نسويات وحقوقيات تطالبن بإعادة النظر في القوانين الجنائية بحق المغتصبين

طالبت ناشطات وحقوقيات ومؤسسات نسوية بتشديد العقوبات الزجرية بحق مغتصبي الفتيات والنساء، بعد صدور أحكام اعتبرتها الهيئات الحقوقية والنسوية مخففة بحق الجناة المغتصبين وغير منصفة للضحايا.

رجاء خيرات

المغرب ـ دعت نساء وحقوقيات بمراجعة شاملة للقانون الجنائي المغربي وملاءمته مع المواثيق الدولية والدستور المغربي لعام 2011، وعدم اعتبار جريمة الاغتصاب كغيرها من الجنح مع ضمان المواكبة النفسية والاجتماعية لضحايا جرائم الاغتصاب.

تلقى الرأي العام المغربي في أيار/مايو الماضي باستياء شديد، صدور حكم عن المحكمة الابتدائية بمدينة أغادير جنوب بحق ست جناة، من بينهم مدرب لكرة القدم بأحد الأندية الرياضية المحلية التي كانت الضحية ضمن فريقه، إثر جريمة اغتصاب متكرر لطفلة لا يتعدى عمرها 15عاماً نتج عنه حمل، فصدر الحكم بحق المغتصبين بمدة لا تتجاوز السجن عاماً نافذاً، بعد تكييف الأفعال المنسوبة لهم إلى جنح بدل من اعتبارها جناية متكاملة الأركان.

وهو ما دفع بالأوساط الحقوقية المغربية خاصة النسوية منها للمطالبة بإعادة النظر في القوانين الجنائية بحق المغتصبين، وملائمتها مع المواثيق الدولية ودستور المغرب لعام 2011، وعدم تكييف جرائم الاغتصاب إلى جنح أو مراعاة ظروف الجناة الاجتماعية للمغتصبين.

وتقول رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة بشرى عبدو أن الحكم أثار حفيظة الناشطات والحقوقيات والمؤسسات النسوية معتبرين أن الحكم مخفف ولا ينصف الضحية، لافتةً إلى أن إطلاق سراح المتهمين في هذه الجريمة بعد انقضاء عام واحد فقط تشجع الجناة على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق النساء، علماً أن أحد الجناة لايزال فاراً من العدالة.

وأوضحت أن هذه الأحكام المخففة بحق مغتصبي الفتيات والنساء غير مقبولة، فكلما تم تشديد العقوبة بحق المغتصب، يتم ضمنا عدم عودته لارتكاب مثل هذه الجرائم ويردع آخرين من ارتكابه"، مشيرةً إلى أن تخفيف العقوبات بحق الجناة لا ينصف الضحايا.

وانتقدت بشرى عبدو السلطة التقديرية الممنوحة للقضاة الذين يأخذون بعين الاعتبار الوضعيات الاجتماعية للجناة بحسب الصلاحيات التي يخولها لهم القانون، مما يجعلهم يصدرون أحكاماً مخففة، لافتةً إلى أن هؤلاء يستبيحون الأجساد، مؤكدةً على ضرورة فرض عقوبات مشددة سواء تعلق الأمر بفتيات قاصرات أو نساء، مطالبةً بتوضيح فصول القانون الجنائي مع تحديد سنوات العقاب والغرامات المالية بما يتناسب مع حجم الجرم المرتكب.

وأبدت أسفها لكون هذه الأحكام المخففة يتم تداركها فقط حين تصبح قضايا رأي عام ويتم الضغط من قبل هيئات المجتمع المدني لتداركها، في حين هناك العديد من القضايا المشابهة التي تم الحسم فيها ولم تكن منصفة للضحايا، لعدم تسليط الضوء عليها، كما حدث في قضية الفتاة القاصر سناء التي تعرضت للاغتصاب نتج عنه حمل وولادة طفل يبلغ من العمر اليوم سنة وخمسة أشهر، وهي لم تكن قد تجاوزت الـ 13 عاما من عمرها بعد، حيث صدر حكماً بالسجن سنتين نافذاً بحق مرتكبي الجريمة، إلى أن تم تشديد تلك العقوبة لاحقاً بعد ضغط النسويات والحقوقيات على الجهات المعنية وتنديدهن بالحكم الذي وصفنه بالغير منصف للضحية.

