هل تغليظ عقوبة التحرش كافٍ لردع الجريمة... نسويات مصريات يجبن

صدّق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على عدد من القوانين نشرتها الجريدة الرسمية "الوقائع المصرية"، منذ أسبوع، من بينها تعديل بعض أحكام قانون العقوبات الخاص بتشديد العقوبات على التحرش الجنسي

إيناس كمال
القاهرة ـ .
شمل التعديل جريمة التحرش التي كانت تعتبر "جنحة" بعقوبة لا تزيد عن عامين حبس، لتصبح "جناية" عقوبتها السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، وتصل إلى 7 سنوات في بعض الظروف لكل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو متهم بممارسة أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية.
كما جرّم القانون استخدام وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية أو الإلكترونية، أو أية وسيلة تقنية أخرى كأداة للتحرش الجنسي وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تتجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن مائتي ألف جنيه (عملة مصر)، ولا تزيد على ثلاثمائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجني عليه، وفى حالة العود تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حديهما الأدنى والأقصى.
أما إذا كان الجاني له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه أو مارس عليه أي ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه، أو ارتكبت الجريمة من شخصين فأكثر أو كان أحدهما على الأقل يحمل سلاحاً تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن سبع سنوات.
لكن هل تغليظ العقوبة وتشديدها وفرض غرامة 10 أضعاف ما كان معمولاً به سابقاً يعد كافٍ ورادعٍ للجريمة؟ عدد من النسويات المصريات يجبن عن هذا السؤال ويبدين رؤيتهن الخاصة في تعديل القانون.
المديرة التنفيذية لمؤسسة "بنت النيل" تحت التأسيس أسماء دعبيس قالت إن تغليظ العقوبات هو أحد أشكال الردع لكن هناك آليات لابد أن تضعها الدولة في الحسبان مثل روتين الإجراءات المعمول به في القانون المصري، والتي لا ترى أن جرائم التحرش هي جرائم عنف جنسي قوامها الأفعال المرتكبة بحق النساء والفتيات وأن أساس التجريم هو حماية الحق  في السلامة النفسية والجسدية والحماية من جميع أشكال العنف التي تتعرض لها الفتيات والنساء.
وأضافت أن القانون المصري في جرائم العنف الجنسي حدد شكل ثابت للجرائم والمجني عليهم ومرتكبي الجرائم على الرغم من أن جرائم العنف الجنسي لابد أن تضع في الحسبان أنها ليس لها شكل محدد ولا طريقة ارتكاب محددة.
وطالبت أسماء دعبيس المُشّرع المصري بأن يكون هناك مرونة في صياغة وتشريع قوانين جرائم العنف الجنسي وأشكالها وتحديد مرتكبيها، معللة ذلك أنه طوال الوقت يتم تحميل المجني عليها عبء إثبات الجريمة فور وقوع الحادثة بدون مراعاة جانب الصدمة النفسية التي تتعرض لها، ويغيب عن ذلك منظومة التحقيق الجنائي في قضايا العنف الجنسي المراعية للنوع الاجتماعي وقت التحقيقات. 
كما ترى أنه لا يوجد في القانون المصري نظام للتعامل مع القضايا المبلغ عنها بعد حدوثها بفترات طويلة وبالتالي فإن التجريم وحده ليس كافياً لحماية الفتيات والنساء، ويجب مراعاة المنظومة القانونية كاملة، بمنظومة تطبيق التحقيقات في جرائم العنف الجنسي.
 
 
بينما ترى مؤسسة ومديرة مبادرة "سوبروومن" آية منير أنه "لدينا في مصر من الأساس مشكلة في أماكن احتجاز المتحرشين والإبلاغ عن التحرش ومهما تم تغليظ العقوبات فنحن لا زلنا في فخ أننا نلجأ لمنظومة ليس لديها تعريف كامل وواضح للتحرش ولا المتحرش ولا يوجد تعاطف مع الضحية ولا يوجد فكرة لمعاقبة مرتكب الجريمة، وهم من الأساس يرون أن الفتيات هن المذنبات من ناحية ملابسهن أو سلوكهن، فتلك المنظومة تعذر الجاني، مثلاً أنه تم إثارته من الفتاة أو أنه لا يستطيع الزواج".
