صمت المغربيات يؤدي إلى ارتفاع ضحايا العنف الرقمي

يعتبر العنف الرقمي ضد النساء ظاهرة جديدة ارتبطت بالثورة المعلوماتية، ففي المغرب هناك قرابة مليون ونصف امرأة تعرضت للعنف الرقمي خلال عام 2019؛ أي بمعدل انتشار يصل إلى 13.8 في المائة

حنان حارت
المغرب ـ .
كشفت معطيات المندوبية السامية للتخطيط في المغرب حول نتائج البحث الوطني حول العنف ضد النساء والرجال في عام 2019، أن أغلب ضحايا العنف الرقمي كن بالوسط الحضري، وأن حدة العنف الإلكتروني تزداد بين الشابات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و24 سنة، وذوات التعليم العالي، والعازبات والتلميذات والطالبات، في حين أن مرتكبي العنف الالكتروني هم في الغالب رجال أي بنسبة 86.2%، ولاسيما المجهولون منهم بنسبة 72.6%.
وفي ظل هذه الأرقام الرسمية، تلتزم أغلب النساء ضحايا العنف الرقمي في المغرب الصمت مخافة تحميلهن مسؤولية ذنب لم يقترفنه، وتحوليهن من ضحايا إلى متهمات، في مقابل ذلك تسعى ناشطات حقوقيات وجمعيات حقوقية إلى كسر  الصمت، والتوعية بأن آثاره لا تقل خطورة عن أشكال العنف الأخرى ضد النساء، معتبرين أنه أبشع أنواع العنف لأنه يظل يلاحق النساء طوال حياتهن.
 
بداية الوقوع في الفخ
لم تكن تتوقع (ش.ع) البالغة من العمر 26 عاماً من مدينة الدار البيضاء، استخدامها لمواقع التواصل الاجتماعي سيجعلها عرضة للابتزاز، تقول لوكالتنا "لم أكن أتوقع أن ما أنا بصدده سيوقعني في فخ، فقلة تجربتي كانت سبب اندفاعي، بدأ الأمر في الفيسبوك عندما كان شخص يحاول الحديث معي، لكني لم أكن أرد عليه في البدء، وعندما كنت أشارك صوري كان أول من يعلق عليها، ويمتدح جمالي، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي تجاوبت معه وبدأ لدي بعض الفضول لمعرفة من هذا الشخص الذي بات مهتماً بي، وهكذا بدأت أتواصل معه بشكل يومي، ثم طلب رقم هاتفي حتى نتواصل على الواتس آب فلم أمانع، صرنا نتكلم لساعات طوال ولوقت متأخر". 
وتتابع "في ظل شهر واحد تطورت علاقتنا رغم أنه لم نلتقي أبداً، وفي الحقيقة كان هذا النوع من العلاقة يناسبني لأني من عائلة محافظة ولا أستطيع لقاءه، كما أنه أخبرني أنه يقطن في مدينة بني ملال وهكذا يصعب لقاؤنا في الوقت الراهن".
تستمر في سرد قصتها "كان يسألني عن نوع الملابس الداخلية التي أرتديها، في البدء كنت أرفض إخباره، لكن كلامه المعسول جعلني أندفع وأخبره بكل ما يريد، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي أخبرني أن أرسل له صورتي وأنا أرتدي فقط ملابسي الداخلية، في الحقيقة ترددت كثيراً لكن طمأنته لي بألا أخاف وأن الأمر سيظل بيننا وأنه سيرسل لي صورته شبهها حتى أطلع على تفاصيل جسده، جعلني أنفذ ما يرغبه".
تقول بلهجة تحمل أسى "بمجرد ما أرسلت له صورتي، طالبته بإرسال صورته أيضاً، لكنه ظل يماطل، وخرج من الواتس آب على الفور، وأطفأ هاتفه، نمت تلك الليلة، وفي الصباح عاودت الاتصال به لكن ظل هاتفه مغلقاً، دخلت إلى الفيسبوك لأرى إن كان متواجداً لكن لم يكن له أثراً، ظللت طوال ثلاثة أيام وأنا لا أدري سبب تصرفه، وما الذي يريد الإقدام عليه، وكانت المفاجأة في اليوم الرابع حين تلقيت مكالمة من مجهول يخبرني أن الصورة التي أرتدي فيها ملابسي الداخلية جميلة جداً وأنها وقعت بين يديه، وأنه سيقوم بمشاركتها مع أصدقائي عبر الفيسبوك، وسيرسلها عبر الواتس آب لكل معارفه، إن لم أرسل له 2500 درهم أي 250 دولاراً".
تسترسل في حديثها والدموع تنهمر من عينيها "في تلك اللحظة تمنيت لو انشقت الأرض وابتلعتني، فأنا لا أملك المبلغ الذي طلبه؛ فأنا لا أعمل وليس لدي أي أحد يمكنه إقراضي، لقد منحني مهلة لأسبوع فقط وقال لي إنه سيعيد الاتصال بي، ليقول لي كيف سأرسل له المبلغ، ظللت أضرب أخماساً في أسداس، وكيف سأواجه هذه الفضيحة، وكيف ستكون ردة فعل والدي وإخوتي، حينها فكرت في الانتحار، لكني في الأخير ارتأيت مصارحة أختي الكبرى، علها تخلصني من هذه الورطة". 
وتضيف "ظلت أختي تلومني على فعلتي، وكانت تردد في كل مرة ماذا لو نشر الصورة، كانت أختي حريصة على إيجاد حل لي، فأخبرتني أنها ستتولى الأمر، انتزعت مني هاتفي وتركته معها حتى إن اتصل الشخص تجيبه هي، وصل الموعد الذي حدده فاتصل فأجابته أختي، وبعد أخذ ورد أخبرته أنه ليس بحوزتها إلا 2000 درهم (200 دولار)، إن كان موافقاً كيف لها أن تسلمه المبلغ، فأخبرها أن ترسله عبر إحدى وكالات التحويل المالي، لكنها أخبرته عن الضمانات التي ستجعلها مطمئنة أنه لن يقوم بنشر الصورة وعدم مطالبتها بمبالغ أخرى، فقال لها إنه سيقوم بحذفها من الهاتف نهائياً وأنه لديه ذمة وشرف، وأنه يراعي القدرات المادية لضحاياه وأنه يفعل ذلك لمرة واحدة مع كل ضحية، قائلاً لها إنه علي أخذ احتياطاتي في المستقبل وأنه لا يجب الثقة في أحد مهما كان".
وبالرغم من مرور سنتين على هذه الواقعة كما تقول لا زالت تشعر بالخوف "منذ ذلك اليوم حذفت تطبيق الفيسبوك، ولا أعطي رقم هاتفي إلا للأشخاص الذين أعرفهم جيداً، إلا أن الخوف لا زال ينتابني كلما رأيت رقماً لا أعرفه يتصل بي".
وتوصي ( ش.ع) الفتيات بعدم الثقة في أي شخص على مواقع التواصل الاجتماعي، وألا تشارك أي صور أو فيديوهات لها مع أياً كان، مشيرة إلى أن المجتمع لا يرحم المرأة، فهو يعتبرها دائماً مذنبة رغم أنها تكون الضحية.
 