ودعت إلى سن قانون جنائي صارم بفصول واضحة وعقوبات مشددة بحق المغتصبين بحكم أنها ممارسات تنتهك حقوق النساء وحرمة أجسادهن، ولتتمكن الضحايا من استعادة الثقة بأنفسهن وبمنظومة العدالة، مؤكدةً على ضرورة إجبارية ومجانية التعليم للفتيات خاصةً أن بعض القاصرات ضحايا الاغتصاب غير متعلمات وتعشن أوضاع اقتصادية صعبة.

وطالبت بشرى عبدو بتعديل مدونة الأسرة ومنظومة القانون الجنائي وكذلك قانون 103-13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، الذي لا يضمن الحماية الكاملة للنساء والفتيات وملائمتها مع الدستور المغربي والمواثيق والاتفاقيات الدولية واتفاقية حقوق الطفل.

وفي تعقيبها على هذه الأحكام، قالت رئيسة فدرالية رابطة حقوق النساء بجهة مراكش ـ أسفي سناء زعيمي أن "الأحكام المخففة التي تصدر بحق مغتصبي الفتيات والنساء نعتبرها أحكاماً فاقدة لصفة الزجرية وهو ما يتضح بالمقارنة مع وحشية الفعل المرتكب".

ولفتت إلى أنه في الوقت الذي ينتظر فيه صدور أحكام مشددة بحق الجناة، يتم تكييفها قانونياً إلى جنح بدل اعتبارها جنايات كاملة الأركان، مشيرةً إلى أن العالم ووسائل الإعلام يقظ ويواكب هذه القضايا ويسلط الضوء عليها كما تساند الضحايا وتمنحهم فسحات للبوح بما تتعرضن له من اعتداءات جسيمة، مشيرةً إلى أن هذه الديناميكية المجتمعية ساهمت في الرفع من بعض العقوبات كقضية طفلة تيفلت "سناء" التي تم رفع العقوبة بحق المعتدين عليها من عامين إلى عشرين عاماً خلال المرحلة الاستئنافية.

وأوضحت أنه على الرغم من الثقة الكاملة في القضاء المغربي، إلا أن بعض الأحكام الصادرة بحق المغتصبين لازالت لا ترقى للفعل الذي يعد وحشياً بكل المقاييس، مطالبةً بإنصاف القاصرات ضحايا الاغتصاب عبر إصدار أحكام منصفة وكذلك مواكبتهن نفسياً واجتماعياً، لأن جريمة الاغتصاب تخلف الكثير من الجروح للضحايا والذي يصعب علاجها فيما بعد وتتطلب جهوداً كبيرة ومتواصلة.

ولفتت إلى خطورة جريمة الاغتصاب الذي ينتج عنه حمل، والذي يخلف ضحيتين الأم من جهة والطفل أو الطفلة من جهة أخرى، حيث تبدأ معركة أخرى مع إثبات نسب الطفل، في الوقت الذي تعتمد النيابة العامة إجراء تحليل الخبرة الجينية "ADN" كوسيلة علمية ثابتة لتحديد هوية المغتصب فقط، لكنه لا يؤمن حق الطفل في النسب للأسف.

وأكدت أن المطلب الأساسي لجميع مكونات الحركة النسائية المغربية هو المراجعة الجذرية للقانون الجنائي وملاءمته مع المواثيق الدولية طبقاً لما ورد في دستور عام 2011 وتشديد العقوبات بحق المعتدين في جرائم الاغتصاب ضد الفتيات والنساء.

ودعت إلى مراجعة السلطة التقديرية للقضاة وعدم توجهها نحو تخفيف العقوبات، مشددةً على ضرورة مراجعة الفصل 486 من القانون الجنائي المغربي والذي يعرف الاغتصاب على "أنه مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها ويعاقب عليه بالسجن من 5 ـ 10 أعوام"، ومراجعة جميع البنود التي تنص على التمييز ضد النساء بما فيها المتعلقة باغتصاب المرأة المتزوجة، حيث يبقى الاغتصاب جريمة لا تميز بين امرأة متزوجة من غيرها.

وعن العناية بضحايا الاغتصاب أكدت أن ذلك لايزال مطلباً أساسياً لجميع القوى، وينبغي تفعيله للقضاء على العنف المبني على النوع الاجتماعي، بالإضافة إلى قانون مناهضة العنف ضد النساء.