ابتسام عزاوي... بهلوانه تستعرض تجربتها في المجال
بدأت ابتسام عزاوي مزاولة مهنة "البهلوانية" في مرحلة مبكرة من حياتها. وهي تجربة متفردة صقلتها بالممارسة و الخبرة لتصبح بذلك واحدة من النساء القلائل اللواتي يزاولن نشاطاً يعد حكراً على الرجال.
رجاء خيرات
المغرب ـ أحبت ابتسام مهنة "البهلوانية" انطلاقاً من تعلقها بوالدتها وبعروضها وهي طفلة، وطورت هذه الموهبة من خلال التجربة والعمل الميداني في العديد من الأنشطة الترفيهية داخل الجمعيات والمخيمات الصيفية والمؤسسات التعليمية والأندية الثقافية.
الاسم الفني لابتسام عزاوي "وينكي ويكي" التي بدأت العمل كـ "بهلوانية" في عام 2012 بعد التحاقها بجمعية "المحبة للفن والتنمية"، لكنها قبل هذه المرحلة تعلمت قواعد التنشيط والترفيه على يد والدتها التي كانت تبدد ضجر وملل أبنائها بتقديم عروض ساخرة مُرتجلة.
وقالت "إن علاقتي بالتنشيط بدأت عموماً منذ مرحلة مبكرة من حياتي، حيث أتذكر كيف كانت والدتي، في غياب القنوات التلفازية المتاحة الآن وشبكة الإنترنت، تقدم عروضاً فنية وتحكي لنا قصصاً وحكايات وهي تشخصها، كنوع من الترفيه، وهنا بدأت علاقتي بالترفيه وأحببت هذا العمل من شدة المتعة التي كنت أجدها في عروض والدتي الساخرة.
وأضافت "كانت الأدوار التي تؤديها والدتي لإدخال البهجة علي نفوس أبنائها تتطلب أحياناً ارتداءها لملابس تتناسب مع الأدوار التي تؤديها، كما أنها كانت تقلد الأصوات حتى تضحكنا. لم نكن ندرك أنها تقوم بدور "البهلوانية" أو "المهرجة"، لكننا كنا نضحك من أعماقنا وكانت السعادة تغمر قلوبنا الصغيرة".
وعن العروض الارتجالية التي كانت تؤديها الأم ببراعة، أوضحت إنها كانت تمرر رسائل قوية عبرها، كنوع من التحسيس بأهمية البيئة والأسرة واحترام الآخر وعدم إيذائه وكذلك العديد من القيم والمبادئ التي كانت تلقنها الأم لأطفالها وهي تقدم عروضها المرتجلة.
أحبت ابتسام عزاوي مهنة "البهلوانية" انطلاقاً من تعلقها بوالدتها وبعروضها وهي طفلة، قبل أن تطور هذه الموهبة فيما بعد وتصقلها انطلاقا من التجربة والعمل الميداني في عدد من الأنشطة الترفيهية داخل الجمعيات والمخيمات الصيفية والمؤسسات التعليمية والأندية الثقافية، وكذلك من خلال المشاركة في القوافل التحسيسية التي تقوم بها في مناطق نائية من المغرب لفائدة أطفال هذه المناطق المعزولة.
وقالت أن هذا العمل ليس بالسهل، لأن رسم البسمة على وجه طفل يتطلب حنكة وخبرة وحباً كبيراً للأطفال، ويجب أن يكون البهلوان على استعداد دائم لكي ينشط الأطفال ويدخل السعادة والبهجة على نفوسهم، فعملنا يتطلب صبراً ومثابرة، واستعداداً نفسياً على القيام بالتنشيط في مختلف الفضاءات سواء الخاصة أو العمومية مثل شواطئ البحر، أو الحدائق العمومية أو الحفلات الخاصة كأعياد الميلاد وغيرها من المناسبات الخاصة التي يستقدم لها البهلوان ضمن البرنامج الترفيهي.
للنساء نصيب من الضحك
وأضافت أن الموهبة وحب المجال أمر مطلوب لكي ينجح البهلوان في مهمته. وكم تكون السعادة غامرة حين يعمل في محيط أسرته، خاصةً إذا كان امرأة، وأن النساء أكثر نجاحاً في هذا المجال لأنهن يتميزن باللطف والحنان والتفاني في إسعاد من حولهن. وأوضحت إن النعومة واللمسة الأنثوية التي تميز النساء تضفي على الجو الفكاهي نوعاً من الدفء الذي يغيب أحياناً إذا كان البهلوان رجلاً، فضلاً عن أن البهلوانية مطلوبة أكثر من غيرها في الفضاءات الخاصة التي تتواجد بها أمهات برفقة أطفالهن الصغار، خاصة في أعياد الميلاد والمناسبات الخاصة.
صعوبات وتحديات
من بين الصعوبات التي تواجه "وينكي ويكي" في عملها هو وضع "الماكياج" الذي تحرص ألا يشبه أحداً من البهلوانات المعروفين، حيث يتم تحديد الفم الكبير والدائرة حول العين والأنف الأحمر، بل تعتمد أشكالاً مختلفة، وهذا يتطلب منها في كل مرة ابتكار أساليب جديدة وأفكار لم يسبق لأحد أن تناولها من قبل، كما أنها تحرص على ألا تكرر نفس العروض ونفس الرسوم.
وقالت "يتطلب مني وضع المساحيق قبل ملاقاة الجمهور مجهوداً ووقتاً قد يصل للساعة حتى أكون جاهزة بالشكل الذي يرضيني. هذه الرسوم التي أضعها على وجهي قد أرسمها كذلك على وجوه بعض الأطفال مما يخلف لديهم سعادة غامرة.
