة، مروراً بصعوبة الحياة اليومية في ظل الحرب، وصولاً إلى المعاناة الاقتصادية التي تمر بها معظم الأسر، لكن رغم كل هذه الصعوبات، تظل المرأة السورية هي القوة الدافعة التي تحافظ على تماسك الأسرة والمجتمع، وهي التي تنير دروب الأمل للبقية.
وبينت أن إن يوم الثامن من آذار في مقاطعة دير الزور هو فرصة لتكريم النساء اللواتي خضن معركة البقاء، وتمكنّ من تعزيز دورهن في المجتمع السوري "يوم الثامن من آذار هو عيد لكل امرأة في العالم، ولكنه يوم للاعتراف بتضحيات المرأة السورية، وتكريمها على صمودها في وجه الحرب، على الرغم من كل ما مرت به من آلام، إنه يوم للاحتفال بكل النساء اللواتي حملن في قلوبهن حب الوطن والإنسانية، وواجهن الأوقات الصعبة بعزم".
ومن جانبها قالت ختام محمد أن التحضيرات تبدأ منذ فترة طويلة في مناطق دير الزور للاحتفال بهذا اليوم حيث تنشغل النساء بتزيين المداخل والشوارع وتعلقن اللافتات التي تذكر بأهمية هذا اليوم، وصور تكرّم المرأة السورية وتحتفل بها، مبينةً أن "ما يميز هذا اليوم في دير الزور هو العودة إلى الجذور، والاحتفال بالتقاليد القديمة التي تشكل جزءاً من هوية المنطقة".
يُظهر هذا الجانب التقليدي للاحتفال الارتباط العميق بالتراث الشعبي الذي تتمسك به نساء المنطقة، حيث يظهر ذلك في الأزياء التقليدية التي ترتديها النساء مثل "الزبون" و"الهباري"، وكذلك في تحضير الأطعمة الشعبية "إن هذه الاحتفالات تشكل شاهداً على الحفاظ على الهوية الثقافية في ظل التحديات التي تواجهها المنطقة".
وأوضحت أن في إقليم شمال وشرق سوريا، تُعتبر المرأة في طليعة الحركات السياسية والاجتماعية "منذ اندلاع الصراع في سوريا، تمكنت النساء من إثبات دورهن القيادي في المجتمع من خلال مشاركتهن الفعالة في المؤسسات السياسية والإدارية، وفي إطار النظام الإداري الذاتي، أُتيحت للمرأة الفرصة للمشاركة في صنع القرار، حيث تشكلت الهيئات المشتركة التي تضم نساءً ورجالاً معاً، وقد أظهرت النساء قدرة استثنائية في تولي المناصب القيادية والتمثيل في المجالس المحلية، مما يعكس تقدماً ملموساً في تعزيز حقوق المرأة في المنطقة".
وأكدت "نحن اليوم نحتفل بمساواة حقيقية في مناطقنا، حيث للمرأة الحق في المشاركة في القرارات الهامة والمصيرية".
وتأخذ الاحتفالات كما تبين ختام محمد شكل الاحتفاء بالتراث الشعبي والثقافة التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من هوية النساء في دير الزور "في الثامن من آذار تقوم النساء بتحضير الأطعمة التقليدية التي تحمل عبق الماضي، مثل 'خبز الصاج' الذي يشتهر به أهل المنطقة، بالإضافة إلى 'القهوة المرة' هذه المأكولات لا تمثل فقط جزءاً من الوجبات اليومية، بل هي رمز للقدرة على الاستمرار والتمسك بالجذور، حتى في أصعب الأوقات".
ويعتبر تحضير هذه الأطعمة جزءاً من الاحتفاظ بالذاكرة الجمعية للمنطقة، "إنها طريقة للاحتفال بالحياة رغم كل الصعاب، وإشارة إلى أن المرأة السورية تظل تحافظ على هويتها الثقافية في كل الظروف".
وأضافت "لن تستطيع أي قوة أن تحجب شمس المرأة الحرة التي لا تقهر، فالمرأة السورية هي رمز الصمود والحرية، ورغم كل ما مرت به من صعوبات، تبقى الشمس التي تنير دروب المستقبل. في يوم الثامن من آذار، نحتفل ليس فقط بالمرأة السورية، بل بكل امرأة في هذا العالم سعت لتحقيق حقوقها، ورفعت صوتها من أجل العدالة والمساواة".
واختتمت ختام محمد حديثها بالقول "إن هذا اليوم، يوم الثامن من آذار، ليس مجرد احتفال بالمرأة بل هو تجديد للوفاء لقيم الحرية والمساواة. إنه تعبير عن اعتراف العالم بمكانة المرأة وأهمية دورها في بناء المجتمعات المستدامة والمتناغمة. وعليه، فإن نساء دير الزور، ومن خلال تحضيراتهن لهذا اليوم، يبعثن برسالة أمل وتحدي، فالمرأة السورية هي العنصر الأساس في بناء المستقبل المشرق".