شهور في معتقلات المرتزقة لا يعلم عن حالهن أحد

لا تنتهي معاناة النساء في المناطق المحتلة بشمال وشرق سوريا، فمنذ احتلال مدينة رأس العين/سري كانيه في تشرين الأول/أكتوبر 2019 تعرضت العديد من النساء للاعتقال والتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان.

سري كانيه ـ
كشفت المعتقلة السابقة في سجون مرتزقة الاحتلال التركي (هـ. خ) البالغة من العمر 41 عاماً وهي ممرضة سابقة في إحدى مشافي المدينة، عن تفاصيل اعتقالها والتعذيب الذي تعرضت له هي وغيرها من المعتقلات، "في إحدى الليالي طرق عناصر من الفصائل المسلحة بابنا، لم يكن زوجي في المنزل، وعندما خرجت سألوني هل أنت (هـ. خ) فأجبتهم نعم، عندما نادوا عليّ باسمي شعرت وكأنهم جاؤوا خصيصاً من أجلي، فقاموا بتقييد يديّ وعندما بدأت بالصراخ بدأ أطفالي بالبكاء والصراخ، واقتادوني إلى سيارة كانت تقف بالقرب من المنزل".
تقول "كنت خائفة ويزداد خوفي عندما أتذكر أن أطفالي بقوا لوحدهم كما أن زوجي لا يعلم بما حصل معي، وعندما وصلنا إلى المبنى الذي يتخذونه مقراً لهم تركوني في غرفة داخله، وكان هناك عدد من النساء والرجال كلهم في نفس الغرفة"، وتضيف "رأيت إحدى زميلاتي التي كانت تعمل معي في المستشفى، وكانت هي الأخرى لا تعلم وقتها عن سبب تواجدها في ذلك المكان".
 وبعد مرور أكثر من أسبوع على اعتقالها تم نقلها لغرفة أخرى تصفها بالقول "رأيت فيها الموت"، وتضيف عن الانتهاكات التي ارتكبت بحقها " في كل يوم ولحظة تكون فيها بين جدران معتقلاتهم وخلف أبوابها يتم انتهاك كرامة المرأة. اعتقلت لعام كامل، قاموا بخلع ملابسي كلها وجلدوني بسلك كهربائي بعد أن علقوني في السقف أمام عناصر من المرتزقة، كما أنه كان هناك رجال معتقلين شاهدوني عارية، لا أعتقد أن هناك شيء أسوء من أن تتواجد المرأة في مثل هذا الموقف وفي مثل هذه الظروف، كان صوت صراخي يملئ المكان لكن سرعة الضربات كانت أقوى، لم يتوقفوا عن ضربي إلا بعد أن فقدت الوعي، كان هدفهم تعذيبي والنيل من عزيمتي وليس تحقيق ما يسمونه بأمن المنطقة". 
وتتابع (هـ. خ) وصفها للتعذيب الممنهج الذي تعرضت له "بقيت فاقدة للوعي لمدة يومين دون أن يستطيع أحد مساعدتي أو الاقتراب مني لمعرفة إن كنت لا أزال على قيد الحياة أو لا، وبعد أن استعدت وعيي جاءت مرحلة التحقيق ففي قاموسهم يجب أن تعرف معنى العذاب حتى توافق على التهم الموجهة ضدك".
وتضيف "في البداية سألوني عن مهنتي وعن عمل زوجي وكم لدي من الأطفال، كنت أجيب ببضع كلمات لأنني كنت متعبة جداً، وفي نهاية التحقيق سألني عن المكان الذي كنت أعمل فيه فقلت له أنني كنت أعمل في مشفى تابع للمدينة فرد عليّ هذا يعني أنك كنت تداوين الإرهابيين وتسهرين على راحتهم، وعندما قلت له أن طبيعة عملي تتوجب عليّ فعلي ذلك قام بركلي بإحدى قدميه فأوقعني على الأرض لأفقد الوعي مرة ثانية".
لم تكن قصة (و. أ) البالغة من العمر 29 عاماً مشابهة لغيرها من المعتقلات، فقد تم اعتقالها مع أحد أشقائها عندما حاولوا عبور الحدود السورية التركية بغية الوصول إلى ألمانيا هرباً من بطش الاحتلال ومرتزقته، فتقول "حاولنا الهروب من الموت لكن الموت لحق بأخي الذي كان يكبرني بأربعة أعوام وهو يعاني من مرض مزمن في الكبد، بعد أن قام حرس الحدود التركي باعتقالنا وتسليمنا لعناصر المرتزقة الذين قاموا بتفريقنا بعد أن أخذوا كل ما نملك من مال وثبوتيات شخصية، عذبوا أخي أمام عيني فتناوبوا على ضربه وركله بأحذيتهم، أما أنا فقد حبسوني في غرفة كان فيها عدد من النساء والأطفال الذين أيضاً حاولوا عبور الحدود".
