إثر الحرب والنزاعات... تفاقم ظاهرة زواج القاصرات في ليبيا

ترى ناشطات إن زواج القاصرات هو اغتصاب شرعي للأطفال تحت اسم القانون والمجتمع، وتفاقمت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة بسبب الفقر والجهل والحروب والنزاعات.

هندية العشيبي

بنغازي ـ تفاقمت ظاهرة زواج القاصرات داخل المجتمع الليبي في السنوات الأخيرة، لعدة أسباب منها قانونية واقتصادية واجتماعية، بالإضافة للحروب والنزاعات التي شهدتها ليبيا.

ترى الأمم المتحدة أن زواج القاصرين/ات مشكلة مثيرة للقلق، لا سيما وأن الصكوك والقوانين الإنسانية الدولية تتناول زواج القاصرين/ات بوصفه شكلاً من أشكال العنف القائم على نوع الجنس، وانتهاكاً لحقوق الإنسان.

وقد أثار زواج القاصرات في ليبيا جدلاً كبيراً داخل المجتمع، خاصة عقب نشر وزارة الشباب بحكومة الوحدة الوطنية أرقاماً ووثائق توضح زيادة كبيرة في عدد الفتيات اللواتي تزوجن للحصول على منحة الزواج والمقدرة بـ 40 ألف دينار ليبي، وهي المنحة التي تصرف من الحكومة للشباب لمساعدتهم في مصروفات الزواج ومتطلباته.

وبيّنت الوثائق التي نشرت زواج أكثر من 940 قاصرة في ليبيا في أقل من عام واحد تتراوح أعمارهم ما بين 14 إلى 18 عام بينهن طفلتين من مواليد 2008.

واعتبرت رئيسة المنظمة الدولية للثقافة والسلام والناشطة المدنية سلوى المحجوب إن ظاهرة زواج القاصرات هي اغتصاب شرعي للأطفال تحت اسم القانون والمجتمع، بسبب الفقر والجهل والحروب والنزاعات التي ساهمت في زيادتها.

وحول مخاطر هذه الظاهرة التي قامت المنظمة الدولية للثقافة والسلام بدراستها لأكثر من 3 أشهر، قالت تم إطلاق مشروع (مبعوثي الأمان الأسري) الذي تضمن ندوات وجلسات وورش عمل للتوعية بمخاطر هذه الظاهرة، والعمل على الحد منها داخل المجتمع، بمشاركة فاعلات من كافة القطاعات العامة والخاصة بالمدينة، منها الصحية والقضائية والعدلية والطلابية، مشيرة إلى أنهم أطلقوا أيضاً منصة إلكترونية للتواصل مع الفتيات القاصرات في حال تعرضهن للعنف أو أي نوع من المشكلات خلال زواجهن، وذلك بهدف الحد من الأضرار المستقبلية التي قد تنجم عن هذا الزواج.

وقالت سلوى المحجوب أن العائلات داخل المجتمع الليبي تتباين في الآراء حول الزواج المبكر للفتيات، فبعض العائلات تراه ظاهرة إيجابية تساعد على تأسيس عائلة خاصة خلال الحروب، بينما ترى عائلات أخرى أن الزواج المبكر ظاهرة سلبية تعود بالضرر على الفتاة والعائلة والمجتمع ككل. 

وأكدت على ضرورة نشر التوعية بمخاطر الزواج المبكر على العائلة والمجتمع من خلال الإعلام والمنصات الإلكترونية بالإضافة لمواقع التواصل الاجتماعي التي يتردد عليها عدد كبير من الشباب، مناشدة مؤسسات المجتمع المدني بتنظيم أنشطة تثقيفية وتوعوية للفتيات للتوعية بماهية الزواج المبكر، ورفع مستوى الإدراك لديهن من مخاطره.

