منع التفكك الأسري عبر حل الخلافات عمل تركز عليه دور المرأة

تسعى دور المرأة في شمال وشرق سوريا لحل النزاعات وفض الخلافات لمنع حدوث التّفكك الأسري، ولا سيما في ظل الظّروف التي تعيشها المنطقة والتي تُصعد المُشكلات، وبالرغم من صعوبة العمل إلا أنها تحقق نجاحا

دلال رمضان 
كوباني ـ ً.
بادر مؤتمر ستار لافتتاح دور للمرأة في جميع مناطق شمال وشرق سوريا، من أجل حل القضايا المتعلقة بالمرأة على أساس العدل والمساواة، وكان أول دار يفتتح في مدينة كوباني عام 2012، بعد ثورة 19 تموز/يوليو التي فتحت الفرص أمام النساء للانخراط في جميع مجالات الحياة بعد سنوات من معاناة الذهنية الذكورية السلطوية، إلا أن داعش في 2014 قصف مبنى الدّار وأغلب المراكز التي كانت متواجدة هناك، وبعد تحرير المدينة في   26 كانون الثّاني/يناير 2015، أعيد بناء الدّار من جديد، وبدأ العمل بها.
 
635 دعوة في 2020 و161 في 2021 عملت دار المرأة في كوباني لحلها
قالت لوكالتنا الإدارية في دار المرأة بكوباني في إقليم الفرات سلطانة حمدي، أن هذه الدّار جزء من مؤتمر ستار، تعمل العضوات من خلالها على حل مشكلات المرأة في المجتمع "نلعب درواً مفصلياً، عبر الدَّورات الفكريَّة والتَّوعويَّة، كون النَّساء هنَّ ضحية الصّراعات الدَّائرة". 
وبينت أن المرأة "تحولت لآلة لإنجاب الأطفال، وحبست بين جدران المنزل، لذا أصبحت الحاجة مُلحة لإعادة تنظيمها، وتحفيز وعيها، وإعمال فكرها، وتعريفها بدورها وتاريخها، ومن هنا برزت أهمية دور المرأة ومؤتمر ستار".
وعرفت ثورة 19 تموز/يوليو بـ (ثورة المرأة)، إذ أن النَّساء دخلنَّ في جميع المجالات (السَّياسية، والدًّبلوماسيّة، والعسكريَّة، والثقافيَّة، والاقتصاديَّة)، وحاربنَّ داعش ودافعنَّ على جبهات القتال الأمامية، كما أشارت. 
وافتتحت عدة فروع لدار المرأة في شمال وشرق سوريا، "عملنا على توعية المجتمع أيضاً وإصلاحه، ودُورنا موزعة في كل من ناحية بندر، وصرين، وشيران، وجلبية، وعين عيسى، ومدينة كوباني، إضافة لمخيم تل السَّمن الذي يأوي مهجري تل أبيض/كري سبي". 
وفي عام 2019 شن الاحتلال التركي والمرتزقة مما يسمى الجيش الوطني حملة عسكرية احتلوا من خلالها كل من رأس العين/سري كانيه، وتل أبيض/كري سبي وهجروا سكانها الأصليين.
وعن الدَّعاوى التي تلقتها الدَّار في عام 2020 قالت "تلقينا 635 دعوة، تم إصلاح 276 منها، و15 دعوى طلاق مخالفة، ومنع 16 حالة تعدد للزوجات، و12 حالة زواج قاصرات". 
وفي عام 2021 "الخمس الأشهر الأخيرة جاءتنا 161 دعوة، منعنا منها 11 حالة تعدد زوجات، و78 صلح، وأوقفنا 16 حالة زواج قاصرات، إضافة لدعاوى أخرى في العنف المُمارس ضد المرأة، وحرمان النّساء من الميراث، ويوجد العديد من الدّعاوى التي ما تزال عالقة، ونعمل على حلها بطرق سليمة ومشروعة عبر لجان الصَّلح، ولجنة العدالة الاجتماعيَّة، لأن دورنا هو تأمين الملاذ الآمن للنساء".
 
