لبنان... النساء محرومات من الحصول على حقهن في الميراث

أصدرت جمعية "حقي أورث" أول دراسة ميدانية إحصائية حول حق الإرث للنساء، كشفت عن أن 90% من النساء في لبنان لم تحصلن على حقوقهن في الإرث، موضحاً مدى الغبن الذي تعانين منه.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ تعاني النساء في لبنان من ضياع حقوقهن وبينها الحق في الميراث الذي يتحدد وفق النظم القانونية لكل طائفة أو مذهب، فيعد حرمان المرأة من الميراث أحد أشكال العنف ضدها وتحاول الجمعيات النسوية تسليط الضوء عليه وتوعية المجتمع بأهمية وقف التمييز ضدهن.

قامت جمعية "حقي أورث" التي تأسست في 23 آذار/مارس من 2021، وتعنى بحق المرأة في الإرث وتمكينها القانوني والاقتصادي، ومناهضة جميع أشكال العنف ضد النساء، لا سيما العنف الاقتصادي بإصدار أول دراسة ميدانية إحصائية حول الإرث المخصص للنساء، وشملت تعبئة استبيانات عامة تشمل موضوع الإرث وطالت ألف عائلة من طوائف متعددة وفئات عمرية واقتصادية مختلفة.

تبين من خلال الدراسة أن 90% من النساء لا تعرفن حقوقهن بغض النظر عن مستواهن التعليمي، كما وأن حوالي 90% من الفتيات لا تأخذن حصتهن من الإرث ولأسباب عدة منها ما أخذ منهن بالقوة والإكراه.

وأظهرت الدراسة التي شملت ست قرى في منطقة بعلبك وغربها، مدى الظلم الذي تعاني منه النساء، كما تبين أنه لا يتم تطبيق الشرع والدين في تقسيم الإرث، ولا يتم الرجوع إلى النصوص الدينية في المذاهب المختلفة بل تقتصر العودة فقط على تقسيم الميراث على مستوى الذكور وعند الوصول إلى حصص النساء يتم التغاضي عن الموضوع ولا يؤخذ فيه إطلاقاً.

ولفتت الدراسة إلى أن لحرمان النساء من حق الإرث جذور تاريخية، فعلى الرغم من التطور وازدياد المعرفة لم تلاحظ الدراسة أي تغيير على مستوى العقلية الإلغائية للمرأة ولحقها في الإرث، ووجدت أن "الأم تلعب دوراً أساسياً في حرمان بناتها من حقوقهن المشروعة".

تقول رئيسة جمعية "حقي أورث" علوم عودة "إن الجمعية بدأت كثورة على وسائل التواصل الاجتماعي، خلقت من ألم النساء غير القادرات على التحدث عن حقهن في الإرث، لأن المجتمع يعتبره بمثابة عيب"، مشيرةً إلى أن "يستخدم مفهوم العيب لكي تتراجع المرأة عن المطالبة بحقها في الإرث، ليبقوا مسيطرين على هذا الحق".

ولفتت إلى أنها وعضوات الجمعية بعد إثارة الرأي العام بحقهم في الحصول على الإرث، بدأن بعدة مشاريع من بينها ما يساهم في تمكين النساء اقتصادياً، في خطوة منهن لإكسابهن مهارات يدوية، وتسويق منتجاتهن، وتأمين المواد الأولية لهن "كنا نبث فيهن الوعي حيال حقوقهن، وكنا نعمل بشكل متواز على تمكين المرأة وتوعيتها للمطالبة بحقها في الإرث".

وأشارت إلى أن "النساء اللواتي كن تعملن في الزراعة إلى جانب تحملهن أعباء المنزل، لم تكن تحصلن على مقابل العمل الذي تقمن به، فالدخل الذي كان يجب أن تتقاضينه مقابل عملهن، كان إما آبائهن أو أشقائهن أو أزواجهن يتقاضونه، ولكن الآن وبعد أن أصبح هناك وعي، تمكنت المرأة من الخروج من هذه البيئة".

وعن الحملة التي أطلقتها لمطالبة النساء بحقهن في الإرث تقول "عندما بدأت الحملة كنا قد تلقينا انتقادات كثيرة خاصة عندما كشفنا عما يحصل داخل البيوت، فبالطبع لم يكونوا يودون الكشف عما يحصل ليستمروا في استغلال المرأة بشكل دائم، ويقولون إنه لا يمكنها إدارة أمورها خاصة المادية منها، علماً أنها منتجة وتدير أعمالها وتتدبر أمور بيتها"، مشيرةً إلى أنه عندما يتعلق الأمر بالمال يقولون لا يمكن للمرأة أن تدير أمورها، ويستغفلها زوجها وأهلها للحصول على حصتها في الإرث، وللحقيقة الجشع والطمع هما وراء سرقة إرث النساء".

