تمثيل النساء في المناصب القيادية في ليبيا... بين الدراسة الأممية والتجارب المحلية

القيود الاجتماعية التي تحاصر الطموحات النسائية في ليبيا، تُظهر واقعاً معقداً تتشابك فيه العوامل الاجتماعية والثقافية مع غياب الدعم المؤسسي، ما يجعل تمكين المرأة وتقدمها نحو المناصب القيادية تحدياً حقيقياً.

منى توكا

ليبيا ـ أكدت ليبيات على ضوء دراسة حديثة أصدرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة إن غياب الوعي بدور المرأة يحد من صعودها إلى مراكز قيادية، ويتجلى ذلك في التحديات التي تواجه النساء العاملات والنظرة التقليدية لدور المرأة وضعف دور البيئة الداعمة لطموحاتها.

كشفت دراسة حديثة أصدرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة، عُرضت خلال جلسة نقاش افتراضية في نيسان/إبريل الفائت، أن النساء يُشكّلن قرابة 46 بالمئة من القوى العاملة في المؤسسات الحكومية الليبية، إلا أن تمثيلهن في المناصب القيادية لا يزال محدوداً بشكل ملحوظ.

وجاءت هذه الدراسة ضمن فعالية أقامتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وهيئة الأمم المتحدة للمرأة احتفالاً باليوم الوطني للمرأة الليبية، بهدف تسليط الضوء على التحديات التي تعيق تمكين المرأة في القطاع العام.

أشارت نتائج الدراسة إلى أن النساء تتركزن في قطاعات محددة، مثل التعليم بنسبة 70بالمئة، والصحة بنسبة 63بالمئة، بينما يتدنى وجودهن في مجالات حيوية كالدفاع 4 بالمئة، والشؤون الداخلية 7 بالمئة، كما كشفت الدراسة عن ضعف إنفاذ القوانين الداعمة للمرأة، إلى جانب استمرار العوائق الاجتماعية والثقافية التي تُقيّد صعود النساء إلى مواقع صنع القرار.

 

دعوات رسمية لتغيير الواقع

أكدت وزيرة الدولة لشؤون المرأة، الدكتورة حورية طرمل، على ضرورة تضافر الجهود الدولية والمحلية لتمكين المرأة الليبية "أدعو جميع النساء إلى التكاتف في جميع القضايا، سواءً كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، أنا متفائلة ومتحمسة رغم كل ما يحيط بنا، وعلى ثقة كبيرة بأننا معاً سنحقق هذا الهدف، سنهيئ بيئة آمنة للمرأة الليبية".

فيما شددت ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة في ليبيا وتونس فلورنس باستي، على ضرورة ترجمة نتائج الدراسة إلى سياسات عملية "يجب علينا تعزيز الحوكمة المؤسسية، وتطبيق أنظمة ترقية قائمة على الجدارة، وتهيئة بيئات عمل آمنة وداعمة للمرأة، وعلينا مواصلة الاستماع إلى أصوات النساء، لا سيما العاملات في الصفوف الأمامية في الخدمة العامة".

 

أصوات نسائية حيّة تكشف عمق التحديات

واتفقت الفاعلات في المجتمع المدني والإعلام والنقابات من الجنوب الليبي برؤيتهن لأسباب ضعف التمثيل القيادي للمرأة حيث تتجلى التحديات التي تواجه النساء العاملات بوضوح أكبر إذ تتداخل العوامل الاجتماعية والثقافية مع ضعف البنية المؤسسية، ما يجعل صعود المرأة إلى المناصب القيادية مهمة شاقة، ومن خلال شهادات عدد من النساء الناشطات والمهنيات في المنطقة، تظهر صورة أوضح للواقع المُعاش.

تقول رئيسة نقابة الصناعات التقليدية على مستوى الجنوب الليبي عائشة معتوق، إن دور المرأة في الجنوب قوي ومؤثر، لكنه غالباً ما يكون خفياً وغير ظاهر، وأرجعت ذلك إلى الطبيعة الذكورية للمجتمع "في مجتمعاتنا، هناك نزعة واضحة لدى الرجال للسيطرة على المواقع القيادية، هذا الوضع يُعزز الخوف لدى النساء من التقدم ويجعل الكثير منهن يفضلن البقاء في الظل، بعيداً عن الصفوف الأولى".

