رغم التشريعات... التمييز والعنف ضد التونسيات يتضاعفان

أكدت الناشطة يسرى بوعافية أن الوضع يتطلب الإصلاح الشامل لمعالجة القضايا النظامية لتعزيز الإنصاف والعدالة للجميع دون إقصاء وتهميش.

زهور المشرقي

تونس ـ قالت رئيسة جمعية "فنارة" يسرى بوعافية، أن حماية التونسيات من العنف المزدوج يتطلب دعماً من الحكومة وإيماناً منها بقضايا النساء العادلة ووعياً مجتمعياً وتنفيذاً للقوانين.

أوضحت رئيسة جمعية "فنارة" يسرى بوعافية إن التمييز القائم على النوع الاجتماعي أو الجندر يعرفه الناس كونه تمييز بين الجنسيين، بالمفهوم الجنسي الذي ولد به الشخص ما يدل على محدودية في التفكير، لاعتبار أن الجندر هو اختيار من الإنسان حول كيفية تصنيف نفسه وهو مجموعة الصفات التي يتميز بها الشخص.

ولفتت إلى أن التقرير الأخير الذي أصدره مرصد الدفاع عن الحق في الاختلاف كشف عن خلق الوضع الحالي لحقوق الإنسان البيئة الخصبة للتمييز، مما أدى إلى انتشار انعدام الثقة في النظام القضائي حيث بات التعامل مع قضايا حقوق الإنسان الحلقة الأضعف في سلسلة الأزمات، مما أدى ليس فقط إلى التمييز المنهجي بل إلى زيادة المخاطر على مجموعة الأقليات كالنساء والأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة المعرضون بشكل مضاعف للخطر والتمييز، سيما مع حالة النسيان القانوني وضعف الوصول إلى العدالة التي تعاني منها هذه الفئات.

وتطرقت يسرى بوعافية إلى تقرير المرصد الذي أظهر انتشار التمييز على أساس النوع الاجتماعي الأشهر الأخيرة في تونس، حيث رصد 92 حالة من ضمنها 23 حالة تمييز على أساس العرق أو المنطقة الجغرافية.

وأوضحت أن الإساءة اللفظية والجسدية والتعرض إلى التمييز بسبب اللون والشكل وممارسة كل أشكال العنف وخاصة النفسي عبر هرسلة النساء وذوي الاحتياجات الخاصة، مشيرةً إلى أن الوضع بشكل عام خلال الفترة الأخيرة شجع على مضاعفة تعنيف النساء الذي بلغ درجة قتلهن، حيث تحدثت وزارة المرأة عن 27 امرأة تم قتلها في عام واحد.

وأكدت على أن أغلب حالات العنف والقتل تقع في الشمال الغربي لتونس أو ما يعرف بالمناطق الداخلية والمهمشة التي تعاني فيها النساء الفقر والعمل الهش والخطر على غرار العمل الزراعي غير الآمن، وهو ما يتطلب لحظة تأمل حقيقية ومراجعة لوضع النساء في هذه المناطق.

وذكّرت بتقرير مرصد الحق في الاختلاف لشهر آذار/مارس 2023 الذي تحدث عن 16% من نسب التمييز القائم على النوع الاجتماعي، تطورت إلى 23% في حزيران/يونيو الماضي، ليبلغ تشرين الأول/أكتوبر الماضي 27% ما يمثل خطراً على النساء اللواتي تكابدن هذا النوع من التمييز.

وعن أسباب التمييز الذي تعاني منه النساء، ترى يسرى بوعافية أنها تنحصر بين قلة وعي المجتمع وضعف إنفاذ القوانين، حيث لازال المجتمع تنقصه الدراية الكاملة بحقوق النساء وبحق الاختلاف، فضلاً عن رفض قبول الحق في الاختلاف والآخر بما يحمله من تفرد وتميز بشيء معين.

وأضافت "مجتمع لازال غير متصالح مع فكرة الاختلاف والعيش ضمن تلك الدائرة بسلام بعيداً عن منطق العنف والتمييز والتهميش"، مشيرةً إلى غياب تفعيل القوانين للقضاء على ذلك التمييز بمختلف أشكاله "لدينا في تونس قانون استثنائي لمكافحة العنف صدر عام 2017، ولدينا القانون عدد 50 الذي صدر عام  2018 للقضاء على التمييز العنصري، وتشريعات ثورية قادرة على القضاء على التمييز والعنف، فنحن بحاجة إلى تعزيز ثقافة المحاسبة لوضع حد لهذه الممارسات العنجهية تجاه النساء أو الأقليات".

واعتبرت أن القوانين المذكورة قادرة على محاربة التمييز والعنف اللذان يعتبران خطان متوازيان يسيران في نفس الاتجاه ويؤديان إلى مآسي مشتركة على غرار القتل، لافتةً إلى أن التفعيل يتطلب إرادة سياسية قوية من الحكومة المطالبة بوضع ميزانية وتعيين فرق مختصة في كل المراكز الأمنية ذات العلاقة بقانون مكافحة العنف، لكن المقلق يتمثل في ضعف وجود تلك الفرق في المناطق الداخلية على غرار محافظة باجة شمال غرب البلاد، والتي يوجد فيها ثلاث مراكز فقط إحداها بقلب المدينة التي تبعد عشرات الكيلومترات على النساء.

وأشارت إلى أن وضع قانون ما يتطلب وضع سياسات واضحة ومحكمة لضمان إنفاذه حتى لا يظل حبراً على الورق "يجب قبل وضع القانون توفير المأوى حتى لا تقدم امرأة شكوى ومن ثم تعود إلى بيت الزوجية أينما عنفت وما يمكن أن ينجر عنه من مآسي، حيث أن 12 مأوى على 24 محافظة يعتبر رقماً مخجلاً، والأقسى أن 8 مأوي فقط تستقبلن النساء"، مؤكدةً أن توفير الأرضية الملائمة والإمكانيات لتنفيذ القانون عدد 58 سيضمن حتماً نقصاً في نسب العنف.

وكشفت عن ارتفاع نسب تعنيف النساء منذ 2017 وتضاعفه سبع مرات خاصة مع انتشار وباء كورونا إلى اليوم وهو رقم مقلق يدق ناقوس الخطر خاصة وأن العنف تطور إلى حد القتل بطرق بشعة، مشيرةً إلى أن "70% من القتيلات تعرضن إلى عنف سابق، وقدمن شكاوى دون نتيجة إلى حين وقوع الكارثة".

وتطرقت إلى أهمية العمل على نشر القانون عدد 58 بين النساء، خاصة في الجهات، حيث تجهلن بوجوده نتيجة غياب التوعية، مؤكدةً أن سن القانون عام 2017 رافقته بروبغندا مأجورة تقول إنه قانون جاء "لتقوية النساء على الرجال والانتقام"، ما خلق حالة من الرفض له دون الاطلاع عليه وفهمه.

وعن أهمية تحقيق العدالة للنساء في ظل ارتفاع نسب العنف والتمييز، قالت يسرى بوعافية إن تحقيق العدالة للنساء يتطلب دعماً مباشراً من الحكومة التي يجب أن تكون في مرحلة أولى مؤمنة بالعدالة والمساواة التامة بين الجنسين، ويدعمها في تلك المهمة المجتمع المدني الذي يضطلع بدور توعوي، حيث لا يمكن لأي منهما أن يعمل منفصلاً.