منية بن جميع: محاربة العنف ضد النساء تبدأ من إلغاء القوانين التمييزية

تشارك تونس كسائر دول العالم في الحملة العالمية لمناهضة العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي التي تدوم 16 يوماً

زهور المشرقي
تونس ـ ، وتأتي الحملة تزامناً مع أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية خانقة، دفعت لارتفاع نسب العنف المسلط على النساء خاصةً مع ضعف آليات تنفيذ القانون عدد 58 الصادر عام 2017، وتتطلع النسويات في تونس إلى تكثيف الحملات التوعوية التي تستهدف النساء المعنفات وسائر فئات المجتمع حول خطورة الآفة على التماسك الأسري والمجتمعي.
تؤكد الاستاذة القانونية منية بن جميع أن التحول الذي عاشته تونس منذ عام 2011 والذي خلق أزمات سياسية عديدة، قد ساهم في ازدياد نسب العنف ضد النساء، مشددةً على أن مكافحة العنف تتطلب إلغاء القوانين التمييزية.
 
بماذا تفسرون الارتفاع الجنوني لنسب العنف ضد النساء بكافة أشكاله في تونس خلال السنوات الأخيرة؟
لا يخفَ على أحد أن ارتفاع العنف في تونس مرده إلى الأزمات الاقتصادية والأمنية والسياسية والاجتماعية التي عرفتها البلاد منذ عام 2011 ضمن مرحلة التحول الديمقراطي، أو ما يعرف بالربيع العربي، الأحداث التي رافقت هذه الفترة دفعت بازدياد نسب العنف ضد النساء، وهو أمر معلوم حيث تتغذى هذه الآفة من الأزمات السياسية وغيرها، وتشهد على ذلك قرارات مجلس أمن الأمم المتحدة "المرأة والسلام والأمن" التي أشارت مراراً لهذا السبب الأساسي، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية التي أدّت إلى ارتفاع نسب الفقر والبطالة بعد إغلاق العديد من المؤسسات المفلسة علاوةً على الأسباب الاجتماعية التي ترافق الشخص منذ التنشئة. 
 
برأيكم هل تكفي حملة في زمن محدود لتراجع نسب العنف أم أن المسألة تحتاج إلى جهود أكبر لتغيير العقليات والسلوكيات؟
كلنا نعلم أن الحملات الموسمية لا يمكن أن تعطي أي نتائج، لهذا فنحن في حاجة لحملات تحسيسية وتوعوية على مدار السنة، حتى نقف على أسباب العنف ضد النساء، وآفة التمييز بين الجنسين أي اللّامساواة في الحقوق السياسية والاقتصادية والمدنية، وهو ما يتطلب مكافحة العنف ضد النساء وإلغاء كافة النصوص التشريعية التمييزية من بينها قانون العائلة، كل ذلك لن يأتي إلا بالقيام بحملات تحسيسية طويلة المدى تبدأ من تغيير البرامج التربوية لتربية الناشئة على المساواة التّامة بين الجنسين ونبذ العنف والتطرّف.   
فالمعلوم أنه وجب العمل على تغيير العقليات والسلوكيات ومحاربة النظرة الدونية التي تلاحق النساء في مجتمعات ذكورية متسلطة، ذلك يتطلب وقتاً لكنه ممكن والنضال النسوي مستمر لتحقيق ذلك وهو من ضمن التحديات.
 