 

 

القيود الاجتماعية تحاصر الطموحات النسائية

أما الإعلامية منى عبد المؤمن، سلطت الضوء على القيود الاجتماعية التي تحاصر النساء، خاصة في الجنوب، مؤكدةً أن هذه القيود لا تزال تُثقل كاهل المرأة، حتى وإن كانت متعلمة وطموحة "هناك ثقافة راسخة تعتبر المرأة مسؤولة أولاً عن الأسرة، وإذا نجحت في مجالها المهني، غالباً ما يكون ذلك على حساب بيتها وأطفالها، وهذا يعود لغياب الدعم المنزلي وعدم توفر بنية تساعدها على التوفيق بين العمل والأسرة، وهذا ما يجعل الكثير من النساء يتراجعن عن طموحاتهن، فضلاً عن العادات والتقاليد التي لا تزال ترى في المرأة موظفة منزلية لا قائدة أو صانعة قرار".

 

 

غياب الوعي الذاتي يُقيد النساء في أدوار تقليدية

من جهتها بينت رئيسة مؤسسة "بيت فزان" عائشة يوسف، إن غياب الوعي الذاتي بدور المرأة هو أحد أبرز أسباب ضعف مشاركتها في المناصب العليا "تُحصِر كثير من النساء أنفسهن في وظائف تقليدية مثل الشؤون الاجتماعية أو شؤون المرأة، رغم أن لديهن الكفاءة لتولي وزارات سيادية مثل العدل أو الخارجية أو حتى الدفاع، في دول أخرى، مثل الإمارات، نجد النساء في الصفوف الأمامية للعمل الدبلوماسي، بينما في ليبيا، تظل المرأة غائبة لأن المجتمع لا يُحمّلها هذا الطموح".

 

 

الخوف وثقافة التمييز لا تزال قائمة

وترى الناشطة المدنية صبرية سعيد أن المرأة الليبية تعاني من حالة خوف مستمرة من الفشل، ناتجة عن بيئة اجتماعية تقليدية لا تحتفي بالمبادرة النسائية "هناك تمييز على أساس الجنس، وقلة وعي لدى المجتمع بأهمية وجود النساء في المواقع القيادية، هذا الخوف لا ينبع من نقص في القدرات، بل من غياب الحماية المجتمعية والدعم المؤسسي الذي يسمح للمرأة أن تخوض التجربة دون أن تُحاكم عند أول عثرة".

 

 

المرأة قادرة لكن الثقة المجتمعية غائبة

أما الناشطة الحقوقية والمديرة التنفيذية لمؤسسة "بيت فزان" خديجة بدر فقد ربطت بين النظرة الذكورية للمرأة وبين ضعف تمثيلها في المناصب القيادية "لا زال المجتمع يُقيّم قدرات المرأة ضمن حدود ضيقة، محصوراً في مجالات كالتعليم والصحة فقط، رغم أن المرأة أثبتت كفاءتها في بعض المواقع التي أُتيحت لها، إلا أن الضغط الاجتماعي، والشك في قدرتها، يمنعانها من الوصول إلى مناصب صنع القرار، هي قادرة، لكن الظروف لا تتيح لها إثبات ذلك كما يجب".

 

 

المرأة محصورة في التعليم

بينما عبّرت الناشطة الميدانية زمزم أحمد عن أسفها لما وصفته بـ"حصر المرأة في زاوية التعليم"، موضحةً أن هذا الحصر حرمها من فرص التمثيل في قطاعات أخرى لا تقل أهمية "يبدو وكأن المرأة خُلقت فقط للتعليم، وهذا النمط تم تكريسه من قبل المؤسسات"، مبينة أن "الكثير من النساء خضن تجارب صعبة، وتعرضن لضغوط كبيرة، توقفن عن الاستمرار ولكن كان بإمكانهن جعل ذلك نقطة انطلاق لهن نحو التمكين، نحن بحاجة إلى وعي جديد يُعيد تعريف دور المرأة ويفتح أمامها المجال لتكون فاعلاً رئيسياً في صناعة القرار".

 

التمكين الحقيقي يبدأ من الاعتراف والتغيير

تُظهر آراء النساء من الجنوب الليبي واقعاً معقداً تتشابك فيه العوامل الاجتماعية والثقافية مع غياب الدعم المؤسسي، ما يجعل تمكين المرأة وتقدمها نحو المناصب القيادية تحدياً حقيقياً، وعلى الرغم من الكفاءات المتوفرة لدى النساء، فإن الحواجز لا تزال قائمة، سواء في شكل نظرة تقليدية لدور المرأة أو ضعف في تهيئة بيئة داعمة لطموحاتها.

تُعزز هذه الآراء ما خلصت إليه دراسة هيئة الأمم المتحدة للمرأة من ضرورة مراجعة السياسات الحالية، وتبني آليات أكثر فاعلية تُشجع المرأة على خوض غمار القيادة، فتمكين المرأة لا يتحقق بالشعارات، بل بإصلاح جذري للثقافة المؤسسية، وتوفير مسارات تدريب وتأهيل، ودعم اجتماعي وأسري يمكّنها من التوفيق بين أدوارها المختلفة.