'ساعدني للحصول على حقي ولا تساعدني شفقة'

معاناة مزدوجة تعيشها النساء من ذوي الإعاقة، الأولى قائمة على التمييز الجنسي والثانية على أنهنَّ من ذوي الإعاقة، كذلك تلعب عدم مواءمة البنية التحتية لاحتياجاتهنَّ دوراً في ازدياد الصعوبات

دانا أبو عياش 
الأردن ـ
تلعب النظرة المجتمعية نحو الشخص ذو الاعاقة دوراً مهماً على صحته النفسية، فعدم تقبله وتهميشه ينعكس سلباً على تكيفه مع ذاته ومع المجتمع المحيط به. فيما لو تم اعتباره جزءاً من نسيج المجتمع والتعامل معه على هذا الأساس سيخلق منه إنساناً فاعلاً في المجتمع.
هديل أبو صوفة (31) عاماً لم تستسلم للإعاقة، بعد أن خسرت قدرتها على المشي بحادث سير منذ كان عمرها 11 عاماً، ولم تثبط عزيمتها نظرة الشفقة أو الانتقاص التي رأتها في عيون كثير ممن حولها، بل أكملت تعليمها وأصبحت مدربة ومستشارة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
تقول هديل أبو صوفة لوكالتنا وكالة أنباء المرأة "لم أتأقلم بسرعة مع وضعي الجديد عندما انقلبت حياتي رأساً على عقب من فتاة تلعب وتركض إلى فتاة ملتصقة بالكرسي لا تستطيع عمل شيء دون مساعدة".
هديل أبو صوفة كانت طفلة نشيطة ودائمة الحركة كما تقول لكن حياتها تغيرت، وحتى عائلتها لم تكن تتقبل فكرة استخدامها الكرسي المتحرك "فكروا دائماً إن كُنت سأعاود المشي على قدمي من جديد أم انني سأبقى على حالي، وإذا ما حدث ذلك كيف سأكمل حياتي، سيطرت عليهم مخاوف كثيرة من هذا القبيل". مضيفةً "مرات عديدة شعرت بالضعف لكنني لا أذكر سوى دعم أهلي في كل مرة وتشجيعهم ومشاركتهم لي في مبادراتي ونشاطاتي، سواء داخل الأردن أو خارجها، كانوا من أوائل الناس الموجودين والحاضرين لدعمي".
بطبيعة الحال كان عليها العودة إلى المدرسة لإكمال تعليمها وهنا بدأت تلتمس الصعوبات والتحديات التي يعاني منها ذوي الإعاقة الذين لا يمكنهم المشي كصعود الدرج وسلوك بعض الأفراد كمديرة المدرسة التي لم تراعي وضعها الجديد، بل عاملتها بطريقة صلفة كما تؤكد "رغم ذلك أعد نفسي محظوظة بوجود عائلة وأصدقاء لم أشعر معهم بالفرق ولم يشعروني بأني مختلفة".
بعد أن استطاعت تخطي المرحلة الثانوية دخلت الجامعة واختصت بعلم وتكنلوجيا الغذاء "اسمي هذه المرحلة بمرحلة الإدراك والوعي، وساعدتني هذه المرحلة على معرفة حقوقي كانسان بشكل عام وحقي كشخص من ذوي الإعاقة بشكل خاص". مشيرةً إلى أن هذه القوانين لا تطبيق ذلك على أرض الواقع، "هناك غياب في الرقابة لتطبيق هذه القوانين في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية".
كما لاحظت أن الأشخاص ذوي الإعاقة يعانون من عدم توفر مرافق خاصة بهم "كنا نصوم لمدة يوم كامل لا نأكل ولا نشرب لعدم وجود دورات مياه مُهيأة لنا"، هذه التحديات وغيرها دفعتها نحو إطلاق حملة مع زملائها من أجل حقهم في التعلم وعدم التمييز وتكافئ الفرص "شعرت أن بداية مشواري مع حقوق ذوي الإعاقة قد بدأ".
 
