'نحتفل بذكرى أحرقت فيها النساء من أجل حقوقهن وما نحن عليه نتيجة لنضالاتهن'

برغم الاحتفاء العالمي به إلا أن ذكرى الثامن من آذار/مارس، يحاكي مأساة نساء أحرق مصنعهن وأحرقن حين طالبن بحقوقهن وبالمساواة.

زهور المشرقي

 تونس ـ أكدت النقابية سهام بوستة أن طريق المساواة ليس محفوفاً بالورود، بل مسار صعب يجب أن تلتف حوله كل النساء، متطرقة لأهمية التضامن النسوي العابر للقارات والوحدة لخدمة القضايا النسوية.

قالت الأمينة العامة المسؤولة عن التكوين النقابي والأنشطة الثقافية بالاتحاد العام التونسي سهام بوستة في حوار مع وكالتنا أن القوانين مهمة للتصدي لمختلف الانتهاكات التي تمس النساء إلا أن ذلك غير كاف ويجب أن ترافقه ثورة فكرية وثقافية عميقة.

 

كيف تقيمون وجود النساء في العمل النقابي؟

أعمل في الاتحاد العام التونسي للشغل قسم التدريب، وهي المرة الأولى التي تتبوأ امرأتين مهمة في المكتب التنفيذي الوطني وهو يعود لتاريخ نضالي كبير للنساء التونسيات اللواتي طرحنا موضوع تمثيلهن في مواقع صنع القرار منها النقابات، ونحن في المؤتمر الأخير للاتحاد حققنا إنجاز ثوري ومهم بالنسبة لمنظمة محافظة على قاعدة أن الأغلبية فيها للرجال، وحين ننظر لتاريخ الاتحاد نجد فيه امرأة واحدة فقط، لكن المؤتمر الأخير كسر القاعدة حيث ضم امرأتين ويعود الفضل في ذلك لنضالات النساء.

فنظام الكوتا عزز تمثيلية النساء بشكل مقبول، حيث يوجد الآن في كل الهياكل الوسطى والإقطاعية امرأتين وحتى في مستوى النقابات الأساسية نجد أكثر من امرأتين وفي قطاعات أخرى هناك تعزيز لتمثيلية النساء بشكل ملحوظ، وهذا دليل على أننا خطينا خطوات مهمة ونحن مدينات إلى تاريخ نضالي نسوي مكنا من بلوغ هذه النتيجة، إضافة إلى الإرادة النقابية الداخلية التي تؤمن أن المرأة قد أثبتت حضورها على مستوى نضالي بوجودها في الميدان وفي مواقع العمل ومساهمتها الفاعلة في مستوى ديمومة المؤسسة وحركة الدورة الإنتاجية وهي ليست منة بل هو حق للمرأة بأن تكون موجودة وتعبر عن حضورها كناشطة فاعلة داخل الاتحاد.

 

تشتكي التونسيات من وجود فرق بين التشريعات والتنفيذ، هل ترون أن هناك تقصيراً في مستوى التطبيق؟

تونس رائدة في مجال حقوق النساء وهذه الريادة تعد تاريخية مقارنة بوضع المرأة العربية وحتى الأوروبية، حين نتمحص في مجلة الأحوال الشخصية الصادرة عام1956 نجد أنها كانت سباقة في مستوى الإقرار بحقوق النساء ونسبة التمدرس للفتيات ووجودهن بقوة وفاعلية كان خير دليل وقد نصت تلك المجلة على تشريعات مهمة تعتبر في حقبة ما استثنائية كتعدد الزوجات وتنظيم الزواج والطلاق ومنع زواج القاصرات.

وبعد الثورة كان النضال النسوي مستمراً في تطوير تلك المكاسب وتعميقها وكانت المقاومة تستمر نحو المساواة التامة والفعلية والتناصف وهو رهاننا، وقد تبلور هذا في دستور2014 الذي أقر بالمرأة كمواطن مشروع لها الحق في التمتع بحقوق المواطنة في جميع مستوياتها بما ينطبق مع حقوق الإنسان العالمية، وأيضا إصدار قانون لمكافحة العنف ضد النساء (القانون عدد58)، الذي تناول إعادة لمفهوم العنف بصورته الشاملة لأن المرأة تعاني من العنف في أبعاده المختلفة حيث كنا تتحدث على عنف معنوي وجسدي ونفسي، لكن توسعت دلالة هذا المفهوم في اتجاه عنف اقتصادي وسياسي وثقافي خاصة في مجتمعات ذكورية ومحافظة، وكان لتونس الريادة في أن تنص على هكذا قانون يقر بأن العنف موجود.

وأكدت أن المرأة عرضة للاستغلال الاقتصادي في جميع أماكن العمل، وأيضا قد يظهر العنف من خلال مستوى سياسي بحيث توجد في مختلف المجالات السياسية والنقابية لكن بتمثيلية ضعيفة، حتى في المجال الإعلامي هناك حضور باهت للنساء حيث لازالت صورتهن لم ترتقي بعد إلى مستوى حضورهن الفعلي.

فهناك تشريعات ثورية حققتها الحركة النسوية ولكنها لم تنفذ واقعياً كما جاءت، حيث يمكن القول إن هناك هوة عميقة بين النص والواقع ولا يجب الوقوف عند هذا المستوى ويجب التفكير في الحل.

