زواج القاصرات جريمة ترتكب بحق الطفولة والإنسانية والوعي القوة الحامية لردعها

زواج القاصرات ظاهرة منتشرة في الكثير من بلدان الشرق الأوسط، وفي سوريا ومناطق شمال وشرق سوريا ذات الطبيعة العشائرية ما تزال هذه الظاهرة عصية على الاندثار، فيما تسعى المؤسسات النسوية للحد منها تمهيداً للقضاء عليها من خلال نشر الوعي والفكر

فيدان عبد الله 
الشهباء ـ .  
زواج القاصرات يخلف كوارث اجتماعية عديدة بداية على حياة الزوجين، ثم الأطفال، وأخيراً يؤثر بشكل مباشر على المجتمع، من الجوانب النفسية، والإنسانية، والاقتصادية، والثقافية والجسدية، فالقصر ذكوراً وإناثاً غير مُهيئين لتحمل أعباء المنزل، ومسؤوليات الزواج، وتربية الأطفال، وهذا ما يؤدي إلى عدم قدرتهم للقيام بواجبهم تجاه أنفسهم وأطفالهم.    
أدى الجهل إلى انقياد المرأة وخضوعها لمفاهيم هذا المجتمع مع تكيّف وعيها ليتوافق مع ذهنيته التي تنتقص منها، كما وجرّدها من ذاتّها ومعرفتها بدورها الحقيقي، فحتى ولو كانت الفتاة تمتلك الوعي الكافي لخطورة زواجها وهي طفلة، إلا أنها لا تستطيع مجابهة تقاليد مجتمعها والوقوف ضده، بل يجب أن ترضخ لمفاهيمه دون رفع صوتها.  
 
النزاع السوري زاد من نسبة زواج القاصرات 
الحرب التي تشهدها سوريا منذ ربيع عام 2011 كرست العديد من الظواهر السلبية في المجتمع وعلى رأسها زواج القاصرات سواء بين النازحين في الداخل السوري أو اللاجئين في المخيمات بدول الجوار.
قبل الحرب قُدر معدل زواج القاصرات للفتيات دون سن 18 عاماً بنسبة 13 بالمئة، واللواتي لم يتجاوزن الـ 15 عاماً بـ 3 بالمئة، كما قدر تقرير لليونيسيف عام 2008 نسبة زواج القاصرات بحوالي 25 بالمئة في بعض المناطق الريفية.
لكن بعد الحرب زادت النسبة بشكل كبير فبحسب دراسة للمركز السوري للدراسات والأبحاث فإن نسبة عقود الزواج لفتيات أقل من 18 عاماً زادت من 7 بالمئة إلى 30 بالمئة خلال عام 2015. فيما أشار تقرير منظمة وورلد فيجن لعام 2020 إلى أن نسبة زواج القاصرات ازدادت بنسبة 90 بالمئة بعد الحرب.
حول تأثير ظاهرة زواج القاصرات على المجتمع والمرأة، وأسبابه، والسبل اللازمة لمواجهته، قالت عضو العدالة الاجتماعية في مجلس المرأة الحرة للشهباء أمل إسماعيل لوكالتنا أن "المجتمع في الشرق الأوسط بشكل عام منذ القديم يعتبر زواج القاصر ظاهرة طبيعية، إذ أن الشابة التي تصل لعمر الـ 18 ولم تتزوج تعتبر عانس بنظرهم، وكثيراً ما تواجه المرأة ضغوطات نفسية وجسدية من المجتمع بسبب هذه المعتقدات". 
وأشارت إلى أن الحرب الدائرة في سوريا خاصة زادت من هذه الضغوطات، "الأعمار باتت أصغر، حيث وصل الأمر في بعض القرى إلى أن نرى طفلة حامل وهي بعمر الـ 12 عاماً".
ولزواج القاصرات الكثير من الأسباب انطلاقاً من زمن الجاهلية من خوف المجتمع من الفقر والعار فكانت المرأة توأد، ومع مرور الزمن تغير الوأد إلى تزويج الفتيات بسن صغير، "نظراً لانتشار الحروب في عموم الشرق الأوسط وسوريا خصوصاً تتوجه العوائل إلى تزويج بناتها بعمرٍ صغير خوفاً من خطفها على يد المرتزقة في بعض المناطق، والفقر المنتشر إثر الحرب وغيرها الكثير من الأسباب التي خلفتها الحرب".  
وتابعت "لهذه الظاهرة الاجتماعية الكثير من التأثيرات السلبية أولها الطلاق وتعدد الزوجات، عدا عن ذكر المخاطر الصحية والجسدية والتأثير على نفسية المرأة وغيرها من المشاكل التي تواجهها النساء بعد الطلاق، خاصة في ظل تأثير الحرب الخاصة على هذا الجيل من فتيات وشباب".   
وأضافت أن "المجتمع يفرض على الفتاة التي تبلغ من العمر 12 عاماً مجالسة نساء أكبر سناً والمتزوجات، لتستمع إلى أحاديثهنَّ، وبهذا تصبح مؤهلة للزواج كما يعتقدون، وهذا ما يتسبب بانتكاسة في المجتمع بظهور عادات غير أخلاقية". 
 
