ناشطة من دمشق تؤكد: الفصل بين الجنسين لا يحمي الأخلاق بل يعزز التمييز

المدرسة بيئة تربية ووعي، ولكن في سوريا وبدل أن تُفعّل برامج توعوية للأهالي لتحسين التواصل مع أبنائهم وبناتهم تقوم الحكومة المؤقتة باتخاذ قرارات إن لم يتم تداركها قد تغير من طبيعة المجتمع السوري.

رنيم العبد

دمشق ـ في بلد يرزح تحت أعباء الحرب والانقسام وتراجع المنظومة التعليمية، تبقى المدرسة مرآة المجتمع ومختبر المستقبل في آنٍ واحد، وسط جدل واسع حول القرار القاضي بفصل الفتيات عن الفتيان في المرحلة الابتدائية، تبرز أصوات نسائية سورية تطالب بإعادة التفكير في مفهوم التربية والتعليم بوصفه أساساً لبناء المساواة لا لتكريس التمييز.

في خضم النقاشات التربوية والدينية والاجتماعية، المجتمع الذي يخاف من لقاء البنات والبنين في الصف، هو نفسه الذي يعجز لاحقاً عن بناء علاقات قائمة على الاحترام والتكافؤ.

أميرة حواجة، سياسية سابقة وناشطة مدنية حالياً، تعمل في قضايا المرأة وحقوق الطفل، تقول "من خلال عملي وخبرتي واطلاعي على تجارب كثير من الناس، أرى أن التعليم يمكن أن يكون رافعةً لحلّ كثير من مشكلات البلد. فنحن نعي أن بلدنا مليء بالمشكلات، لدينا غياب وعي مجتمعي يصل أحياناً إلى درجة الكراهية، ولدينا نسبة أمية مرتفعة، وعدد كبير من الأطفال الذين ابتعدوا عن التعليم خلال سنوات الأزمة. كلّ هذا يشير إلى حجم المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقنا في هذا المجال، وإلى ضرورة أن نكون دقيقين جداً في أي قرار يصدر بهذا الخصوص، لأن أعيننا يجب أن تكون موجّهة نحو النهوض بالتعليم بوصفه السبيل إلى تربية جيل جديد".

وتتمنى أن تكون هناك جهود مكثّفة من الإعلام والمجتمع المحلي، وكذلك ما تزال تحمل أملاً بالحكومة المؤقتة بإجراء إصلاحات تخدم المجتمع السوري، ولا تزيد من الكراهية والتمييز بينه لمعالجة المشكلات التي تعاني منها المؤسسة التعليمية، متأسفةً على القرارات الأحادية والتي لا تناسب المجتمع السوري "أوّل ما رأيناه موضوع فصل الذكور عن الإناث في المرحلة الابتدائية. مجتمعنا يتقبّل هذا الأمر بسهولة، لكن من وجهة نظري، لا أراه في صالح طلابنا وطالباتنا، لا مصلحة للفتى ولا للفتاة في هذا القرار".

 

من ماذا نخاف؟

وتساءلت إذا كان هؤلاء الأطفال سيلتقون لاحقاً في الجامعة وسيتعلمون معاً، ثم سيعملون معاً، ويؤسّسون أسراً معاً، فلماذا يتم زرع الخوف في نفوسهم من بعضهم منذ الطفولة؟ لتؤكد إن "الفصل بينهم في التعليم لا يحميهم، بل يرسّخ في ذهن الفتى أنه سيّد على أخته، لأنه لم يتعلّم منذ الصغر أن الفتاة تملك الحق نفسه، وأنها يمكن أن تكون أذكى منه أو أقدر، وهكذا نكرّس التمييز بدل أن نلغيه، ونوجّه نتائج سلبية مباشرة نحو الأسرة والفتاة التي تريد أن تتعلم. نحن اليوم بحاجة إلى كل فرد في هذا المجتمع ليساهم مستقبلاً في إعادة بنائه، والمتعلم سيكون أكثر قدرة على إفادة بلده".