لماذا ظلّت بعض القوانين حبراً على ورق، وهل الأمر يحتاج لتقوية النضال النسوي للحصول على حقوقهن كنساء؟
مع الأسف قانون القضاء على العنف ضد النساء غير نافذ ويتطلّب آليات أوسع، بالرغم من أن إقراره جاء لاعتبار أن أوّل أسباب العنف هو التمييز، أرى أن الوقاية من العنف تبرز من خلال تغيير البرامج التربوية وتكوين جيد لكل المتدخلين ومنع تبرير العنف في الصحافة وكل وسائل الإعلام لمحاربته ومحاربة العقلية التمييزية ضد النساء، للأسف، وأكرّرها مجدّداً لم ينجح القانون عدد 58 في إلغاء القوانين التمييزية إلى اليوم، والطريق طويل حتى ننجح في تحقيق هذا الهدف.
كما أن مجلة الأحوال الشخصية كانت ثورة عند إصدارها، لكن أصبحت اليوم المجلة الأكثر تمييزاً، الأب هو رئيس العائلة وهو والي الأطفال، بالإضافة إلى التمييز في الإرث وغيرهما من النصوص التي لها طابع ذكوري، وفي مجلة الجنسية التونسية يوجد كذلك الفكر الذكوري، الرجل هو الذي يؤسس الوطن ويترأس العائلة، في عام 2017 تكوّنت لجنة الحريات الفردية والمساواة وفي تقريرها الصادر عام 2018 بينت جلّ هذا التمييز واقترحت تعديلات لكن دون جدوى. 
أرى أن كل تلك المقترحات لم تتجّسد في قوانين ماعدا مشروع قانون صدر في 2018 يمكّن من المساواة في الإرث، لكن هذا المشروع لم يناقش في البرلمان الذي جمد منذ 25 تموز/يوليو 2021، بعد أن احتكر رئيس الجمهورية كل السلطات وأعلم في خطابه علناً في 13 آب/أغسطس 2020، أنه ضدّ المساواة في الإرث، فالنضال من أجل المساواة التامة والفعلية مستمر في صلب المنظمات النسوية فقط.
 
هل تحقيق المساواة في الميراث بتونس بات صعباً، أم أن المشروع بات ورقة سياسية تستخدم لكسب أصوات انتخابية نسائية لا غير؟
تلعب الحركة النسوية في تونس دوراً مهماً، فهي تناضل من أجل الظفر بحقوق أكبر للنساء، لهذا فأنا أصف نضالها بالقوي، فهي لا زالت تواصل نضالها من أجل فرض المساواة في الإرث بين الجنسين حيث تسعى إلى القيام بحملات تحسيسية وتوعوية ومناصرات من أجل تحسيس المجتمع بأهمية هذه المسألة وتقديم البراهين من أجل تحقيق المساواة حيث أن اللاّمساواة تساهم في تفقير النساء وعدم تمكينهن.
ونحن نعلم جيداً أنه بالنضال ستتمكن الحركة النسوية من الانتصار على كل المعارضين لحقوق المرأة، حتى ينجحن في تمرير مشروع قانون المساواة في الميراث حتى لا يكون ورقة تستخدم في أوقات معينة وترجع للرفوف.
 
تتباين الآراء حول أهمية الحركات النسوية للنهوض بواقع النساء وتعريفها بحقوقهن للدفاع عنها، في هذا الإطار كيف تعرفون الحركة النسوية وهل نجحت في التأثير على السياسات والقوانين وتغييرها (تونس مثالاً)؟
النسوية حركة هدفها القضاء على النظام الذكوري السائد في كافة أنحاء العالم، فهذا النظام أساسه العنف ويدوم باستعمال العنف الذي يتسلّط أساساً على النساء والأطفال "فتيات وفتيان"، هو العنف المبني على الهيمنة على ضعفاء المجتمع رجالاً كانوا أو نساء. 
فالحركة النسوية موجودة في المنطقة العربية منذ أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر "الحركة الاصلاحية في مصر وتونس الخ" هناك تشويه للحركة للإبقاء على المنظومة الذكورية وغير الديمقراطية، يقولون إننا مجتمعات محافظة وأن هذا الحراك مستورد لاختفاء حقيقة الهيمنة الذكورية، ففي جل بلدان العالم استعملت الهوية والدين لتطبيع الذكورية، غير أن مهمة الحركات النسوية تكمن في رفع الستار عن هذا الواقع المهين.
 
حتى تنهض النساء بحقوقهن ماذا يتطلّب الأمر؟ وماذا تقولين للمرأة التونسية؟؟
ينبغي أن تكون هناك وحدة بين النساء وبالتالي توحيد النضال، خاصةً فيما يتعلق بمكافحة العنف ضدهن، ولابد من التحرك من أجل القضاء على العنف كمدخل ناجع لتحقيق المساواة.
وأقول للمرأة التونسية أنتِ روح تونس ومفتاح تحرير البلاد من كل أنواع التهميش والتمييز والفساد، الطريق لا يزال طويلاً ومعبداً لا يوجد خيار آخر أمامنا سوى النضال لتحقيق الانتصار.