غياب مفاهيم محددة للعنف الرقمي
اعتبرت الناشطة الحقوقية والمهتمة بقضايا المرأة والطفل سعاد الطاوسي، أن العنف الرقمي يعتبر قديم- جديد، بحيث أنه في غياب مفاهيم محددة لهذا النوع من العنف والملابسات التي ارتبطت به يبين أنه نوعاً من أنواع العنف الست.
وتقول سعاد الطاوسي أنه مع الثورة المعلوماتية والإقبال الكبير والإمكانيات التي أتاحتها منصات التواصل الرقمي بدأ العنف الرقمي يطفوا على الساحة، وذلك لسهولة إنشاء حسابات وهمية بأسماء مستعارة، إضافة إلى أنه في المغرب أيضاً توجد سهولة في اقتناء بطاقات الهاتف التي لا يتعدى ثمنها 10 دراهم (دولار واحد)، ويتم ذلك دون الإدلاء بهوية الشخص الراغب في اقتناء الشريحة؛ وبالتالي فإن المتحرش يجد أمامه أرضية خصبة لتنفيذ خططه وجرائمه والإيقاع بضحاياه، وذلك لتعدد وسائل الاستقطاب. 
 
غموض يلف الظاهرة بسبب القانون
وتعيب سعاد الطاوسي على قانون محاربة العنف، فالبرغم وجود فصول في القانون تشير إلى العنف الرقمي، إلا أنه ليس هناك تعريفاً محدداً ودقيقاً، ما يجعل هناك نوع من الغموض في هذا الأمر.
وتشير إلى وجود اختلالات مجتمعية تتعلق بالتنشئة والهيمنة الذكورية، والحرمان الجنسي، ما يؤدي إلى النظر إلى المرأة على أنها جسد يمكن استغلاله بأي شكل من الأشكال، وبالتالي التنقيص من قيمتها في المجتمع.
 
