للانتخابات وجه آخر في صعيد مصر... محامية تروي تجربتها

عند الحديث عن خوض الانتخابات قد يظن البعض أنها تقليد واضح المعالم ومعترك سهل التنافس فيه، إلا أن ما يحدث على أرض الواقع أمر مختلف تماماً فلتلك اللعبة السياسية قواعد لا يجيدها الكثيرون وتجربة النساء بها أكثر تعقيداً خاصة وإن كانت في صعيد مصر.

أسماء فتحي

القاهرة ـ  وضع النساء في الانتخابات أكثر صعوبة نتيجة عدد من الممارسات والأفكار التقليدية في مجتمع يبنى إلى حد كبير على المنطق الأبوي، في تنميط دور المرأة وارتباطه بما تقوم به داخل أسرتها من أعمال ومن ثم عدم قدرتها على فعل شيء مخالف لذلك على أرض الواقع ولا سيما إن كنا نتحدث عن مراكز صنع القرار.

هناك مجموعة من العوامل التي تؤثر على العملية الانتخابية ولكنها باتت أساسية وضرورية في كثير من الأحيان ومنها السلطة المالية والعائلية، بل بات جانباً ليس بالقليل منها يدار من خلال القبلية وهو الأمر الذي له أثر كبير على نجاح المرشح خاصة وإن كان يقيم في مجتمع تديره العائلات بالأساس كصعيد مصر.

ولا يتوقف الأمر على ذلك فقط لكن هناك أيضاً النوع الاجتماعي الذي له دور كبير في الاختيار خاصة إن كان حديثنا يتعلق بالمجالس النقابية والنيابية، فعادة يتم تفضيل الرجال على النساء وإن كان الطرفان يمتلك نفس المهارات والقدرات، وكالتنا تطرقت إلى تجربة مميزة لمرشحة في محافظة قنا بصعيد مصر خاضت انتخابات مجلس الشيوخ 2020،  وتحدثت عن الصعوبات التي مرت بها من تهم وتشوية ووصم مجتمعي.

 

نجاح في البدايات مختلف

قالت المحامية ابتسام محمد أحمد مرعي، أنها بدأت التحدي مبكراً حينما حصلت على نتيجة الثانوية العامة لأن المتعارف عليه بقريتها التابعة لمحافظة قنا أن الفتيات يدخلن كلية التربية أو الآداب ولكنها قررت دراسة القانون ودخول كلية الحقوق وحينها لم يكن هناك إقبال نسائي عليها.

وأحد أبرز التحديات التي واجهتها أنها ستدرس في محافظة المنوفية وهو الأمر الذي عارضه الأهل والمحيطين بها فهي تسكن في أقصى الصعيد وعليها الذهاب والعيش بعيداً عن أسرتها وهذا فعل غير معتاد في قريتها وأقرب للحلم ولكنها تمكنت من تحقيقه وأتمت دراستها بنجاح وتفوق.

وأكدت ابتسام مرعي أنها أول محامية امتهنت ذلك العمل في مركزها نظراً لبعض الأفكار المغلوطة وأن النساء لن ينجحوا في تلك الكلية أو يستفيدوا منها، باعتبار أن الانطباع الأقرب للأذهان هو اقتصارها على الرجال دون النساء لأنها أنسب لتكوينهم والمساحات الممنوحة لهم والتي تعتمد بالأساس على التمييز المبني على أساس النوع الاجتماعي.

 

أول مرشحة لمجلس الشيوخ على مستوى المحافظة

تمكنت ابتسام مرعي من تحقيق قدر ليس بالقليل من النجاح في مهنة المحاماة وقررت خوض انتخابات مجلس الشيوخ لعام 2020 باعتباره تحدي جديد لا يمكن للنساء وقتها التفكير به، وبدأت خوض المعترك السياسي في تحد وثبات.