وطرحت تساؤلاً آخر وهو لماذا هذا القرار؟ وكم يلزم من العمل على توعية المجتمعات المحلية التي تخاف من فكرة تعليم الأطفال معاً؟ "في طفولتي، كنّا نجلس معاً في مقاعد الدراسة في المرحلة الابتدائية، ثم في الإعدادية صارت جهة للبنات وجهتان للصبية. هناك مجتمعات تقبّلت هذا القرار، لكن كثيرين بدأوا يراجعون أنفسهم حين فكّروا في مستقبل بناتهم اللواتي سيكملن تعليمهنّ في الجامعة مع الشباب. فالموضوع ليس منطقياً، بل هو تحدٍّ جديد يُضاف إلى مشكلات المدرسة من نقص الكوادر، وكثرة عدد الطلاب في الصفوف، وسوء تجهيز المدارس، وغياب المختبرات والملاعب وقاعات الموسيقى، ثم نضيف إلى كلّ هذا عبء الفصل".

وترى أن هذا القرار ليس في صالح الفتيات، لكنه لن يمنعهن من التحدّي والمثابرة على التعليم "المهم أن يبقى التعليم إلزامياً، لأن الخطر الحقيقي هو أن تفقد الفتاة هذا الحق، فتُخرج من المدرسة في سنّ مبكرة لتُزوّج وهي في الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة، حينها نكون قد قضينا على شخصيتها ووجّهناها نحو أدوار تقليدية لا تعبّر عن ذاتها ولا عن طموحها".

 

"الحماية الحقيقية تكون في التربية السليمة"

وتعتقد أميرة حواجة أن كلّ هذه القضايا مترابطة "الفصل بين الجنسين لا يحمي الأخلاق، بل يعزّز الفوارق ويمنح الفتى شعوراً بالقوة والسيطرة. أطفالنا اليوم يتعاملون مع الهواتف واليوتيوب منذ الابتدائية، يشاهدون محتوى متنوعاً فيه اختلاط وحياة طبيعية، فكيف نفصلهم في المدرسة بحجة الحماية؟ إن الحماية الحقيقية تكون في التربية السليمة داخل المدرسة، حيث يتعلّم الطلاب أنهم متساوون في الحقوق، وأنهم جاؤوا ليتعلموا لا ليخاف بعضهم من بعض. المطلوب أن تكون المدرسة بيئة تربية ووعي، وأن تُفعّل برامج توعوية للأهالي أيضاً، لأن أي توجيه لا ينجح من دون عمل مع الأسر".

وتمنت أن تكون المدرسة مكاناً للحوار، تُعقد فيه لقاءات دورية للأهالي حول حقوق الطفل وأهمية التعليم المشترك، وأن تُفهم التربية بمعناها الحقيقي "تربية على التفكير المستقل، واحترام الذات والآخر، ومعرفة الحقوق والواجبات، وحماية الجسد والنفس. وزارة التعليم لا تحتاج إلى قرارات للفصل، بل إلى قرارات تجعل المدرسة حاضنة للبنين والبنات معاً، تعلّمهم المساواة، وتمنحهم فرصاً متكافئة للوصول إلى طموحاتهم. نحن بحاجة إلى تربية تزرع الثقة لا الخوف، والمساواة لا التمييز، والاحترام لا السيطرة".

المدرسة ليست فقط مكاناً للتعليم، بل فضاء للتربية والمواطنة، حيث تُبنى قيم المساواة منذ الطفولة. ورؤيتها، رغم بساطتها وصدقها، تعبّر عن وعي اجتماعي عميق بأن الإصلاح لا يبدأ من القوانين وحدها، بل من الصف المدرسي، من نظرة الطفل إلى زميلته، ومن ثقة الفتاة بنفسها منذ السنوات الأولى.