إدلب... أخطاء طبية تتسبب بتشوهات ووفيات معظمها أطفال

باتت حوادث الأخطاء الطبية في إدلب ظاهرة عصية عن الضبط بعد ازدياد أعداد الوفيات الذين وقعوا ضحية هذه الأخطاء التي أودت بحياتهم وخاصة الأطفال منهم.

هديل العمر

إدلب ـ ازدادت الأخطاء الطبية في القطاعين العام والخاص، ويكثر في القطاع العمومي، نتيجة غياب تام للرقابة على المؤسسات والمراكز الطبية والصحية التي تفتقر للرعاية والعناية بشكل كبير.

لم تكن منيرة الأحمد (33عاماً) تعلم أنها ستفقد طفلها ذو الخمس سنوات، بخطأ طبي تصفه بالفادح، بعد أن تلقى جرعة مخدر زائدة أدت لتدمير خلاياه العصبية والدماغية، ليفقد حياته على إثرها دون أي محاسبة أو تحقيق في الحادثة.

وقالت إن طفلها احتاج لعملية استئصال النامايات واللوزتين وهي عملية غير معقدة وبسيطة، لتتفاجأ بخبر تعرض ابنها لغيبوبة أثناء العملية بحجة "نزف دماغي" ناتج عن مرض عصبي يعاني منه الطفل سابقاً، ولم يتم إخبار الكادر الطبي المشرف على العملية.

ولفتت إلى أن طفلها لم يكن يعاني من أي أعراض أخرى سوى التهاب اللوزتين، إنما تم التنصل من سبب وفاته بحجج وذرائع ليس لها أي صحة أو مصداقية، بالرغم من تأكيد أطباء آخرين بأن سبب الوفاة يعود إلى تلقي الطفل "جرعة مخدر زائدة" سببت له هبوط في ضغط الدم وتسرع بضربات القلب والتي أدت لنزف دماغي شديد.

وأشارت إلى أن زوجها رفع دعوى قضائية على المشفى والطبيب المشرف على العملية، إلا أن المحكمة التابعة لـ "هيئة تحرير الشام"، وبعد أكثر من ستة أشهر برأت الطبيب من حادثة وفاة الطفل، وذلك "بعد الاطلاع على الإضبارة الخاصة بالطفل والتحاليل والتقارير الطبية، مؤكدين استنفاذ كل الجهود الممكنة في المشفى وعدم وجود أي تقصير في تدبير حالة الطفل"، على حد وصفهم.

وأوضحت منيرة الأحمد أن غياب سيادة القانون والمحاسبة دفعت العاملين في القطاع الطبي للاستهتار بحياة ابنها نتيجة حالة عدم الاكتراث التي لاحظتها مع المرضى في المشافي الميدانية والعامة والتي تكون مجانية ومدعومة من منظمات إنسانية.

ولا توجد إحصائية رسمية لأعداد الوفيات الناجمة عن أخطاء طبية في المشافي العامة والخاصة في إدلب، إلا أن ناشطات وحقوقيات أكدن وجود عشرات الدعاوى المقدمة من ذوي مرضى ومتضررين على أطباء ومشافي، نتيجة تعرضهم لأخطاء أدت بشكل أو بآخر لوفاتهم أو تضررهم.

وقبل عامين، تعرض طفلين لتشوهات جلدية في "القرية الماليزية" الواقعة شمال مدينة سرمدا، سببها إعطاء جرعات وأدوية كيميائية زائدة أدت لتشوه طفل وطفلة، تم نقلهم إلى النقاط الطبية لتلقي العلاج.

وأواخر العام الماضي، فقدت سيرين الدياب (28عاماً) طفلها البالغ من العمر الخمس سنوات، أثناء خضوعه لعملية "الفتاق" والتي تعتبر أيضاً من العمليات البسيطة والغير معقدة، والتي أدت لإصابته بنزيف داخلي أضطرهم لإحالته إلى المشافي التركية قبل وفاته فيها.

وقالت إنه وبعد العملية بحوالي أربع ساعات بدأ طفلها يعاني من مجموعة من الأعراض الخطيرة مثل الدوخة وفقدان الوعي المصحوب بضغط الدم المنخفض مع مشاكل بصرية وصداع وضيق التنفس حاد، قبل أن يغيب عن الوعي.

وأضافت أن الإضبارة المرفقة مع جثمان طفلها توضح وفاة الطفل نتيجة نزيف شرياني داخلي، وهو ما نفاه الطبيب الذي أجرى العملية، راجعاً السبب إلى حمى شديدة أصابت الطفل بعد العملية الجراحية وأدت لتسمم الدم الذي عطل بعض وظائف الطفل الحيوية.

وأشارت إلى أن عدم ثقة زوجها بالقضاء منعه من رفع دعوى على المشفى والكادر المختص، علماً أن العملية الجراحية أجريت في مشفى يتبع للقطاع الخاص، ولكن فساد المحاكم القضائية واعتمادها على مبادئ الواسطة والمحسوبية حال دون لجوئهم للقضاء.

من جهتها أكدت الطبيبة رغد عبد المولى (34عاماً) ازدياد الأخطاء الطبية بشكل لافت وغير مسبوق في المناطق التي تسيطر عليها ما تسمى بـ هيئة تحرير الشام، وذلك نتيجة عوامل عديدة أبرزها غياب الرقابة الطبية عن معظم المشافي العامة والخاصة، بالإضافة لعدم وجود كفاءات علمية لقسم كبير من العاملين في القطاع الصحي.

وأضافت أن طلاب الطب والصيدلة والتمريض يعملون في المشافي الميدانية كأطباء وممرضين قبل تخرجهم وحصولهم على إجازات ومؤهلات أكاديمية ومهنية تمكنهم من ممارسة المهنة، وهو ما تؤكده هذه الأخطاء التي تكون كارثية في معظمها.

وشددت رغد عبد المولى على ضرورة تكثيف فرق الرقابة الصحية على القطاعات والمراكز الصحية، بالإضافة لتدقيق المؤهلات العلمية التي يعمل بها أصحابها من الطلاب والممرضين، ما سيحد بشكل كبير من الأخطاء الطبية في المشافي العامة والخاصة.