صمت الضحية وتمادي المتحرش
تعد جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، أول جمعية مغربية كشفت عن العنف الرقمي ضد النساء وذلك في عام 2016، بعدما لجأت لها شابة مغربية تعرضت للابتزاز، من أجل تقديم الدعم والمساندة لها.
تقول رئيسة الجمعية والناشطة الحقوقية بشرى عبدو أن "العنف الرقمي ضد النساء أضحى من الظواهر المقلقة لكون أغلب الضحايا يفضلن الصمت"، مشيرةً إلى أن جمعيتها تستقبل أسبوعياً اتصالات من نساء ضحايا للتحرش الإلكتروني، تتنوع الحالات بين التشهير والابتزاز.
وتوضح "إن الحالات التي تستقبلها الجمعية من جرائم تحرش لا يكون فقط من قبل الأشخاص المجهولين، بل هناك ضحايا تتعرضن للتحرش من قبل المقربين لهن كالخطيب، والصديق الحميم، والجار الذي يعرف كافة التفاصيل الأسرية عن الضحية، منوهةً إلى أن الشخص بمجرد الوصول إلى مبتغاه واستدراج الفتاة يعمد إلى استغلال الصور أو الفيديوهات الخاصة بالضحية، كتهديدها ونشرها للعموم.
وأبرزت بشرى عبدو أن الخوف من الفضيحة والتعرض للملاحقة القضائية، يمنعان النساء ضحايا العنف الرقمي إلى الكتمان، وبالتالي فإن ذلك يكون دافعاً للأشخاص الذين يمارسون العنف الرقمي ضد النساء إلى التمادي في أفعالهم وحصد المزيد من الضحايا. 
 
 العنف الرقمي بالأرقام
أظهرت دراسة سابقة لجمعية التحدي والمساواة والمواطنة نشرت في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2020، أن ما يقارب 87 في المائة من النساء ضحايا العنف الإلكتروني في المغرب فكرن في الانتحار، وما يقارب 20 في المائة منهن حاولن، بينما أقدمت سيدة واحدة منهن على الانتحار بالفعل.
وأشارت نتائج الدراسة التحليلية حول العنف الرقمي ضد النساء بالمغرب، أن 60 في المائة من المعتدين هم أشخاص معروفون لدى الضحية، في حين أن 40 في لمائة منهم أشخاص مجهولون.
وكشفت الدراسة أن عدد النساء المعنفات رقمياً واللواتي لجأن إلى مركز الجمعية بوحدتيه القارة والمتنقلة، يقدر ب 215 حالة، 34 في المائة فقط من الضحايا استطعن تبليغ السلطات أو أحد أفراد العائلة أو أحد الأصدقاء أو الصديقات، في حين أن66 في المائة لم يستطعن الإفصاح أو الإبلاغ. 
الضحية تصبح في نظر المجتمع متهمة
ومن جهتها تحاول الأخصائية النفسية سكينة الزرادي، تحليل سلوك المتحرش قائلة "إن الشخص المتحرش "الرقمي" هو إنسان ذو سلوك مضطرب بغض النظر عن سنه ومستواه الاجتماعي والثقافي".
وأشارت إلى أنه إذا كان التحرش الجنسي بالفضاءات العمومية مشكلة خطيرة، فإن شيوع الظاهرة بالفضاءات الرقمية، يزيد من خطورة الوضع، موضحة أن المرأة التي يمارس عليها العنف عبر منصات التواصل الاجتماعي تكون الآثار النفسية لديها جد كبيرة، لأنه يتم تحميلها مسؤولية كل ما يقع والنظر إليها على أنها مذنبة وليست ضحية، وأنه لولا ولوجها إلى مواقع التواصل الاجتماعي لما تعرضت لهذا النوع من العنف.
وأوضحت أن الضحية تلجأ إلى الصمت خشية نظرة المجتمع لها وتفادياً "للفضيحة"، وهنا تكون أمام استسلام تام للمتحرش إما تخضع لابتزازاته المادية أو لنزواته الجنسية، تقول الأخصائية النفسية إن المرأة التي تتعرض للعنف الرقمي مع الوقت تصبح تكره نفسها، وتنتابها هواجس الانتحار.