مسيرة نساء قفصة... بين التعتيم وغياب الدعم
ترزحُ المرأة التونسية وبخاصة في الأرياف والقرى والتجمعات السكنية الفقيرة حول المدن، تحت وطأة التهميش والمعاناة اليومية والحاجة وتكاد تضيق بها الأفق وتسقط أرضاً من شدّة التعب والقهر والبحث عما يحفظ الحد الأدنى من العيش الكريم في واقع سياسة اللامبالاة من كل المتعاقبين على السلطة للسعي إلى تغيير وضعها الاجتماعي
زهور المشرقي
تونس ـ ... فبين تلك الحقوق المسلوبة والمكتسبات التي ناضلت من أجلها لسنوات، ظلّت عالقة كطير في يوم حار على شباك منزل ينتظر قطرة ماء ترويه.
بعد مرور عشر سنوات على الثورة التي علقت عليها آمالها في تحسين وضعيتها لم تلتمس المرأة خيراً من ساسة تبيّن أن همّهم الكرسي والمصالح الحزبية الضيقة... لقد نُظّمت طيلة السنوات الماضية الكثير من المسيرات النسوية المناهضة لكل أشكال العنف والاستغلال، والمطالبة بفرص عمل والتصدّي لظاهرة تأنيث الفقر التي اكتسحت المجتمع التونسي، حيث بات عمل المرأة استثنائياً لاعتبار أن لها عائلاً يعيلها كالأب أو الأخ أو الزوج، وهو ما ترفضه النسويات رفضاً قاطعاً، وهنّ اللواتي تقدمن الصفوف في النضال الشعبي ضد الدكتاتورية والتهميش.
وقد كان لوكالتنا السبق في تغطية المسيرة النسوية التي جاءت سيراً على الأقدام من محافظة قفصة بالجنوب التونسي وصولاً إلى العاصمة والتي كان من المفترض أن تتوجه إلى قصر قرطاج للقاء الرئيس قيس سعيّد، لولا منع الوحدات الأمنية لها بالقوة العامة وإقناعهن بالمكوث أياماً في دار الثقافة بجهة المرسى بالضاحية الشمالية للعاصمة، قبل أن يتمّ ترحيلهن وإعادتهن إلى مناطقهن.
تلك المسيرة التي لم تلقَ تفاعلاً إعلامياً أو اهتماماً من قبل الأحزاب أو السلطات التونسية، أرجعت الصحفية المهتمة بالدفاع عن حقوق النساء سوسن الزغواني، هذه اللامبالاة، في حديث مع وكالتنا، إلى تزامنها مع انشغال الرئيس سعيّد بالوضع السياسي الاستثنائي وما تبعها من إجراءات لترتيب الأوضاع عقب أحداث 25تموز/يوليو، وإيلائه الاهتمام الأكبر للوضع العام الأمني والسياسي في البلاد، خاصة مع التهديدات التي تواجهها تونس منذ أشهر، نتيجة الأوضاع المتوترة في ليبيا.
وتطرّقت إلى دور المرأة في أحداث الحوض المنجمي بمحافظة قفصة قبل الثورة، حيث برزت كفاعل اجتماعي في الدفاع عن القضايا العامة التي تخص الجهة، فلم يسبق أن عرفت جهة قفصة والحوض المنجمي مشاركة نسائية في الحركة الاجتماعية مثلما عرفتها في أحداث كانون الثاني/يناير 2008 والتي كانت من بين مطالبها الاعتراف بسكان الحوض المنجمي وإشراكهم في العملية التنموية والتوزيع العادل للثروة الوطنية، لكن ذلك لم تراعِه السلطات المتعاقبة منذ عام 2011 ولم تُعِرْه أي اهتمام.
وختمت محدثتنا بالقول "لم نعد قادرين على إيجاد حل للمشاكل الحارقة التي تخص المرأة داخل المجتمع التونسي وخاصة في الأرياف، والاعتراف بكل ما تقدمه من تضحيات في سبيل نيل حقوقها والحفاظ على كرامتها، ولم يعد مسموحاً التطرق إلى وضعية النساء الريفيات العاملات في القطاع الفلاحي ومعاناتهن إلا بشكل مُناسباتي في أثناء مسيرة نسوية كبيرة أو غضب نسوي سرعان ما يتم تجاوزه ونسيانه في واقع الصراعات السياسية لتترك النساء يتخبطن في وجعهن وقهرهن وجوعهن.