مرحلة الإنجازات
تسمي هديل أبو صوفة الفترة التي كانت تتعلم فيها بالجامعة بمرحلة الإنجازات بعد أن وضعت خططاً للدفاع عن حقوق ذوي الإعاقة "قررت أن أكون مدربة لتوعية الأشخاص ذوي الإعاقة، وتمكينهم ومساعدتهم لعيش حياتهم، ورفع صوتهم للمطالبة بحقوقهم وإنهاء التمييز الممارس ضدهم حتى ينخرطوا في المجتمع".
وتبين هديل أبو صوفة وقد بدأت العمل كمدربة وناشطة ومستشارة في قضايا وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والدمج منذ 8 سنوات بعد أن حصلت على تدريبات متخصصة وشهادات معتمدة دولياً بقضايا حقوق الإنسان وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، أن خلو معظم المرافق والمنشآت التعليمية والطبية من التسهيلات البيئية من أبرز التحديات التي يواجهها الأشخاص ذوي الإعاقة "تعتبر هذه التسهيلات من منحدرات في مداخل الأبنية وممرات واسعة بداخلها، والمواصلات ضرورة لتميكن مستخدمي الكرسي المتحرك من التنقل بأريحية"، مضيفة أن توفير هذه المرافق الخدمية تمكنهم من استخدامها بمفردهم دون الاعتماد على أحد.
هديل أبو صوفة لديها خبرة في تقديم الدعم والمساندة التقنية والتدريبات المتخصصة على قضية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتعمل على ضمان جعل المؤسسات دامجة في سياستها وبرامجها لجميع شرائح المجتمع.  وعملت أيضاً على تقديم المساعدة التقنية لعدد من المؤسسات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص.
 
مشاريع للتشجيع
هديل أبو صوفة حاصلة على لقب وجائزة أفضل متطوع في عام ٢٠١٥ من قبل الأمم المتحدة وأم بي سي الأمل، كما أنها خريجة برنامج "جسور" من قبل الاتحاد الدولي للإعاقة. كما أنها من الفريق المؤسس لمساحة شبابية تُعنى بالمشاركة المدنية والسياسية تسمى ليوان وتم تعيينها عضو مجلس أمناء في المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في عام 2017.
تقول "أكملت تعليمي الجامعي وخلال فترة دراستي عملت مبادرات عديدة معنية بحقوق ذوي الإعاقة. وكانت كل مبادرة بالنسبة لي مرحلة ومحطة لأنها تعطيني قيمة مضافة سواء كنت متطوعة أو مترأسة لهذه الحملة أو المبادرة او ناطقة إعلامية فيها".
وأطلقت العديد من المبادرات وكان أولها مبادرة "صار وقتها" في عام 2012 وهي معنية بحقوق الاشخاص ذوي الإعاقة وحق التعليم وتكافؤ الفرص وعدم التمييز، حققت الحملة نجاحات كبيرة أهمها إنشاء 21 دورة مياه مُهيأة، ومنحدرات في كافة الجامعات ومصاعد، وأصبح هناك مترجمين للصم، ومكتبة تسجيل صوتي للأشخاص المكفوفين. هنا لمست الدافع في الاستمرار بإنشاء حملات أخرى معنية بالخدمة المجتمعية". 
وعلى ذلك أنشأت مع إحدى صديقاتها مبادرة بعنوان "مسار" عام 2014 لتشجيع السياحة الداخلية في الأردن بشكل عام، "تفرعت من خلال مشاركتي في هذه المبادرة على تشجيع السياحة الداخلية، وفكرتها أن الأشخاص ذوي الإعاقة لا تقتصر حقوقهم في التعليم والصحة والعمل وانما أيضا حقهم في الترفيه".
وأطلقت كذلك مبادرة باسم "كومستير" عام 2016 وتهدف من خلالها تشجع الأشخاص ذوي الإعاقة على التطوع وتغيير الصورة النمطية عنهم فكونهم من الفئات المستهدفة دائماً في الحملات التطوعية وتحويلهم بدل ذلك لمتطوعين قادرين على خدمة غيرهم. 
وافتتحت مكتب لتقديم الاستشارات في عام 2020 "هذا المجال (الإعاقة) غير موجودة في الأردن والمجتمع غير ملم به، وهناك ضعف وانتهاكات كبيرة، من هنا قررت العمل لوحدي دون أن اتبع لأي جهة أو مؤسسة أو منظمة حتى أستطيع أن أقدم المساعدة التقنية في كيفية انخراط الأشخاص ذوي الإعاقة في هذا المجال". 
إضافة لمبادرة بعنوان "الأردن للعيش المستقل" 2020 على الانستغرام وتعمل من خلاله على توعية ومساعدة الأشخاص الذين تعرضوا للحوادث وأصبحوا من ذوي الإعاقة في التأقلم مع هذه الإعاقة واكتساب المهارات للقيام بالوظائف الحياتية اليومية وكيفية التعامل مع الأدوات الخاصة عن طريف فيديوهات إرشادية، حتى يستطيع الشخص الاعتماد على نفسه وعدم الاتكال على أفراد أسرته لتحقيق الاستقلالية الذاتية له.
 