إجراءات منظمة تتبعها دار المرأة لوقف زواج القاصرات 
وتعتبر سلطانة حمدي أن معظم المشكلات التي تحدث بين الزَّوجين سببها الأول الزَّواج المبكر، إذ تكون الزّوجة قاصراً، فهي إن لم تكن بالغة راشدة لن تتمكن من اتخاذ القرارات، وتحمل مسؤولية منزلها وأسرتها، لذا على الأسرة أن تتحلى بقدر أكبر من الوعي، كي لا تنعكس تصرفاتهم سلباً على المجتمع.
وأكدت على أن دار المرأة تعمل لمنع حدوث المشكلات العائليّة "نزور العائلات لنساعدهم في حل مشكلاتهم، ويوجد نسبة من الرَّجال يلجؤون إلينا ويقدمون الشَّكاوى، فهم أيضاً ضحيّة للذهنيّة التي تسيطر على مجتمعاتنا، وبحاجة لكسر ذلك الحاجز". 
وأما عن أهمية دور المرأة فترى أن الحجر الأساس لبناء كل منزل هادئ وعائلة مثالية هو المرأة "المرأة هي التي تجمع العائلة وتحول دون تشتتها، لذا يجب إخضاعها للدورات التَّدريبيّة، لتعرف حقوقها وواجباتها، وتتعرف على شخصيتها، من أجل أن تسهم في بناء مجتمع ديمقراطي قائم على المساواة بين الجنسين، إلى جانب إخضاع الرجل لمثل هذه الدورات التوعوية".
وحول معاناتهنَّ في بداية عملهنَّ بينت أن "المحيط كان يرفض فكرة حل مشاكل المرأة في الدّار، ولكن بعد بذل الجّهود، أصبح عملهنّ أكثر تقبلاً، ومرجعاً لحل جميع المشكلات العالقة، وازداد عدد الدّعاوى والإقبال من أجل حل القضايا".
ووصفت سلطانة حمدي الإجراء الذي يتبعنه في حال معرفتهنَّ بتزويج فتاة قاصر "نذهب للأسرة ونناقشها، ونطلب منها التَّراجع عن قرارها، ونوعيها فكرياً، ونوقف الزّواج، ولكن هنالك بعض العوائل لا تتبع القوانين، ورغم حدوث الزّيجات بالرغم عنا أحياناً، إلا أنه في حال التَّفريق بين القاصر وزوجها يعودون إلى دار المرأة".
وتعمل الدّار على حل القضايا بالتعاون مع لجنة الصّلح، وفي حال لم تتمكن من حل القضية تحال إلى المحكمة لتأخذ الدَّعوى مجرى قانوني، مع متابعتها من عضوات دار المرأة، وإجراء النَّقاشات والحوارات مع الأطراف المُتنازعة "تستغرق الدَّعوى أحياناً تسع أشهر، وتُمدد جلسات القضيّة للوصول للحل المُناسب، وفي بعض الحالات يتدخل وجهاء العشائر لحلها".
وتضم الدَّار ثلاث مكاتب لحل مشكلات المرأة، والمركز الأساسي فيه مكتب الصَّلح ومكتب متابعة المحكمة، والأرشيف، وهناك ثلاث دور للمرأة تابعة للمركز العام في كوباني في كل من ناحية صرين، وفي شيران وبلدة بيندر عام 2018.
 
