من أجل إصلاح جذري... مطالب بتعديل شامل للقانون الجنائي المغربي
تزامناً مع توجه الحكومة المغربية إلى تعديل قانون مدونة الأسرة، تتجدد المطالب لتقديم مشروع القانون الجنائي، الذي تم سحبه قبل أكثر من سنتين من البرلمان بسبب عدة خلافات سياسية.
حنان حارت
المغرب ـ تعد السياسة الجنائية من الركائز الأساسية لبناء دولة الحق والقانون، ومن دلالات احترام الدول للحقوق والحريات الفردية والجماعية للمواطنين/ات، وبناء مجتمع يتمتع فيه الجميع بحقوقهم/هن وممارسة حرياتهم/هن الفردية والجماعية.
في المغرب منذ صدور القانون الجنائي سنة 1962، شهد عدة تعديلات، لكن كان ذلك يتم فقط بشكل جزئي دون المس بجوهر السياسة الجنائية. واليوم تؤكد النسويات على ضرورة إعادة النظر في هذا القانون بشكل جذري وشامل وعميق.
وأكدت الناشطة الحقوقية والمحامية عائشة لخماس، على أنه هناك حاجة ماسة اليوم لوعي مجتمعي يدعم إصلاح القوانين المغربية، وفي مقدمتها القانون الجنائي المغربي الغارق في كثرة التعديلات، مؤكدة على ضرورة اتخاذ خطوة التغيير الجذري والشامل للقانون الجنائي للخروج بنص جديد، يأخذ بعين الاعتبار الوضع الراهن الذي يعيشه المجتمع المغربي حتى يتلاءم مع تغيرات القرن 21، ويضمن الحماية والحرية للنساء في امتلاك أنفسهن وأجسادهن.
وترى أن مظاهر التمييز في القانون الجنائي المغربي متعددة، وذلك بدءاً من لغة القانون الذي يتضمن كلمات تعود لعصور لم تعد قائمة، مستغربة من استعمال القانون لتوصيف مثل هتك عرض بعنف وبدون عنف، متسائلة إن كان هناك هتك عرض بدون عنف.
وبينت أن الدستور المغربي الذي صدر في 2011، ينص على المساواة بين النساء والرجال في كافة الحقوق "نحن الآن إزاء دستور 2011 الذي حمل العديد من المستجدات المتعلقة بالمجال القانوني، لذلك يتعين إعادة النظر في القانون، على اعتبار أنه من أهم النصوص المؤطرة للمجتمع"، مشددة على ملاءمة هذا القانون مع مقتضيات الدستور الذي يكرس ثقافة حقوق الإنسان والحريات.
وأوضحت أن مختلف التعديلات التي عرفها القانون الجنائي المغربي منذ صدوره، تميزت بالتجزئة، ولم تمس فلسفة وثوابت السياسة الجنائية "لقد أنشئ في سياق زمني مختلف عن السياق الذي نعيشه اليوم، بأبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية".
ولفتت إلى أن الموقع الذي بات يتمتع به المغرب، أضحى يفرض ضرورة ملاءمة تشريعاته الداخلية مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وذلك من أجل خلق نوع من الانسجام بين تلك الاتفاقيات والقانون الوطني المغربي.
وعن مظاهر التمييز في القانون الجنائي، أوضحت أنه "برغم المساواة الظاهرة، إلا أن القانون الجنائي يحمل العديد من مظاهر التمييز، مثلاً مازالت الخيانة الزوجية لا تتحرك إلا بالشكاية التي تسقط عند تنازل المرأة للرجل، في حين أنها لا تسقط بالنسبة للنساء اللواتي تحاكمن بالفساد، وهذا نعتبره حيف وتمييز".
وحول رفع التجريم عن الإيقاف الطبي للحمل، حماية لحياة وصحة النساء، من أجل وضع حد للمآسي الناتجة عن الإجهاض السري، أكدت أنه قد آن الأوان لإلغاء تجريم الإجهاض، وإلحاقه بمدونة الصحة، التي يجب إحداثها لتدخل في ورش التغطية الصحية "المرأة تدفع الثمن لوحدها حين حدوث حمل غير مرغوب فيه وتتحمل تبعات ذلك".
وأضافت "المجتمع المغربي بحاجة إلى تربية جنسية، من أجل أن يتصالح المغاربة مع أجسادهم"، قائلة إن "المجتمع كله يتحكم في جسد المرأة، في حين أن صاحبة الجسد لا تتحكم فيه ولا سلطة لها عليه".
أما فيما يتعلق بقضية حماية النساء المغربيات من العنف، فأوضحت أن القانون الجنائي يشهد غياب تصور واضح ورؤية متكاملة لحماية النساء من العنف ومناهضة التمييز ضدهن وحماية الحقوق والحريات الممنوحة لهن "لقد تم إدماج قانون العنف في القانون الجنائي تعسفاً، لهذا نحن اليوم بحاجة لقانون يحمي النساء من العنف يكون مستقلاً عن القانون الجنائي ليضمن الحماية الكاملة للنساء".
يذكر أن مشروع القانون الجنائي، كانت قد سحبته الحكومة المغربية من البرلمان قبل أكثر من سنتين، وذلك بعدما أثارت مضامين مشروع هذا القانون خلافات وجدلاً مجتمعياً، والتي كانت محط أخذ ورد بين مختلف التيارات السياسية وفعاليات المجتمع المدني من شتى الانتماءات والتيارات.
فيما أفصحت مصادر برلمانية أن مشروع القانون الجنائي سيحال إلى البرلمان المغربي خلال دورة نيسان/أبريل 2025، ومن المنتظر أن تبدي الأمانة العامة للحكومة رأيها بخصوص المشروع الذي وضعته وزارة العدل على طاولة المشاورات مع رئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية والمحامين وباقي الجهات المعنية.