وحول سبب سرية التعامل مع الإرث ووضعه ضمن الاستبيان أوضحت علوم عودة أنهم "وصموا هذا الحق للأنثى في الإرث بمفهوم العار، ليتمّ حرمانها منه بصورة غير ظاهرة وبصمت، حيث يتم تربية الفتيات على أنه من المعيب المطالبة بهذا الحق ليسيطر الرجال من عائلتها عليه جزئياً أو كلياً دون مقاومة منها، أي باختصار يغلفونه بمفهوم العار المجتمعي ليتم سلبه منهن".

وأوضحت أن "ثمة ممارسات ضد المرأة التي تطالب بإرثها، منها التزوير بأوراق رسمية خصوصاً إن توفى الأب دون ضمان حقّها، أو يتم تهديد النساء للتخلي عن هذا الحق، ومنها بالعنف أو تشويه السمعة وأحياناً من الأقربين مثل الأخوات والأم وزوجات الإخوة وغيرهم، وهي أموراً عشت بعضها شخصياً".

أما بالنسبة للقانون "أعطى القانون المدني حقاً أكبر من الديني الذي يخضع لقوانين المذاهب المختلفة ووفقاً لتصنيف الأراضي، وللأخيرة أنواع عدة وهي الملك والأراضي الأميرية"، مشيرةً إلى أن "الأراضي التي كانت ملكاً للدولة العثمانية وتحولت إلى الدولة اللبنانية والتي يملكها الأفراد ولكن رقبتها تعود للدولة، قانونها مدني أي يعطي حقاً للأنثى مثل الذكر، وفي حالة الأراضي الأميرية فالمرأة ترث بالقانون المدني مثل الرجل، ولكن يتم حرمانها من هذا الحق على أرض الواقع"، مضيفةً "إن لم يكن هناك نقل ملكية بموجب عقود بيع وشراء صوريّة للذكور، فمن حق المرأة المطالبة عبر القانون المدني بحصتها في الإرث".

وخلصت إلى أن "المشكلة بالعقلية، وليس بالقانون أو بالشرع، رغم أن الشرع لا يعطي الحق بالإرث للمرأة كما الرجل أي مناصفةً، ولكن الأم والأب يرثان مناصفة في الإجمال، والزوجة ترث نصف حصة الزوج، والابنة نصف حصة الابن، وبالتالي ليس هناك أي حل سوى التوعية بالقوانين وتقديم المساندة النفسية والقانونية والاجتماعية، ومن أجل ذلك قمنا بتدريب مئات النساء والرجال حول قوانين الإرث لدى كل الطوائف اللبنانية، كما يتمّ تقديم استشارات قانونية مجّانية للنساء من أجل تحصيل حقوقهن بالإرث، وأجرينا إحصاءات ومن ضمنها التعمّق بحيثيات حرمان المرأة من الإرث".

 

 

بدورها قالت مسؤولة المالية في "جمعية حقي أورث" زينب ناصرالدين "خلال تعبئة الاستمارة من قبل المتطوعين/ات واجهتهم الكثير من المشاكل، وفي إحدى البلدات كان هناك تدخل من جهة ما منعت استكمال هذا الإحصاء خلال عملية تعبئة الاستمارة، لذلك تدخلنا مباشرة بعد أن تم حجز الفتيات لساعات وانسحبنا من هذه المنطقة، واستكملنا الاستمارات في منطقة أخرى، كما واجه المتطوعين/ات مشكلة تمثلت في أن بعض النساء رفضن الحديث".

 

 

من جهتها قالت مسؤولة الموارد البشرية في "جمعية حقي أورث وإحدى مؤسسات الجمعية ناريمان المقداد "نفذنا وأنجزنا الكثير من المشاريع، ومن بينها إعداد إحصاء عن موضوع إرث النساء وكم ترثن".

وأشارت إلى أنه "بعد نحو عام ونصف العام من العمل قمنا بإعداد تقرير حول نسبة النساء اللواتي ترثن في منطقة بعلبك ـ الهرمل، كوني مسؤولة قسم الموارد البشرية في الجمعية كانت مهامي الإشراف على المتطوعين"، لافتةً إلى أنه في بداية عملنا على استقطاب المتطوعين/ات كنا نتوجه إلى الميدان للاطلاع على عملهم"، لافتةً إلى أنه بحسب النتائج التي توصلوا إليها فإن "حوالي 85 ـ 90% من النساء في منطقة بعلبك ـ الهرمل لم ترثن".

ونوهت إلى أن هناك نساء معيلات لأسرهن ولكنهن محرومات من حقهن في الإرث الذي كان من الممكن أن يخفف عنهن وطأة الأزمة الاقتصادية والعوز، مشددةً على أهمية منح المرأة حقها في الإرث، فهي باتت تتحمل المسؤوليات أكثر من الرجل سوءاً داخل المنزل أو خارجه، مشيرةً إلى أن النتائج أظهرت أن أكثر من 85% من النساء معيلات وفي الوقت عينه لم ترثن، وفي ظل الأزمة الاقتصادية بات وضعهن سيئاً.