واقع النساء ذوات الإعاقة في تونس بين الاستغلال والاضطهاد
تعاني بسمة السوسي من إعاقة بصرية، لكن هذه الإعاقة لم تمنعها من الانخراط في العمل الجمعوي والحقوقي والدفاع عن ذوات الإعاقة.
زهور المشرقي
تونس- بالتزامن مع اليوم العالمي لذوي/ات الإعاقة الذي يصادف الـ 3 كانون الأول/ديسمبر، دعت الناشطة الحقوقية بسمة السوسي إلى دعم قدرات ذوات الإعاقة وتمكينهن، وتغيير النظرة الدونية المستبطنة واستئصال ذلك من جذوره المرتبطة بكل ما هو موروث ثقافي ذكوري يحط من قدرة النساء ذوات الإعاقة ويضاعف التنمر ضدهن.
دأبت بسمة السوسي على تقديم المساعدة لنظرائها من ذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك دون أدنى إحساس بالملل أو الارهاق، فهي تتنقّل بشكل يومي لعملها ولنشاطاتها المرتبطة جلّها بحقوق ذوات الإعاقة، وكلها أمل في تغيير واقعها ورفع كل أشكال الحيف والتمييز الذي تتعرض لها هذه الفئة.
وعن العنف الذي تتعرض له النساء في وضعية إعاقة قالت الناشطة الحقوقية ونائبة رئيس جمعية إبصار بسمة السوسي "النساء ذوات الإعاقة هن الأكثر عرضة للعنف، لكنهن غير قادرات على إيصال صوتهن والدفاع عن حقوقهن نتيجة اللامبالاة بوضعهن وعدم الاكتراث لما تتعرضن له".
ولفتت إلى أن العنف المسلط على ذوات الإعاقة يدفع أغلبهن إلى عدم الخروج للشارع وتفضيل عدم الاندماج وسط المجتمع التي لازالت نظرته دونية وشفقة.
وأوضحت أن هناك قوانين تحميهن لكنهن قد لا يسمعن بها ولا يعرفن بوجودها نتيجة عدم تسليط الإعلام الضوء عليها فضلاً عن ضعف المستوى التعليمي عموماً بالنسبة لذوات الإعاقة لاعتبارهن لا يدرسن مقارنة ببقية النساء، مشيرة إلى أنهن تعانين من العنف النفسي والجسدي والتنمر والاستغلال بشكل يومي خاصة وأن الجميع انطلاقاً من العائلة يعتبرها عبء "لا تعرفن كيف تتحركن بمفردهن في مجتمع لا يراعي إعاقتهن ودولة لا تأخذ بعين الاعتبار ذلك".
وأكدت أن ذوات الاعاقة تتعرضن لكافة أنواع العنف "لا نرى النساء من ذوات الإعاقة يتوجهن مثلاً إلى المحاكم إلا في حالات نادرة وذلك نتيجة غياب الاستقلالية المادية، حيث يعاني ذوي الإعاقة من بطالة تقدر بأربع أضاعف عدد الرجال والتي تخلف خصاصة وحاجة واستغلال".
وحول تقييمها لقانون مكافحة العنف ضد المرأة، اعتبرته مكسباً للنساء التونسيات، لكن هناك إشكاليات تحول دون تطبيقه بالشكل الصحيح على أرض الواقع، داعية إلى مراجعة القوانين وتنفيذ قانون مكافحة العنف ضد النساء وتسهيل آلياته حتى يكون متاحاً لمختلف الفئات بما فيها ذوات الاعاقة.
وبينت أن قانون 58 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء الصادر في عام2017 لم تسمع عنه بعض النساء، نتيجة غياب الومضات الإشهارية لذوات الإعاقة البصرية مثلاً والصم والبكم وغيرهن "هناك نواقص لوصول القانون لكل النساء دون إقصاء حتى تعرفن أن هناك تشريع يحميهن من بطش المعنف والمتحرش والمغتصب وغيره".
وحول مسألة الولوجيات قالت "يجب العمل على تحسين البنية التحتية لتسهيل حياة ذوات الإعاقة بما يسمح لهن بالعيش بكرامة وحتى لا تشعرن بالتمييز والحيف".