"النساء من ذوي الإعاقة يعانينَّ أكثر" 
"المرأة ذات الإعاقة مطلوب منها ليس فقط خدمة نفسها والقيام بحاجاتها كما يطلب من الرجل، بل أن تقوم بالعناية بمن حولها، وأحياناً تقوم بكل أعباء البيت وخدمة جميع أفراد الأسرة"، مشيرةً إلى أن بعض الأسر تنكر وجود هؤلاء النساء لكيلا يؤثرنَّ على باقي أفراد الأسرة في الزواج باعتبارهنَّ وصمة اجتماعية.
تقول هديل أبو صوفة عن هذه المعاناة المضاعفة التي تعانيها المرأة من ذات الإعاقة "للأسف ما زال هناك صورة نمطية عن المرأة ذات الاعاقة وأواجه تمييز مضاعف أولاً كوني امرأة وثانياً ذات إعاقة، وما زال هناك أحكام مسبقة تؤخذ عني قبل محاورة الشخص لي ومعرفته بي". مضيفة "الرضى يقاس بمجموعة من المعايير منها أن يكون كل شخص مرتاح ومستقر نفسياً واجتماعياً واقتصادياً، فأستطيع القول إن رضاي عن نفسي كامرأة ذات إعاقة جيد جداً، بغض النظر عن كوني ناشطة أو متطوعة وصاحبة عمل خاص".
وعن سؤالها إن كانت واجهت صعوبات في تطبيق مبادرتها لأنها امرأة قالت إن في بعض الأحيان واجهت هذه الصعوبات "ليس بالمجمل، فبعض الأحيان أواجه هذه العقبات من قبل فئة من المجتمع، وأحياناً أجد الدعم من فئة أخرى"، مشيرةً إلى أن "مجتمعاتنا العربية ما زالت تحمل هذه النظرة اتجاه المرأة بشكل عام من غير إعاقة بأنها شخص غير منتج وغير قادر أن يكون في خضم معارك المجتمع".
وذكرت مثالاً من تجربتها الشخصية "بعض الأشخاص يستنكروا وجودي في التدريبات وورشات العمل المسائية، أو التي تحتاج لسفر ومنامة خارج العاصمة عمان أو خارج الأردن سواء اتجاهي كهديل أو المرأة بشكل عام". مضيفة "بالنسبة لدعم الآخر، كنت أشعر بالحاجة لوجود دعم من أقراني أو نظرائي، وكنت أجد دعم حقيقي منهم بأني امرأة قادرة على إيصال صوتي فإمكاننا إذا ما طالبنا بحقوقنا ورفعنا صوتنا الحصول على كافة حقوقنا".
 