وعن الصعوبات التي تواجهها وهي تزين وجوه الأطفال ومسألة ضغط الوقت، حيث أن وضع رسوم على وجه الطفل الواحد لا ينبغي أن يتجاوز عشر دقائق مع ضمان نجاح العملية، أمام طابور من الأطفال ينتظرون أن يحل دورهم كذلك، ثم هناك مسألة حركة الأطفال الذين لا يمكن ضبطهم أحياناً من فرط الحركة أثناء القيام بهذه العملية.
وأضافت لا يسمح للبهلوان بأن يغضب أو يبدي أي نوع من التذمر مهما علت الأصوات الساخرة من حوله، إذ يكون مطالباً بالتغاضي عن كل ما يصله من انتقادات أو ملاحظات سلبية وأحياناً عبارات جارحة خاصة من الرجال، وهو ما تواجهه ابتسام عزاوي بالتجاهل، كما أن البسمة يجب ألا تفارق وجهه مهما كانت الظروف التي يمر بها ومهما كان الحزن بداخله، ولربما هذه هي أصعب ما تواجهه خلال عملها كمهرجة.
وأكدت بأن الحق في الترفيه والتنشيط لا يقتصر على سن محدد، وهو ما يدفعها لإقناع بعض الأطفال الذين يحرجون من متابعة العرض أو المشاركة فيه، لاعتقادهم بأنهم كبروا، بأن من حقهم أن يتابعوا العرض ولا يشعروا بأي نوع من الحرج، بل إن حتى الكبار أحياناً يشعرون بسعادة كبيرة وهم يتابعون هذه العروض.
التدخل السريع مطلوب
وعن التحديات التي تواجه ابتسام عزاوي في عملها هو تصحيح بعض العبارات التي قد تنطقها بشكل خاطئ وهي تتحدث للجمهور أو نسيان بعضٍ منها، وهي العملية التي تتطلب حنكة عالية وتدخلاً سلساً وساخراً أثناء التصحيح دون أن يشعر الجمهور بثقل الخطأ المرتكب "أثناء عملي قد أواجه بعض المطبات غير المحسوبة، كأن أنطق بعض العبارات بشكل خاطئ تماماً أو اصاب بسهو مفاجئ، وهنا أستجمع كل قواي وتركيزي لكي أتدارك الموقف ودون أن أشعر الجمهور بما ارتكبته، وينبغي أن يمر الظرف بشكل سلس وأن استعيد الكلام بشكل عفوي وبنبرة واثقة دون تلعثم أو تردد، وهو أمر ليس بالسهل لكنه يصبح مكتسباً مع مرور الوقت، تماماً كالممثل على خشبة المسرح، الذي قد يصاب بمثل هذه الأعراض، لكنه يتجاوزها".
الكاريزما
طيلة السنوات التي مارست فيها ابتسام عزاوي هذه المهنة تعلمت كيف تكسب "كاريزما" وشخصية قوية قادرة على فرض نفسها أمام الجمهور الذي جاء لكي يضحك ويرفه عن نفسه "تعلمت كيف أجعل نبرة صوتي قوية وواثقة، كما تعلمت أن أنظر في عيون المتفرجين وأخاطبهم بكل ثقة وثبات وبدون خجل، وهو ما منحني طيلة هذه السنوات كاريزما، ليس من السهل اكتسابها، حيث ما أن أقف أمام الجمهور حتى ينظر إلي في صمت منتظراً ما سأقوله. وقد يكون الأمر سهلاً بالنسبة للطفل الذي ينبهر بالرسوم التي أضعها على وجهي والإكسسوار، لكن بالنسبة للكبار الذين يرافقون الصغار، فينبغي التركيز أكثر على الحركات والعبارات".
ويبنى الخطاب الذي توجهه البهلوانية للجمهور على طرح بعض الأسئلة على الصغار وانتظار الأجوبة، مع التكرار دون السقوط في الملل، لجلب انتباههم وإشراكهم في العرض الذي يعتبرون جزءً أساسياً فيه، وهي احترافية اكتسبتها طيلة السنوات التي قضتها في هذا المجال وتنوع الفضاءات التي مارست فيها المهنة.
مكاسب وخسائر
وأوضحت ابتسام عزاوي أنها افتقدت الجلوس لوقت طويل مع أسرتها، بحكم تنقلها المستمر عبر المناطق لتقديم عروض لفائدة أطفال، وهو ما دفعها لاصطحاب أفراد أسرتها خاصة والدتها التي أصبحت تشاركها خلال العروض حتى تعوض هذا الغياب.
وعن الخسائر الأخرى ترى أنها تفتقد لـ "الزمن الجميل"، حيث الأطفال، في وقت سابق قبل "الغزو الإلكتروني"، كانوا أكثر استمتاعاً بالتنشيط الثقافي وبالعروض الفنية، وهو ما جعل هذه المهنة تفقد قيمتها وبريقها و لم يعد البهلوان يحظى بالامتنان كما هو الشأن بالنسبة للسابق.
ودعت إلى ضرورة إعادة الاعتبار لهذه المهنة، عن طريق أدراك أهمية البهلوان، عن طريق تعليم الأطفال أن الترفيه والتنشيط في العالم الواقعي يختلف كلياً عنه في العالم الافتراضي الذي أصبحنا نعيش فيه.
وأكدت أنها استطاعت بفضل عملها كبهلوانية ان تحقق ذاتها أولاً، وكما أن الشعور برسم البسمة على وجوه الأطفال لا يضاهيه أي شعور آخر "يكفيني أن يتذكرني طفل بعد سنوات، ويبتسم وهو يحضر المشاهد التي قدمتها وكانت تضحكه وهو طفل".