عقوبات رادعة وغرامات مالية على مخالفي قوانين المرأة 
وحول معظم أسباب المُشكلات، قالت سلطانة حمدي "الحرب الخاصة التي تحرك خيوطها الدَّولة التَّركيَّة، تسببت في مشكلات اقتصاديَّة ونفسيَّة فاقمت المشكلات الدّاخليّة"، وتطالب بأخذ الحيطة والحذر وعدم الانجرار وراء الحرب الخّاصة، والعودة للحياة الاجتماعية الكومينالية وتقوية أواصر المحبة. 
وفي عام 2017، تصاعدت نسبة المشكلات والتَّفكك الأسري، لذا وُضعت مجموعة من القوانين التي تخص المرأة، لنشر الوعي وضمان المساواة وحقوق المرأة في المجتمع، ولتحقيق العدالة بين الطرفين، ومنها قوانين لـ (الزَّواج، التَّفريق، الحضانة، والنَّفقة، والنّسب، والجرائم التي تمس الأسرة كزواج الفتيات دون موافقتهنَّ، وتعدد الزّوجات، والخيانة الزّوجية، وتزويج القاصرات، وزواج الدّية أو التَّعويض، وزواج البدل، والحيار والميراث). 
وتتخذ العديد من العقوبات بحق المذنب، كما بينت سلطانة حمدي "العقوبات تختلف من دعوى لأخرى، ففي تعدد الزّوجات مدة السّجن تتراوح بين الثَّلاث أشهر والسّنة، إضافة لدفع غرامة مالية قدرها 500 ألف ليرة سورية، وسجن الزّوجة الثّانيّة".
وأكملت "عقوبة زواج القاصرات ثلاث أشهر مع سجن والد الفتاة، كونه المسؤول الأول عنها، ومنع الزواج في حال تم الابلاغ عنه، إلى جانب سجن الزّوج إذا كان بالغاً أو سجن والده في حال كان قاصراً".
ودعت جميع النّساء بألا يقبلنَّ الزواج من رجال متزوجين، للحد من تفكيك الأسرة وتشرد الأطفال "المرأة الحرة تحترم جميع النَّساء، وتسهم في بناء مجتمع حر ومتساو".
ولعل أبرز المشكلات التي يعانون منها كما توضح هي في مخيم عين عيسى نتيجة الأوضاع والظّروف السيئة التي يعيشها المُهجرون.
وأكدت سلطانة حمدي على أنهم يعملون على الإنصاف بين المرأة والرجل بدون تفرقة أو انحياز لأي طرف منهما، وإرشادهما فكرياً، للحفاظ على الحياة الاجتماعية "نسبة المشكلات تضاءلت بعد تكثيف عملنا في التّوعية بالبلدات والقرى، وتزايد وعي الأهالي".
 
ميديا حسو ضحية للزواج المبكر وإحدى المستفيدات من عمل دار المرأة
قالت ميديا حسو (23) عاماً، وهي من أهالي كوباني، وإحدى ضحايا الزّواج المُبكر، ولديها أربع أطفال "تزوجت منذ تسع أعوام، وأنا بعمر الـ 14 عاماً، حاولت التأقلم، لكن زوجي خانني مع إحدى صديقاتي المقربات، وتزوج مرة أخرى، فسارعت للجوء لدار المرأة من أجل إيجاد حل". 
وتسرد ميديا تّفاصيل تجربتها "بعد تقديم الشّكوى، بدأوا بالعمل على مساعدتي، وألقوا القبض عليه وزجوه في السّجن لمدة ثلاث أشهر، وبعد خروجه قدمت طلباً للتفريق، ولكن الدّار أعطتني مهلة للتفكير مدة ست أشهر، وذلك كي لا يتشرد الأطفال بيننا"، ولكن عائلته لم تقبل بعودتها لزوجها، وهي لا تريد أن يبقى أطفالها مشتتين بينهما.
وبينت أن تصرف دار المرأة معها يدل على أن الهدف من عملهم ليس التَّفريق، بل مساعدتهنّ على حل مشكلاتهنَّ ونشر العدالة "كنت أسمع إشاعات كاذبة ولا تمت للحقيقة بصلة، حول أن دار المرأة تسعى للتفريق ونشر الطَّلاق، ولكن كنت أنا من بين اللواتي عملت دار المرأة على محاولة الإصلاح بينها وبين زوجها، للحيلولة دون تفكك الأسرة". 
واختتمت ميديا حسو حديثها بمناشدة الفتيات القاصرات بعدم الزواج بسن مبكرة لما له من أضرار اجتماعية ونفسية على المجتمع وعلى الفتاة بشكل خاص "أرفض فكرة زواج الفتاة في عمر صغير لأنها لا تعرف شيء عن الحياة بعد، ويجب عليها إكمال دراستها وأن تعيش طفولتها".