من جهتها قالت جنات كداشي، رئيسة جمعية "حواء" النسوية الناشطة في الجنوب والوسط التونسي والمطّلعة على أوضاع النساء هناك عن قرب، إنّ الجمعية تقف مع كل تحرك سلمي يطالب بحقه في العمل ومع عدم التمييز في فرص العمل، مشددةً على أن النساء لهن الحق في العمل لضمان العيش الكريم، داعية إلى نبذ التمييز في إيجاد فرص العمل للجنسين بما يحفظ السلم الاجتماعي ويُبعد شبح الاحتقان والتوتر.
وأوضحت جنات كداشي، خلال تذكيرها بمبادرة سابقة لنساء محافظة قفصة والتي أثارت حينها ضجّة واسعة وتمثلت في تقديم طلاق جماعي، أن السلطات بالجهة رفضت آنذاك تشغيل هؤلاء النساء بذريعة أن أزواجهن يعملون في الحوض المنجمي، مشيرةً إلى أن تلك المبادرة كانت حركة رمزية تعكس حرمان النساء من فرص العمل ومنحها للرجال في مجتمع ذكوري يحرم المرأة من الكثير من حقوقها، في حين أنّ الحق في العمل يضمنه الدستور التونسي لكل المواطنين بدون تمييز على أي أساس كان.
وذكّرت رئيسة جمعية "حواء" بالتحركات الاجتماعية التي قادتها النساء في تلك الجهات المهمّشة مثل نساء منطقتيْ "المناسب" و"بوزيّان" في عامي 2018 و2019.
من جانبها، قالت الصحفية المهتمة بالمجال النسوي سوار عمايدية "إنّ المسيرة التي قامت بها نساء منطقة "البركة" بقفصة نحو العاصمة تعكس الوضع العام للجهة وللحوض المنجمي بالمنطقة ككل وليس فقط الوضع المزري للمرأة، حيث تتمثل مشاكل الجهة أساساً في البطالة والعجز عن إيجاد مواطن شغل وغياب التنمية وصعوبة الاستثمار".
وأضافت أن المسيرة تعكس فعلاً معاناة نساء المنطقة وكذلك شبابها، وأن المشاركات يعيشن حقيقةً وضعيات اجتماعية صعبة، فمنهن المطلقة والأرملة والعاطلة عن العمل، مع الإشارة أيضاً إلى أن العديد منهن حملن مطالب تخص وضعية أبنائهن العاطلين عن العمل. وأكدت على أن المرأة في قفصة حالها كحال المرأة في محافظة القصرين وغيرها، وهي مناطق تُعرف بالاعتماد على النساء في خدمة الأرض والزراعة.
وأوضحت أن وضع المرأة قاسٍ جداً، حيث إن 30 بالمائة من الفتيات الريفيات يعملن في القرى لتوفير مصاريف الدراسة، بالرغم من تولّي دائرة الإحاطة بالمرأة الريفية عملية تكوين وتأطير الراغبات في العمل على تصنيع منتوجات ريفية، إلا أن هذه الدائرة عاجزة عن احتواء المرأة الريفية بسبب ضعف ومحدودية ميزانيتها التي بلغت 32 ألف دينار فقط، وهذا ما يؤكد غياب الدولة عن الإحاطة اللازمة والضرورية بالفتاة الريفية، برغم أن هذه الأخيرة لديها قدرات حرفية عالية يمكن أن تضمن لها مورد رزق لها بما يلغي مشكلة البطالة التي تعيشها.
والواقع أن الأمر لا يقتصر على العاملات بل حتى صاحبات الشهادات العليا بقفصة لم يجدن مفراً سوى التوجه إلى القرى مباشرة بعد التخرج للانخراط في النشاط الفلاحي كعاملات نظراً لمحدودية الوظائف العمومية أو العمل بالمصانع والشركات.
وأرجعت سوار عمايدية هذه المشاكل في بعث مشاريع وخلق مواطن عمل إلى ضعف التمويل والعراقيل الإدارية وسياسة التهميش.
لطالما تشدّقت الحكومات بالحديث عن دور المرأة التونسية والاهتمام بصفة خاصة بالمرأة الريفية وفي الجهات الداخلية المهمّشة، لكن كل ذلك ظلّ حبراً على ورق، وكانت منظمات عديدة بالمجتمع المدني قد شددت في بيانات وملتقيات سابقة على ضرورة تطبيق القرارات لتتحول إلى أفعال إنصافاً للمرأة الريفية والنهوض بوضعها الاجتماعي، وإدماجها في منظومة التغطية الاجتماعية والصحية، حيث تمّ توقيع اتفاقيات عديدة على مدار 10 سنوات، تسمح بتحسين ظروف عيش أكثر من 500 ألف امرأة عاملة ريفية، إلا أنه لم يتحّقق شيء من ذلك، خاصة مع انتهاج سياسة اللامبالاة من قبل المسؤولين بالجهات من الوالي إلى أدنى مسؤول جهوي.