كما ترى أن مصر لديها مشكلة كبيرة وهي مراكز الإبلاغ والاحتجاز للمتحرشين، "أننا نحتاج لأماكن محددة للإبلاغ عن جرائم التحرش، تستطيع الفتيات أن تلجأ إليها وتكون هذه الأماكن هي المنوطة باستكمال إجراءات الإبلاغ وبعد أن يتم تحويل الواقعة إلى النيابة تباشر هذه الجهات وتكمل الطريق برفقة الضحية ويكون لديهم سلطة لدعم الضحية بالشكل المناسب الذي يحميها من ضياع حقها أو الضغط عليها".
وطالبت آية منير بإقرار عقوبة لمن يضغط على الضحية من أجل عدم استكمال البلاغ أو التنازل عنه وعدم تحرير محضر بواقعة التحرش مثل أمين الشرطة أو وكيل النيابة "نحتاج أن يكون هناك عقوبة لمن يتقاعس عن أداء دوره أو يضغط عليها ولابد أن تحرر الفتاة محضر وقتها ضد أمين الشرطة ويكون ذلك من حقها، لأنه يتقاعس عن أداء دوره وسيزيد من مخاوف الضحية في الإبلاغ عن الواقعة".
وتختم حديثها قائلة "برأيي حتى لو أصبحت العقوبة السجن 25 عاماً، ونحن ليس لدينا مراكز مؤهلة لاستقبال البلاغات والتعامل معها، ستظل الجريمة موجودة في الشارع ولن يتم ردعها ولن يكون القانون كافياً لذلك، لأن الجاني سيثق أنه إذا وصل إلى قسم الشرطة فسيستطيع الخروج منه".
مؤسسة "سوبروومن" أشارت إلى اتفاقهم مع الورقة القانونية التي أصدرها مركز "تدوين لدراسات النوع الاجتماعي" بخصوص تحويل الجريمة من جناية إلى جنحة وأن لذلك أضراره التي سردتها الورقة القانونية بعنوان "تعديلات قانون التحرش: الثغرات القانونية والحلول المقترحة"، حول فاعلية هذه التعديلات وعيوب تغليظ العقوبة، إضافة إلى التوصيات والمقترحات.
ومن جانبها قالت مديرة مركز تدوين أمل فهمي إن التغييرات التي طرأت على القانون تغييرات محدودة لعدة أسباب منها إضافة تعريفات جديدة للتحرش وأصبح هناك تفريق في العقوبات بين من يعتدي وهو لديه سلطة ومن ليس لديه سلطة، لكن هناك عدة مشكلات تخص تغليظ العقوبة عدا عن كونها الحل الأسهل والأيسر أمام الدولة بدلاً من تغيير وعي الناس تجاه القضية والتأهيل المجتمعي، فهناك عدم وعي كافي بالتعديلات التشريعية ومفهوم التحرش ذاته الذي يلتبس لدى العامة مع عدد من الجرائم الأخرى مثل "هتك العرض".
وأضافت "خاصة أن تغيير التشريعات مسؤولية الدولة، وهي خطوة مهمة لحماية النساء لكن تلك الخطوة التي وصفتها بالسهلة لا تكون الوحيدة أمام ردع الجريمة، بدلاً من تسهيل الإجراءات التي تحتاج تغيير أفكار وتغيير مجتمعي". 
