من السويداء إلى سجن حارم نساء في قبضة الإذلال الطائفي والانتهاك المسلح
كشفت نساء السويداء اللواتي تعرضن للاعتقال على يد مجموعة مسلحة تعرضهن للضرب، والإهانات، والتهديدات بالقتل والاغتصاب، والتعذيب النفسي، على خلفية طائفية وجندرية.

لميس ناصر
دمشق ـ في صباح يومٍ عادي من شهر نيسان/أبريل، كانت مجموعة من النساء والرجال الناشطين في الشأن المدني والنسوي في مدينة السويداء السورية، على متن حافلة تقلّهم إلى مدينة الرقة بإقليم شمال وشرق سوريا، للمشاركة في ورشة تدريبية حول التمكين المدني غير أن رحلتهم لم تكتمل، فعلى طريق مدينة حمص، اعترضتهم مجموعة مسلحة، لتبدأ فصول من الاعتقال والإهانة والتهديد، انتهت باقتياد النساء إلى سجن حارم في إدلب، لتحتجزن لعدة أيام في ظروف قاسية ومهينة.
وكالتنا حصلت على شهادات حصرية من بعض النساء اللواتي تعرضن للاعتقال، وهنّ يروين تفاصيل صادمة عن الضرب، والإهانات، والتهديدات بالقتل والاغتصاب، والتعذيب النفسي، على خلفية طائفية وجندرية.
"ضربونا وهددونا بالذبح"
صفاء شجاع إحدى المعتقلات، قالت "أُوقفنا مسلحين عند حاجز بمدينة حمص، ففصلوا الرجال عن النساء، وانهالوا علينا بالشتائم والضرب، ولم يسمحوا لنا بالتحدث، ووجهوا إلينا اتهامات غامضة، فقد كنا في طريقنا إلى تدريب مدني، لكننا وجدنا أنفسنا محتجزات دون سبب واضح".
وأضافت "أجبرونا على تغطية رؤوسنا بقطع من الملابس وأكياس سوداء، ثم قيّدونا ونقلونا في حافلة، وكانوا يصرخون بأننا سنُصفّى عند وصولنا إلى سرمدا، لقد عشنا خمس ساعات من الرعب، ظننا خلالها أن الموت بات أقرب من النجاة".
تحقيقات شكلية وتدخلات غير معلنة
ورغم التهديدات، تؤكد المعتقلات أن التحقيقات التي أجريت معهن لاحقاً كانت أقل قسوة، بعد ما يبدو أنه تدخل من جهات عليا، وبينت صفاء الشجاع أنه "قال لنا أحد المسؤولين: لدينا أوامر بعدم إيذائكن أكثر، لكن نريد أن نعرف سبب ذهابكن إلى الرقة، وهل لَكُنّ علاقة مع الكرد".
وقد خضعت النساء للتحقيق بشكل منفصل، ثم تم الإفراج عنهن دون توجيه أي تهمة رسمية أو عرضهن على القضاء.
آثار نفسية لا تُمحى
رغم الإفراج عنهن، إلا أن المعتقلات أكدن أن ما تعرضن له ترك آثاراً نفسية عميقة إلا أنهن قررن ألا يستسلمن لهذا الخوف، بل اعتبرن ما جرى دافعاً إضافياً للاستمرار في العمل المدني والنسوي، إذ تقول صفاء شجاع "لن نصمت. ما حدث يجب أن يُوثق، ويجب أن يعرف العالم أننا ما زلنا نُعتقل ونُهان بسبب هويتنا وأفكارنا".
داخل سجن حارم رقابة صارمة وانتهاكات صامتة
بعد ساعات من التنقل عبر الحواجز، نُقلت النساء إلى سجن حارم التابع لفصائل مسلحة وعن ذلك قالت صفاء شجاع "كانت هناك كاميرات مراقبة داخل الزنازين. قامت إحدى النساء العاملات في السجن، والتي تنتمي إلى تنظيم متشدد، بتفتيشنا بطريقة مهينة، وتعمدت السخرية منا باستمرار".
وأكدت المعتقلات أنهن التقين بسجينات أخريات داخل المعتقل، من مناطق وخلفيات متعددة، بعضهن تعرضن للتعذيب، وأخريات تم عزلهن في زنازين انفرادية "إحدى الفتيات اعترضت على أسلوب المعاملة، فقاموا بوضعها في زنزانة انفرادية دون ضوء أو طعام كافٍ، كعقوبة تأديبية".
"الطائفة كانت تهمتنا الوحيدة"
ريما عزام، ناشطة مدنية معروفة في السويداء، وصفت ما جرى بأنه "كمين طائفي بامتياز"، مضيفةً "بمجرد أن علموا بأننا من الطائفة الدرزية، انهالوا علينا بالإهانات الدينية والشتائم الطائفية. أحدهم قال: أنتم خنازير، مشايخكم خونة، سنربيكم على طريقتنا، لقد تحوّلت هويتنا الدينية إلى أداة للتهديد والإذلال".
وأكدت أنهم "أجبرونا على إبقاء رؤوسنا محنية طيلة الرحلة. كنت أسمع أحد العناصر يقول: ستتم تصفيتهن عند الرابعة والنصف فجراً. كنت مستعدة للموت، لكنني لم أكن مستعدة للإهانة التي تعرضنا لها".
تهديدات بالاغتصاب والانتهاك
رنيم الرضوان، إحدى الناجيات، بينت أنه "لم أتعرض للضرب الجسدي كما حصل مع غيري، لكنني تعرضت لتحرش لفظي مستمر. قال أحدهم: سنرسلُكنّ إلى الكرد ليعتدوا عليكن، كي تتعلم طائفتكن أن لا كرامة لها".
وتساءلت "لم أختر انتمائي الديني، فلماذا تتم معاقبتي عليه؟ ما حدث جعلني أفقد الإحساس بالأمان خارج حدود مدينتي، ولم أعد أجرؤ على السفر، بتنا نخاف من السفر، من الحواجز، من كل ما هو خارج حدود مدينتا. لقد زُرع فينا الخوف بشكل لا يوصف".
تكشف هذه الشهادات عن نمط من الانتهاكات المستمرة بحق النساء السوريات، خصوصاً الناشطات في المجتمع المدني، واللواتي يجدن أنفسهن بين مطرقة النظام وسندان هيئة تحرير الشام والمرتزقة، هذه الانتهاكات تأخذ طابعاً طائفياً وجندرياً.