التسلح بالوعي والثقافة يحمي المرأة والمجتمع  
الوعي وتقدم المجتمع هو الحل الوحيد والأمثل للحد من ظاهرة زواج القاصرات والحديث لـ أمل إسماعيل "الأمهات اللواتي تزوجنَّ بأعمار صغيرة عليهنَّ مشاركة تجربتهنَّ مع بناتهنَّ، والحرص على عدم تكرر ذات الكارثة".
وتتبع الأنظمة السلطوية سياسة حرب خاصة في سبيل تدمير المجتمع من خلال الاستهداف المباشر للشبيبة والمرأة، وهو الذي يعانيه الشعب اليوم "للحد من هذه الظاهرة، يجب نشر الوعي بين الشبيبة، والنساء والشيوخ والعشائر، من خلال الفعاليات والنشاطات كالاجتماعات والمحاضرات التوعوية، وتكثيف النقاشات مع النساء والشابات ورفع وتيرة النضال لمناهضة هذه الظاهرة".   
وبالحد من زواج القاصرات نحد من ظاهرة تعدد الزوجات، والمشاكل اللاأخلاقية، كما تبين "عند سؤالنا لبعض القاصرات عن أسباب زواجهنَّ في سن مبكر، يكون ردهنَّ لنمتلك الاستقلالية"، وتتساءل "أين الاستقلال في وطن فيه احتلال وحرب؟".
وأضافت "كما يقول القائد عبد الله أوجلان حتى الطيور تبني أعشاشها، ونحن اليوم نواجه في سوريا أزمات مادية، اقتصادية وعدم الأمان والاستقرار وانتشار البطالة، فكيف سيكون وضع العائلة خاصة في ظل الزواج المبكر".   
وأكدت عضو العدالة الاجتماعية في مجلس المرأة الحرة للشهباء أمل إسماعيل أن "الزواج المبكر ليس تأميناً للمستقبل، إنما يعتبر جريمة ترتكب بحق كل قاصر إن كان شاباً أو فتاةً، جريمة بحق الإنسانية والطفولة".
 
"الزواج حرمني من التعلم، وطفولتي وفقدان المعنى الحقيقي للحياة" 
قالت فاطمة حسن (41) عاماً، ولديها 3 فتيات وولدين من أهالي مقاطعة الشهباء، "تزوجت في الثالثة عشرة، نتيجة العادات والتقاليد الرجعية التي فرضها المجتمع، ولم يكن للمرأة حرية الرأي والاختيار، أو بالأحرى لم يكن هنالك مكانة لها في ظل مجتمع ذكوري سلطوي، وكان الأهم اتباع تلك العادات، دون النظر إلى ما سيترتب على زواج القاصر من آثار أو إعطاء أهمية لوجودها وكينونتها".  
وتابعت "أهلي قاموا بتزويجي لابن عمي، وقد عانيت الكثير من الصعوبات والمشاكل في حياتي، لصغر سني وعدم استيعابي للحياة بعد، وبعد زواجي بعام أصبحت حاملاً، وهذا ما زاد من مسؤولياتي وأعبائي من تربية الأطفال في سني الصغير والاهتمام بشؤون المنزل".
وبهذا الزواج حرمت من مواصلة تعليمها "أُخذت طفولتي مني، ولم أشعر بمعنى الحياة وقيمتها، وغدت الحياة صعبة". 
وتتذكر موقفاً لم يمحوه الزمن من ذاكرتها "حينما أنجبتُ أول طفلة، دهشت الطبيبة بذلك، لأنني كنت لا أزال طفلة، فكيف لي أن أربي أطفالاً أو أعطيهم الحنان والتربية الصحيحة".
ومن خلال تجربتها تطالب فاطمة حسن جميع الأمهات بألا يكررنَّ تجاربهنَّ المأساوية بتزويج بناتهنَّ "علينا التفكير ملياً قبل إعطاء القرار بشأن تزويج بناتنا، إذ يحق لهنَّ عيش طفولتهنَّ، فهنالك البعض من العوائل تتحجج بأسباب كتردي الأوضاع الاقتصادية أو الحرب لتزويج الصغيرات، كضمان لمستقبلهنَّ كما يدعون". 
وتسعى هيئة المرأة في الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا منذ الإعلان عنها في كانون الثاني/يناير2014 في مقاطعة الجزيرة، لنشر قانون المرأة وتطبيقه بشكل صارم بهدف حماية النساء من العادات والتقاليد البالية، وقد صادق المجلس التشريعي للمنطقة في تشرين الأول/أكتوبر عام 2014 على قانون المرأة.