وعن الفصل 54 من دستور2022، الذي ينص على حماية الدولة لذوي الإعاقة من التمييز والاستغلال، أكدت أن هناك تمييز متعلق بالقوانين والنفاذ إلى المعلومة ورفع الوعي للنساء "السبب أن هناك إعلام لا يأخذ بعين الاعتبار خصوصية ذوات الإعاقة ولا يعمل على تبسيطها وإيصالها صوتياً أو بلغة الاشارات، وجهات لا تأخذ بعين الاعتبار أن هذه الفئة من النساء وإن حاولت الدفاع عن حقها قد تكون في ذلك المسار عرضة للعنف والتحرش".
وأشارت إلى أنه عند وضع القوانين يجب أخذها بشمولية "يجب وضع آليات تضمن للنساء ذوات الإعاقة وصول المعلومة خاصة وأن تونس قد وقعت على الاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الاعاقة التي تتحدث مادتها السادسة عن النساء ذوات الإعاقة".
وبينت أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار النساء في وضعية إعاقة والتي أغلبهن غير متعلمات وفي وضعية هشاشة "لا ننسى أننا لدينا نسب طلاق كبيرة في صف هذه الفئة، فضلاً عن نسبة العنف الكبيرة خاصة وأن أغلبهن لا تقدرن حتى على التبليغ عما تتعرضن له".
وعن العوائق التي تواجه هذه الفئة من النساء في سوق العمل أوضحت "هذه الفئة باتت غير قادرة على الخروج لسوق العمل خوفاً من التحرش وانتهاك حرمتها الجسدية؛ تخفن من العنف الجنسي ومن تحويل وجهتهن واستغلالهن بشكل بشع وكلها عوامل تدفعهن للمكوث في المنزل وقبول العنف أحياناً".
وعن أهمية تخليد الأيام الأممية بما فيها حملة الـ 16 لمناهضة العنف ضد النساء، قالت "تخليد هذه الأيام هو بمثابة دق ناقوس الخطر حول ارتفاع نسب العنف في المجتمعات، فبرغم من التشريعات لكنها تشهد تصاعداً يوماً تلو الأخر".
وأوضحت بسمة السوسي أنه خلال هذه الأيام يجب استحضار كافة النساء بمختلف مكوناتهن ووضعياتهن "يجب الأخذ بعين الاعتبار كل النساء دون تمييز وحيف حتى لا ينسى صوت أي امرأة خاصة ذوات الإعاقة اللواتي تكابدن وضعاً أكثر هشاشة ولا يتم التطرق لحقوقهن والانتهاكات التي تتعرضن إليها"، داعية مختلف المنظمات النسوية إلى إشراك هذه الفئة من النساء وتبني قضاياهن وطرحها لمعالجتها.
كما دعت الجمعيات النسوية إلى دعم قدرات ذوات الإعاقة وتمكينهن، لاسيما أنهن حرمن من التعليم والعمل وكن أكثر تعرضاً للعنف وأقل من تبلغن وأقل من تتحدث عنهن الجمعيات، وتغيير النظرة الدونية المستبطنة واستئصال ذلك من جذوره المرتبطة بكل ما هو موروث ثقافي ذكوري يحط من قدرة النساء ذوات الإعاقة ويضاعف التنمر ضدهن.
وحول إقصاء النساء ذوات الإعاقة من التواجد في مراكز القرار وهل يعتبر عنفاً، قالت "عدم وجود امرأة من ذوات الإعاقة في تونس في منصب قيادي هو أشد أنواع العنف والتمييز المسلط ضدهن".
وطالبت بإجراء إحصاء على العنف المسلط على النساء ذوات الإعاقة وتشريكهن في مراكز القرار، لاعتبار اقصائهن عنف تمارسه المؤسسات اتجاهها، مستغربة من عدم التفكير فيهن حين تضع البرامج التربوية وتبني المنشآت وغيرها، داعية إلى إقرار مقاربة تشاركية تُشرك فيها النساء ذوات الإعاقة.
وختمت الناشطة الحقوقية بسمة السوسي حديثها بالقول "نطالب بتشريكنا في الاستراتيجيات التي تقوم بها الدولة لأننا قبل كل شيء نساء، ونحن أيضا قادرات على العطاء".