التمييز بين المرأة والمرأة ذات الإعاقة
"المرأة بشكل عام تتعرض لانتهاكات مختلفة، لا يوجد دعم من المجتمع، فاذا قررت المرأة أن تعمل أو تكون أسرة في ذات الوقت تلام على ذلك، فماذا لو كانت امرأة ذات إعاقة، إنهم ينظرون إلينا على أننا نساء عاجزات غير قادرات على تحمل المسؤوليات وغير قادرات على العمل". 
وأضافت "لازال هناك نظرة للمرأة ذات الاعاقة على أنها غير مناسبة للزواج وبناء أسرة لوجود عبء ودور تقليدي يرسمه المجتمع للمرأة وحصر دورها في المطبخ ورعاية الأطفال"، وتعزو هديل أبو صوفة هذه النظرة لغياب التشاركية في الأدوار بين الجنسين، "الادوار محددة من قبل ثقافة المجتمع وسيئة اتجاه المرأة بشكل عام، فكيف لو كانت من ذوات الإعاقة، لان المجتمع لا يعرف قدراتي وما هي متطلباتي التي تساعدني في الانخراط سواء اجتماعياً أو اقتصادياً وأيضاً على مستوى المنزل".
وتؤكد أن التمييز يكون في العمل أيضاً "التمييز في كل قطاع من القطاعات يكون مضاعف، ففي قطاع العمل، نتقاضى أجوراً أقل من النساء من غير ذوي الإعاقة أو من الرجل وحتى من الرجل ذا الإعاقة، فبين المرأة ذات الاعاقة والرجل ذا الاعاقة هناك تمييز كبير". 
وعن الحلول لوقف هذا التمييز شددت على الحاجة لتمكين المرأة ذات الإعاقة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً "هذا التمكين غائب عن أذهان أصحاب القرار وأرباب العمل، فالكثير من النساء لديهنَّ رغبة حقيقية للخروج من هذه القوقعة".
مشيرةً إلى أنها تتكلم باسم جميع النساء من ذوات الإعاقة "ليس بإمكان جميع النساء التحدث، فالكثير منهنَّ موجودات في المنازل ولا توجد لديهنَّ الفرصة للمحاورة أو ابداء رأيهنَّ، هؤلاء النساء من يجب تدريبهنَّ وتمكينهنَّ ومساعدتهنَّ للانخراط في المجتمع".
 
"كل الاشخاص سواء"
"كل شخص يعيش صعوبات وتحديات مختلفة، وأنا أتفهم أننا كأشخاص ذوي اعاقة نواجه صعوبات وتحديات أكبر لأن المجتمع غير داعم، وأيضا عدم وجود البيئة المسهلة التي تساعدنا للوصول الى ذاتنا وقراراتنا".
"حتى وإن شعرت أنك شخص ضعيف وصوتك لا يصل، لا تتخلى عن حلمك أو طموحك أو قرارك بسبب درج أو عدم وجود مترجم إشارة، كلنا نتحدى، وصانع القرار أحياناً يستمع، وأحياناً لا يكون واعي على قضيتك أو متطلباتك، لذلك كل ما حاولت وسعيت خلف حلمك وطالبت بحقوقك ومتطلباتك، أكيد ستجد من يستمع لك، الخذلان كثير لكن صدى الصوت أحيانا أقوى من الأشخاص أنفسهم".
وأشارت إلى أن النساء عليهنَّ مسؤوليات أكبر لتحقيق أهدافهنَّ "كوني قوية لأنك تستحقين العيش في هذه الحياة، ولأن التحديات كبيرة اتجاهنا من قبل المجتمع وحتى من قبل الأهل والأشخاص القريبين منا، ولا تسمحي لأحد أن يقول لك بأنك لست جميلة أو غير قادرة على أن تعملي وتنجزي، دائما أنظري للأشياء الجميلة أمامك بغض النظر عن الآراء السلبية".
 
"ساعدني للحصول على حقي ولا تساعدني شفقة"
وفي ختام حديثها وجهت هديل أبو صوفة رسالة للمجتمع تقول فيها "ساعدني للحصول على حقي ولا تساعدني على أساس الشفقة والعطف والرعاية، نحن جميعنا بشر من حقنا أن نكون جزءاً من هذا المجتمع وننخرط فيه، ولكن تقصير بعض الجهات وبعض الأشخاص تجاهنا نتيجة لأفكارهم الغير منفتحة هو الذي أدى الى عدم انخراطنا بشكل أساسي في المجتمع، ولذلك ينظر إلينا على أننا من ذوي الإعاقة أكثر من كوننا بشر ولنا حقوق".