وأكدت أنها أول امرأة تترشح لانتخابات مجلس الشيوخ في محافظة قنا، وتمكنت من الحصول على 10 آلاف صوت وهو رقم ليس قليلاً على تجربتها الأولى وعمرها الصغير أثناء فترة الترشح.

وأوضحت إنها كانت حامل في شهرها الثاني أثناء اتخاذها هذا القرار الصعب ولم يثنيها هذا الأمر عن إصرارها ورغبتها في النجاح والحصول على أصوات حتى تتمكن من تحقيق ذاتها والوصول لأحد مراكز صنع القرار.

وأضافت إن تجربتها مختلفة فرغم عدم نجاحها إلا أنها تمكنت من الحصول على عدد كبير من الأصوات وليس من السهل تحقيقه في ظل كم التحديات التي واجهتها أثناء مسيرتها لكسب الشعبية والتأييد في محافظتها.

ولفتت إلى أنها قدمت برنامج انتخابي مختلف ولم تترفع عن نزول الشوارع وشرح تفاصيله مباشرة للجمهور رغم محدودية الموارد المنفقة، فذهبت لمختلف الأماكن العامة ومنها مراكز طب الأسرة المخصصة للنساء ومكاتب البريد والمقاهي والمحلات التجارية والأسواق وتعرف المواطنين بنفسها وعلى خطة عملها.

وعن نتيجة تلك التجربة التي حصلت عليها قالت "لقد كسرت الكثير من التابوهات في المجتمع الصعيدي أهمها أن القبلية ليست أهم من الجهود الذاتية وحجم الأصوات الذي حصلت عليه خير دليل على ذلك، وكذلك الصورة النمطية للنساء فقد أكدت أن المرأة يمكنها الخروج والتعبير عن ذاتها وخوض المعترك الانتخابي والمنافسة القوية لتحقيق النجاح أو الحصول على أصوات ليست بالقليلة، واعتمدت على المجهود الشخصي وخلت تماماً من استخدام المال وغيرها من الأمور المتبعة في مثل هذه الحالات".

 

منها الوصم بالطلاق... تحديات وعراقيل من صنع المجتمع

مرت المحامية ابتسام مرعي بمجموعة من العراقيل التي وضعت في طريقها حتى لا تتمكن من استكمال مسيرتها في العملية الانتخابية وأهمها انتشار شائعة طلاقها، لاعتبار المرأة التي تنفصل عن زوجها على حد وصفها "منبوذة" وهو ما يهدد نجاحها في كسب التأييد.

وعن هذا الوصم المجتمعي الذي لاحقها لفترة طويلة وأثر عليها سلباً قالت "المجتمع لا يقبل امرأة لم تتمكن من تحمل زوجها أياً كان حجم ما تمر به من ظروف وبالتالي المطلقة لا يمكنها أن تصل لمركز صنع قرار فهي لم تستطع النجاح في بيتها فكيف لها أن تعمل على حل مشاكل وأزمات الآخرين".

وأشارت إلى أنها وصمت بمجموعة من الاتهامات كان منها الحصول على أموال من المجلس القومي للمرأة، وكذلك تلقي مبالغ مالية من أحد المرشحين لضرب بعض منافسيه وتقليل عدد الأصوات، وغيرها من الأمور التي لم تقلل من كفاحها بل زادت من حجم عزيمتها ورغبتها في النجاح والحصول على أكبر قدر ممكن من الأصوات.

واختتمت المحامية ابتسام محمد أحمد مرعي حديثها بالقول أن "الصعيد مختلف بالثقافة السائدة، وإن كان الأمر بدأ يتغير تدريجياً وزاد معدل تعليم الفتيات وقدرتهن على إثبات ذواتهن، إلا أن الوصول لمراكز صنع القرار مازال يحتاج إلى عمل دؤوب من نشر الوعي ورفع ثقافة المواطنين وتغيير التصور النمطي عن قدرات النساء".