وأردفت "سمحوا لي برؤيته بعد إلحاح شديد مني، عندما رأيته كان بوضع صحي سيء فهم لم يسمحوا له بتناول أدويته بحجة أنها قد تحوي حبوب مخدرة أو ما شابه، عمدوا أن يتحرشوا بي أمامه بهدف تعذيبه نفسياً، فهم يعلمون أنه لن يتحمل ذلك، وقاموا بصعقي بالتيار الكهربائي، وكان أحدهم يهمس في أذني وهو يستهزأ قائلاً هكذا تريدين ترك وطنك أليست المرأة نصف المجتمع".
وتتابع حديثها "بعد يومين من الاعتقال وخلال التعذيب أبلغوني أن أخي توفي، في تلك اللحظة نسيت أنني اتعذب أو أن السياط تأكل من جسدي، أعادوني إلى باقي المعتقلات وكنت قد دخلت في صدمة نفسية هي الأعنف في حياتي، حققوا ما كانوا يرمون إليه قتلوا أخي ودمروني نفسياً، لم يكن التعذيب الجسدي والتهديد بالاغتصاب كافياً بالنسبة لهم، أرادوا تدميرنا جسدياً ونفسياً".
أما (ف. ش) البالغة من العمر 64 عاماً لم تكن هي المعتقلة بل هي أم لإحدى المتعقلات السابقات في سجون المرتزقة، تروي هذه الأم قصة اعتقال أبنتها فاطمة خليل (اسم مستعار) البالغة من العمر 38 عاماً وهي أرملة وأم لطفلين، "اعتقلوا ابنتي لمدة سبعة أشهر، فقط لأنها استقبلت عدد من العوائل التي قام مرتزقة الاحتلال التركي بترهيبهم وتهجيرهم من بيوتهم، بحجة أنها آوت مجموعات إرهابية في منزلها وتعاملت معهم وساعدتهم على الفرار إلى خارج نطاق سيطرتهم"، وتضيف "لم يسمحوا لنا بزيارتها أو الحديث معها بأي وسيلة اتصال، وفي البداية عندما كنا نبحث عنها في مراكز الاعتقال التي يسيطرون عليها لم يكونوا يخبرونا بالحقيقة، عمدوا دائماً إلى تضليلنا حتى تبقى أطول فترة ممكنة بحوزتهم".
وتنقل على لسان ابنتها ما عاشته في المعتقل قائلة "عادت إلينا وهي في دهشة لما رأته وما جعلوها تعيشه، تحرشوا بها جسدياً أمام العديد من المرتزقة بحجة التفتيش وكذلك تعرضت للتحرش اللفظي وتم تهديدها بالاغتصاب علناً أمام المعتقلين سواءً النساء أو الرجال، كما قاموا بجلدها بقسوة حيث لا تزال آثار الجراح واضحة على جسدها ووجهها، عاملوها بكل وحشية حتى أنهم لم يقدموا لها أي نوع من الرعاية أو المساعدات الطبية التي تحتاجها، وكانوا يتناوبون على تعذيبها على مدى الأشهر السبعة".
وتطرقت (ف. ش) لحالة ابنتها النفسية بعد أن خرجت من المعتقل "بعد أن خرجت من السجن لم تكن بحالة صحية جيدة فقد امتلأ جسدها بالضربات والجراح وأصيبت بالتهاب حاد في القصبات الهوائية، كما أن حالتها النفسية تدهورت كثيراً بسبب ما عانته، فقد كانت تصرخ وهي نائمة وتستيقظ في حالة من الرعب الشديد، كما أنها حاولت الانتحار عدة مرات"، وتضيف "لذلك قمنا بإبعادها حيث بدأت تخضع لجلسات الطب النفسي، لم يكن ما تعرضت له قليلاً لقد كان سبباً في تدمير حياتها وحياة أطفالها، فهي لم تعد تحتمل نظرة الناس إليها فهم لا يرحمونها يتهامسون عليها ويلفقون الكثير من القصص حول قضية اعتقالها مما تسبب لها بعقدة نفسية".
وبحسب لجنة التحقيق الدولية فقد قامت تركيا وما يعرف بـ "الجيش الوطني السوري" بنهب الممتلكات الخاصة واعتقال المئات وتنفيذ سبع عمليات إعدام في المناطق التي تحتلها في شمال وشرق سوريا، كما ارتكبت القوات المدعومة من تركيا عنفاً جنسياً ضد النساء والرجال في المناطق الخاضعة لسيطرتها، بما فيها ثلاثين عملية اغتصاب على الأقل.