قصص لنساء حرمن من التعليم ودعوات نسوية بإلزاميته
على الرغم من تطور الحياة وتنوع آفاقها وانفتاح العراق نسبياً على معالم التطور وأيديولوجياته، إلا أن نسبة كبيرة من الفتيات يتركن مقاعد الدراسة مرغمات
غفران الراضي
بغداد ـ ، خاصة في القرى والأرياف وبعض الأحياء الفقيرة والعوائل المتحفظة التي تعيش فيها المرأة بحقوق شبه معدومة.
قصص وحكايات لنساء يحملن في دواخلهن الحسرة على حياة لم يعشنها وأحلام بقيت ضمن مرمى التمني.
ترددت كثيراً (س. م) ٣٥ عاماً (ربة بيت وأم لخمسة أطفال بنتين وثلاثة أولاد) قبل أن تذكر سبب منعها من إكمال تعليمها من قبل شقيقها الأكبر وبعد شيء من الخجل قالت "عندما أصبحت بالغة جنسياً أي بعد أن أتنني الدورة الشهرية أبلغت أمي ووالدي، فعلم أخي الأكبر واتفقوا أن أنقطع عن المدرسة وأترك التعليم، لم أكن أفهم السبب، حتى أني تصورت أني مريضة أو أن هناك خطر يلازم ما حصل، ألا أنه بمرور الوقت أدركت الموضوع وبات يشكل عقدة بالنسبة لي".
وعما كانت تحلم به كطفلة تقول "كأي طفلة كنت أتمنى أن أكون طبيبة، أحب فكرة أن أنقذ أحدهم من الخطر إلا أني للأسف لم أستطع أن أنقذ نفسي وأنا طفلة من قرار منعي من إكمال دراستي".
وفيما يخص بناتها تقول "للأسف مصير بناتي قد لا يكون مختلف فأنا لازلت في نفس دوامة الأفكار المتوارثة ومع أن بنتي الكبرى لازالت بعمر الـ ٧ سنوات إلا أني أخاف أن تكبر، أخاف أن تسمن وتتغير صفاتها الفيزيولوجية فتصبح مثيرة من وجهة نظر أحد رجال العائلة، وتمنع من الدراسة".
قد يكون الأمر مختلفاً بالنسبة لـ (ي. ع)، ٢٠ عاماً، وهي غير متزوجة، تركت مقاعد الدراسة بسبب صديقتها أو سمعة صديقتها حسب قولها "قبل خمس سنوات تركت الدراسة وأنا في المرحلة المتوسطة وكنت مجبرة بعد أن هددني أخي بالضرب والتعنيف بعد وفاة والدي بحجة أن صديقتي التي ترافقني للمدرسة لديها علاقة عاطفية بصديقه وهذا يجعلني برأيه موضع شبهة".
وعن محاولاتها اللجوء لأقاربها لتغيير موقف شقيقها تقول "ذهبت لعمي الأكبر وتوسلت إليه أن يقنع أخي بالعدول عن قراره بخصوص دراستي ووعدته أن أفعل أي شيء يطلبه في سبيل إكمال دراستي إلا أنه تعامل معي ببرود وطلب مني أن أسمع كلام أخي".
وتجد أن رغبتها في الحياة اختفت بمرور الزمن وتشعر بأن عمرها أكبر بكثير من الحقيقي وكل الأيام متشابهة وتضيف "شيء محزن أن أنتظر الزواج وحتى في هذه المسالة أعتبر أنا متأخرة أو فاتني القطار كما يقولون لأن قريباتي يتزوجن في عمر الـ ١٤ أو ١٥ أو أصغر حتى".
وتختم (ي .ع) حديثها بالقول "لو تزوجت وأنجبت طفلة سأجاهد من أجل إكمال تعليمها لتكون قوية ولديها صوت مسموع ومؤثر".
أما (ح. م) ٢١ عاماً، فتعتقد أن حالها أفضل فضمن عادات عائلتها، يمكن للفتاة أن تكمل دراستها الإعدادية فقط وغير مسموح لها أن تدخل الجامعة "أبناء عمي وأخوتي منهم من دخل الجامعة وأنهى دراسته الجامعية ومنهم من لازال طالباً جامعياً، دائماً ينقلون لنا أخبار الحياة الجامعية وبأن هناك انحلال وانحراف للبنات والعلاقات العاطفية بين البنات والشباب ولن يسمحوا لبنات العائلة إكمال الدراسة الجامعية".
وتجد أن حلم إكمال الدراسة الجامعية سيبقى حلم تسعى لتحقيقه، وتتمنى أن يحدث شيء في المستقبل يسمح لها بذلك.
مع هذه القصص التي لا تشكل جزءاً من ضمن آلاف ما هو موجود على أرض الواقع، تتجدد الدعوات لناشطات نسويات لضرورة فرض الزامية التعليم.
وتجد الناشطة والإعلامية فاطمة حسين أن التعليم يفتح آفاق مختلفة للحياة والطموح ويقوي شخصية المرأة وينمي خبرات متراكمة لمواجهة الحياة "التعليم هو بوصلة تحريك أفق التفكير لتحديد مسار الحياة الأفضل كما يخلق شخصية قادرة على إدارة التفاصيل التي تنمي خبراتنا اليومية".
وتضيف "منع الفتيات من التعليم في العراق يجابهه عزم وإصرار للمرأة على المواصلة، فهناك فتيات واجهن صعوبات كثيرة وتعرضن للمنع، لكن استطعن تخطي هذه العقبة بالإصرار والجدية، وفي النهاية استطعن إكمال تعليمهن".
وعبرت عن غضبها من طرق إضعاف المرأة مجتمعياً من خلال منعها من أبسط حقوقها وهو التعليم بحجج واهية بقولها "هناك فتيات يتعرضن للمنع القاطع ولا يسمح لهن حتى بالتفكير بالتعليم بحجة الانحراف أو الخوف على سمعة العائلة، وهناك من يعترف بسوء تصرف بناتهم قبل حتى أن يصدر منهن تصرف سيئ".
وتضيف "الأفكار الرجعية حول سمعة العائلة وجسد المرأة تعود بنا لقرون في مجتمع يحسب أنفاس المرأة ولا يحاسب الرجل على أبشع تصرفاته".
وتعتقد فاطمة حسين أن فكرة مكان المرأة بيت زوجها أصبحت أسطوانة مشروخة لا تطرب السامع بعد ازدياد حالات التعنيف للمرأة في بيت زوجها والقتل وارتفاع معدلات الطلاق.
وفي ختام حديثها وجهت فاطمة حسين رسالة للمرأة العراقية تقول فيها "أينما تكون لتبقى مصرة على التعليم وحقها في اتخاذ قرارات حياتها المصيرية".