توفير بيئة العمل الآمنة للنساء احتياج ويتطلب تغييراً جذرياً
بيئة العمل الآمنة مطلب تنشده جميع النساء، وهو أمر يتطلب الكثير من الجهد كي يتم تنفيذه واقعياً بسبب الإجراءات التي يجب توافرها لتحقيق ذلك، وعلى رأسها تنفيذ اللوائح والقوانين ووضع سياسات واضحة لمواجهة الانتهاكات مهما كان حجمها.
أسماء فتحي
القاهرة ـ تعاني الكثيرات من الاضطرار للبقاء في بيئات عمل غير آمنة لهن، إما لحاجتهن للدخل الشهري بسبب ما يكبلهن من التزامات، أو لعدم وجود فرص بديلة خاصة مع تأزم الوضع الاقتصادي.
أن الأزمة الاقتصادية تكمن في أفكار الذكور داخل بعض المؤسسات الذين يرون في وجود النساء بالعمل انتقاص من فرصهن ومن ثم يحرصون على "تطفيشهن" تارة و"انتهاك مساحتهن بالتحرش والتعنيف" في كثير من الأحيان، مع السعي من أجل إثبات عدم قدرة النساء على ممارسة نفس دور الرجال وهو أمر الذي لا يمت للواقع بصلة سوى كونه مجرد حلقة في الصراع من أجل السيطرة والبقاء ونيل مزيد من المكاسب على حساب المرأة.
وبات البحث عن آليات واضحة تحمي النساء في عملهن واحدة من الأمور الهامة بل والمحفزة لهن على النزول من بيوتهن وهو الأمر الذي لا تتكبد النساء عناءه في مصر وحدها بل وفي أغلب أنحاء العالم مما دفع منظمة العمل الدولية للخروج باتفاقية 190c الهادفة لخلق عالم عمل آمن للنساء وحث المجتمع الدولي على التصديق عليها في محاولة لحمايته النساء مما تتعرضن له من انتهاكات واضحة مستندة للنوع الاجتماعي في كثير من البلدان.
غياب الأمان يبدأ برفض وجود المرأة في العمل
واحدة من أسباب تأزم وضع المرأة على الإطلاق فكرة عدم قبول وجودها في مجال العمل باعتبارها تزاحم للذكور في إنكار كامل لكونها لا تختلف عنهم في الحقوق والواجبات ومن ثم الفرص والامتيازات.
واعتبرت الصحفية في محافظة أسيوط إيمان سمير، أن أزمة العديد من النساء تكمن في الرفض الكامل لوجودهن من الأساس في العمل، مضيفةً أن البعض يعتبر المرأة عالة ولا سبب لوجودها في الوظيفة من الأساس كونها أقل أو لا تستحق ذلك فقط لأنها امرأة، وهو الأمر الذي يؤثر سلباً عليها سواء على مستوى الإنتاج أو القدرة على الحركة بحرية.
ومن واقع تجربتها قالت "أعمل مراسلة في واحدة من محافظات الصعيد وأرى في أعين زملائي استنكارهم بل أن أحدهم قال لي علناً تزوجي وأقعدي في البيت، وهذه التصرفات خفضت من رغبتي في التواجد مع زملائي وبت أعزف عن حضور أي تجمع إلا فيما يقتضيه عملي وأتجنب إلى حد كبير النزول ليلاً بسبب تهكماتهم".
انتهاكات ومخاطر تتعرض لها النساء فقط لأنهن تركن منازلهن
تجارب النساء بعضها آثر للوجدان خاصة من قرر منهن امتهان بعض الأعمال التي يسيطر عليها الرجال وهذا قد يعرضهن للكثير من المخاطر والانتهاكات بل والاعتداءات أيضاً.
وأكدت إيمان سمير على أنها تعرف سيدة توفي زوجها منذ نحو 5 أعوام وقررت فتح مقهى بالقرية وفي الوقت نفسه تعمل على تروسيكل في محيطها لجني مزيد من الدخل لتتمكن من تلبية احتياجات أسرتها ومع ذلك تعرضت للانتهاكات تبكيها من حين لآخر دون مراعاة لتلك الحروب التي تخوضها والجهود المبذولة في سبيل إسعاد أطفالها، لافتةً إلى أن تلك المرأة لا ذنب لها في الحياة إلا أنها سعت للبحث عن مصدر رزق لأطفالها بعد أن تخلى عنها أهل الزوج وجميع المحيطين بها، وأنها تتأذى فعلياً لكونها امرأة وتعمل وهو الأمر الذي يحتاج للعمل على تغييره في عقول الذكور أولاً.
وأضافت "ذات يوم في قطار وجدت فتاة تعترض لاحتكاك أحد الذكور بها أكثر من مرة ونهرها ذلك الشاب فقط لاعتراضها موجهاً لها حديث لاذع من عينة أنها طالما خرجت من بيتها فعليها قبول ما تتعرض له من انتهاكات ولا ترفض حتى ذلك، وكأن المرأة لمجرد أنها قررت العمل والخروج من منزلة تعاقب بفرض الصمت عليها وغض النظر عما قد تتعرض له من تحرش أو تعنيف أو حتى اعتداء".