 

 

وترى مدير مكتب الخدمة الاجتماعية والصحة المدرسية والدعم النفسي ببنغازي، ومستشارة ومفتشة تربوية بديوان التعليم بالحكومة الليبية سعاد العريبي، أن ظاهرة الزواج المبكر للفتيات ظاهرة اجتماعية سيئة، معتبرة أنها اغتصاب للطفولة.

وأوضحت أن الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد أثر على العائلات متوسطة ومحدودة الدخل، التي لجأت إلى تزويج بناتها وأبنائها للتخفيف من عبء المصروفات التي يتكبدها ولي الأمر، خاصة عقب نقص السيولة في المصارف الليبية وارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية بالإضافة لتوقف مرتبات بعض العاملين في القطاعات العامة والخاصة والشركات المتعثرة.

وبينت أن هذه الظاهرة انتشرت في ستينات القرن الماضي، لكنها ازدادت بسبب الحروب والنزاعات التي شهدتها البلاد ومقتل أعداد كبيرة من الشباب خلالها، حيث أصبحت العائلات تلجأ لزواج بناتها مبكراً خوفاً من عدم الزواج (العنوسة).

وألقت سعاد العريبي اللوم على الحكومة الليبية التي تسببت في زيادة معدلات الزواج المبكر داخل المجتمع عقب إطلاقها مبادرة منحة الزواج، والمتعلقة بالشباب الراغبين بالزواج والتي تقدر بـ 40 ألف دينار ليبي لإعانة الشباب على الزواج.

وقالت إن هذه القيمة المالية دفعت عدد كبير من العائلات لتزويج بناتها وأبنائها قبل بلوغهم السن القانونية، للحصول على هذه المنحة المالية، خاصة العائلات ذوات الدخل المحدود.

وأبدت اسفها على حياة الفتيات القاصرات الزوجية وقالت "المسؤوليات العائلية والاجتماعية التي تقع على عاتق الفتيات القاصرات بعد الزواج كبيرة جداً، ولا تستطيع الفتاة القيام بهذه الواجبات والالتزامات بالشكل المطلوب كونها لازالت طفلة، لهذا ستلقى اللوم من العائلة والزوج وأهله لتقصيرها فيها".

ودعت إلى ضرورة معالجة الأثار النفسية والصحية للفتيات المطلقات، ونشر توعية مجتمعية بخطر هذه الظاهرة على الفتيات والمجتمع، من خلال مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات الحكومة العامة والخاصة.

وحول القانون الليبي ومدى ملائمته للحد من هذه الظاهرة رأت سعاد العريبي أن القانون الليبي ضعيف في تناول هذه الظاهرة، كما أنه ساهم في انتشارها.

وطبقاً لقانون الأحوال الشخصية الليبي، فالأهلية تكتمل بالعقل وبلوغ سن الرشد التي حددها القانون رقم 10 لعام 1984 بعشرين سنة، أما قبلها فلا يستطيع الشخص أن يباشر عقد الزواج بنفسه إلا بإذن من المحكمة تصدره لمصلحة تراها أو ضرورة تقدرها وذلك بعد موافقة الولي، إلا أن هذا القانون قد أدخل عليه عدد من التعديلات في عام 2015 أهمها تخفيض سن الأهلية للزواج إلى 18 سنة.

ولكن العائلات في ليبيا استندت على ثغرة قانونية لتنفيذ زواج القاصرات من خلال ما يعرف بالإذن القضائي، حيث يقوم ولي أمر الفتاة القاصر دون السن القانونية بعرضها على قاضٍ لمعرفة أهليّتها وملابسات زواجها، ومن ثم منحها الإذن بالزواج.

وكشفت سعاد العريبي في ختام حديثها أن مكتب الدعم النفسي بوزارة التعليم ببنغازي سيطلق خلال الفترة المقبلة مشروع؛ للتوعية بمخاطر الزواج المبكر على الفتيات والمجتمع، من خلال مجموعة من الحملات التوعوية والتثقيفية والتدريبية التي تستهدف الطالبات والتلميذات بالمدارس الاعدادية والثانوية والابتدائية وعائلاتهن.