 

برأيكم ماهي الحلول لتنفيذ القوانين؟

أن تطوير هذه المكاسب التشريعية يفترض تطوير ما هو ثقافي، لاعتبار أن التحولات التي يعيشها مجتمع ما من المجتمعات يجب أن تواكبها ثورة ثقافية، فالقوانين المناهضة للعنف مثلاً يجب أن تصاحبها شكل من أشكال الوقاية للمجتمع ثم يجب اتخاذ تدابير إيجابية في تشكيل الوعي وإرساء ما هو ثقافي أي أن نربي أطفالنا على المساواة وأن نعمل على إيجاد طرق تعليمية أو على مستوى الإعلام ترتقي إلى الصورة التي نريدها للمرأة، فلا يجب أن نكرس داخل أدمغة الناس ووعيهم الجمعي تلك المكانة الدونية للمرأة وهوما يجب التسريع على العمل من أجله، لاعتبار أن وجود النص لوحده غير كاف فيجب أن يتزامن مع ثورة أخرى انطلاقاً من إصلاح البرامج التعليمية وثورة ثقافية في مستوى إنتاجنا السينمائي الفني وثورة في مستوى الإعلام بما نكتبه وما نراه، لازال طريق النضال للمرأة مستمراً ونأمل الوصول إلى مرحلة نحقق فيها المساواة التامة والفعلية وبالتالي النهوض بالمرأة خاصة في القطاعات الهشة التي تعاني فيه النساء كالقطاع الفلاحي والقطاع الخاص والاقتصاد غير المنظم المنتشر.

 

كيف يمكن التصدي للانتهاكات التي تتعرض لها المرأة، خاصة وأن القوانين لم تفلح في ذلك نتيجة العقلية الذكورية المتفشية؟

التصدي لتلك التجاوزات سواءً كانت من ناحية محاربة العمل الهش والعمل خارج أطر التغطية الاجتماعية يمكن أن يطرح في خانة محاربة الفساد، لأن الفساد هو كل اختراق للقوانين فحين تحمل الحكومة المسؤولية القانونية لكل متجاوز للقانون يمكننا حينها تجاوز العديد من مظاهر الحيف ضد المرأة، وعندما نقاوم الاقتصاد غير المنظم  ونعمل على إيجاد حلول لهذه الظاهرة نحن نقضي على كل أشكال التمييز ضد المرأة أو الطفل أيضاً أو حتى ضد الهجرة الوافدة غير النظامية حيث من حق كل الدول تنظيمها لتدخل في حلقة الإنتاج والاقتصاد وبالتالي يمكن أن تعود إيجابياً على البلد المستضيف، أرى أن الفساد شبكة ومنظومة تطرح كملف حقيقي للمتابعة وبالتالي للتصدي لأشكاله في اتجاه الإعلاء من القانون واحترامه لاعتباره من ينظم العلاقات داخل المجتمع.

فعندما نقاوم الفساد سنحمي المرأة والطفل والطبقة الهشة داخل المجتمع، وبالتالي سنحقق القيم التي نراهن عليها منها المساواة التامة وهو ما يتطلب استقلالية في الأداء، مثلاً كان ولازال الاتحاد يستهدف بسبب استقلاليته التي تعتبر من المبادئ الثابتة صلبه، وكانت معركتنا دائماً عبر التاريخ للتمسك باستقلاليتنا، فمواقفنا لا ترسمها الا سلطات القرار صلب المنظمة وهياكلنا وقواعدنا ولا يمكن أن يرسمها طرف خارجي، لذلك دائماً نجد أن السلطة السياسية تسعى لتطويع الاتحاد لكن يجب إلا نغامر في هذا الاتجاه لأن هناك تاريخ يؤكد تمسك الاتحاد باستقلاليته باعتبارها من المبادئ الثابتة التي لن يفرط فيها لأنه يدافع عن الطبقة الهشة والضعيفة في المجتمع التي تستغل ولا يوجد من يحميها، الاتحاد يضطلع برسالته ودوره الذي نشأ من أجله وسيواصل مهمته.

 

ما مدى أهمية الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، الذي يذكرنا بمأساة عاشتها النساء في أمريكا؟

هذا التاريخ رمزيته كونية ولو أننا نحتفل به، لكن الواقع هو ذكرى لمأساة عاشتها المرأة، فحين طالبت نساء قطاع النسيج في الولايات المتحدة الأمريكية بحقوقهن أحرق المصنع وأحرقت النساء، فمؤلم جداً أن يكلف مطلب الحقوق من أجل المساواة وضمان عمل لائق يحفظ كرامتهن حياتهن.

الثامن من آذار هو عنوان لمأساة إنسانية نحتفي بها لنتذكر أن طريق النضال ليس سهلاً وأن الحقوق كلفتنا ضحايا قدمن حياتهن في سبيل الحق، فمن أجل الحق ماتت نساء العالم، ربما مهدن الطريق لنتمتع بحقوق ومكتسبات فالنضال لايزال مستمراً؛ لأن ما راهنت عليه المرأة وما تريد الوصول إليه لم تحقق منه إلا الحد الأدنى خاصة وأننا لا زلنا نشاهد أشكال الاستغلال والاستعباد للنساء، فالمرأة تعنينا في أي مكان من العالم وهذه العولمة أفرزت ثقافة تعميم المفاهيم لتعطي لمفهوم الديمقراطية والمساواة معنى.

فالطريق طويل أمامنا للنهوض بواقع النساء، لذلك عليهن التضامن والوحدة من أجل الحقوق التي لا تعترف بلون أو عرف أو اختلاف ثقافي ولا جنسي، المطلب مطلب مساواة لا غير.