حلول من شأنها معالجة خلل مساحات الأمان داخل بيئات العمل المختلفة
هناك الكثير من العوامل التي يجب العمل على توفيرها إذا كانت هناك الرغبة في جعل بيئة العمل آمنة ولا يتعرض فيها شخص لتمييز أساسه النوع الاجتماعي.
وفي مقدمة الحلول والإجراءات التي تساعد النساء بحسب ما ترى إيمان سمير هي التربية السليمة للأطفال، معتبرةً أن الجيل الناشئ دعامة التغيير خاصة إن كان الأمر يتعلق باحترام حق المرأة في الخروج للعمل وكذلك الرفض واختيار ما تراه مناسباً لها، مشددةً على أن تقويم سلوك الأطفال من شأنه أن يخرج رجالاً يدركوا أهمية دور المرأة ويقدرونه.
وأضافت أن "العمل على نشر الوعي له دور أيضاً في معالجة الخلل الذي يعاني منه المجتمع فالثقافة السائدة بالفعل تستنكر على النساء الخروج للعمل وهو الأمر الذي يجب العمل عليه من خلال حملات التوعية المختلفة، فضلاً عن ضرورة وجود لوائح واضحة للتعامل داخل المؤسسات سواء بين الزملاء بعضهم أو مع المدراء ليصبح من يكسر تلك القواعد معرضاً بالضرورة للمسائلة وكذلك وضع كاميرات وأدوات توثيقية تأمينية داخل أماكن العمل المختلفة".
وأوضحت أيمان سمير أن "للقانون دور محوري في فرض الأمن داخل مجالات العمل المختلفة ولكن هناك عدد من المواد في حاجة لإعادة نظر منها على سبيل المثال إلقاء عبء الإثبات على الفتاة خاصة في قضايا التحرش سواء من خلال التصوير أو إحضار شهود وهو أمر لا تستطيع الكثيرات فعله"، معتبرةً أن الأسوأ على الإطلاق إثبات ذلك داخل مكان العمل فلن يتقدم للشهادة مع الشاكية موظف قد يعرض عمله لتهديد خاصة إن كان الاعتداء أو التعنيف أو الانتهاك أيا كان حجمه مصدره مدير أو شخص ذو سلطة.
ضغوط نفسية وآثار جانبية لبيئة العمل الغير آمنة
لا تستطيع الكثيرات التحدث عما يجول بداخلهن من صراعات فرضتها عليهن الضغوط والانتهاكات الممارسة عليهن قبل قدومهن للعمل في المواصلات العامة أو حتى في المنزل وهو الأمر الذي يجعل من بيئة عملهن الغير آمنة حلقة مكملة في سلسلة من الانتهاكات التي قد توقع بعضهن فريسة الأمراض النفسية المختلفة.
وأكدت الأخصائية النفسية هالة حماد على أن "بيئة العمل الغير آمنة التي تعاني داخلها النساء من تنمر أو انتهاكات أو حتى تمييز أساسه نوعهن الاجتماعي تؤثر بالتبعية على حالتهن النفسية"، مضيفةً أن "واحدة من أشهر تلك التأثيرات تعرضهن لاضطراب كرب ما بعد الصدمة الذي قد يصاحبهن لوقت طويل، فضلاً عن عدد من الأمراض الأخرى كالاكتئاب والقلق".
ولفتت إلى أن "الضغط على الموظفات من أجل تقديم أفضل ما لديهم أسلوب خاطئ عادة ما يكون له مردود نفسي عكسي عليهن خاصة إن صاحب ذلك عدم وجود تقدير مادي أيضاً وهو ما قد يؤدي لتراجع إنتاجيتهن ووقوع بعضهن فرائس الأزمات النفسية المتنوعة".
أسباب غياب الأمن في أماكن العمل
وأوضحت أن "هناك عدد من الأسباب التي تجعل من بيئة العمل غير آمنة للنساء جزء منها متعلق بطبيعة نوعهن الاجتماعي كالتعسف في المواعيد أو الطلبات التعجيزية أثناء فترتي الحمل والرضاعة وهو ما يحملهن أعباء مضاعفة"، مضيفةً "أن هناك أيضاً ضغوط مرتبطة بثقافة القائمين على الإدارة الذكورية المنحازة لبني جنسهم في عدد من الأمور ومنها على سبيل المثال التمييز في الأجر باعتبار أن الرجل يتحمل مسؤوليات بينما لا تقوم المرأة بذلك، وهو ما يلقي بظلاله على النساء ويزيد من إفقارهن علماً بأن المبررات التي يتم التحدث عنها في هذا الأمر لا علاقة لها بالواقع لأن العدد الأكبر من النساء بتن معيلات لأسرهن ولديهن التزامات قد تفوق الرجال، فضلاً عن كون الأجر مقابل العمل وبالتالي يجب أن تتحكم به الانتاجية وليس النوع الاجتماعي".
وترى الصحفية هالة حماد أن "أقوى الحلول تتمثل في امتلاك المرأة ذاتها للمعرفة بحقوقها مما يجعلها قادرة على وضع حدود لمن حولها في العمل ومن ثم لن تسمح بوجود أي انتهاك لتلك المساحات الواضحة وحال حدوث ذلك تصبح أكثر وعياً بسبل الحصول على حقها وأدوات حمايتها".