وتشير إلى أن بعض القضاة يلجؤون إلى استخدام مبدأ الرأفة أحياناً بسبب وجود قبول وتواطؤ مجتمعي لحماية المتحرشين، وفي هذه الحالة تغليظ العقوبة قد يكون سبباً كبيراً وعائق أمام سير البلاغات وقد تصاب الفتيات بالإحباط من التبليغ، كما أن رجال القانون والشرطة يحتاجون إلى تدريبات حتى لا يأخذوا بلاغات التحرش باستخفاف وبرأفة مع المتحرشين وتوفير دعم للنساء وتخصيص ضابطة لتلقي بلاغات التحرش من الفتيات.
وأضافت مدير مركز "تدوين" أن المجني عليها لا تزال تقابل مشكلة الوصم المجتمعي الذي يلاحقها متى قررت الإبلاغ بخلاف الحكم الأخلاقي والتشهير والضغوط الأسرية، وصعوبة إجراءات الإبلاغ وما تستلزمه من توجه لأقسام الشرطة والخوف من قضاء وقت طويل بداخلها خاصة إذا ما قام الجاني بتحرير محضر كيدي "ضرب" ضد الناجية بهدف الضغط عليها للتنازل وصعوبة إثبات الواقعة خاصة في حالات التحرش اللفظي أو داخل الأماكن المغلقة أو مكاتب العمل.
وبناءً على ذلك أصدر مركز "تدوين" 12 توصية بخصوص تفعيل ناجح لتعديلات مواد القانون الجديدة أبرزها "إنشاء باب مستقل بعنوان (جرائم العنف الجنسي) لحين إصدار قانون مستقل للعنف واستبدال مسمى "هتك العرض" الموجود حالياً في القانون بـ "الاعتداء الجنسي"، وتقييد استخدام السلطة التقديرية للقضاة بتطبيق المادة ١٧ المخففة للعقوبة على الأقل في حالات العودة لجرائم العنف الجنسي وحماية بيانات الشهود والمبلغين، بالإضافة إلى إنشاء قائمة على موقع الحكومة الرسمي يتم إدارتها عن طريق مكتب النائب العام وتكون متاحة للجمهور يدرج فيها اسم كل من صدر ضده حكم قضائي نهائي في إحدى جرائم العنف الجنسي (التعرض، التحرش، الاعتداء، الاغتصاب) لمدة زمنية معينة على أن يعاد إدراجهم لفترة أطول متى عادوا لارتكاب جريمتهم وهو المعمول به في عدد من الولايات المتحدة الأمريكية، وحرمان من صدر ضده حكم قضائي نهائي في أي جريمة من جرائم العنف الجنسي من العمل في الوظائف العامة أو تولي أي منصب يكون له سلطة فيه على مرؤوسيه، فضلاً عن الحرمان المؤقت من الحقوق السياسية أو التمثيل النيابي أو المحلي أو النقابي".
 
 
وترى رئيس مجلس إدارة جمعية صبية للمرأة والطفل نهلة الضبع، إن تغليظ العقوبة غير كافي لأن إثبات جريمة التحرش فيها أكثر من ثغرة أحدها هو عدم وجود شهود على الجريمة وبالتالي تغليظها لا يحل هذه المشكلة والأمر الآخر هو ثقافة المجتمع لتبرير التحرش للمتحرش مثل جريمة "الطبيب المتحرش بميكروباص الزقازيق" أو "جريمة فتاة المعادي" وغيرها فكان تبرير المجتمع وقتها أنه لابد من الحفاظ على مستقبل المتحرش أو أن ملابس الفتاة هي السبب. 
وأكدت نهلة الضبع أن "جريمة التحرش ليس لها مبرر ولا علاقة لها بملابس الفتاة ولا شكلها ولا سبب وجودها في مكان الجريمة"، لافتة أن هناك جرائم تحرش واغتصاب تمس الأطفال أيضاً، ما يلفت النظر إلى أمرين مهمين الأول هو وجود مناهج بوزارة التربية والتعليم تعرف الأطفال كيف يدافعون عن أنفسهم ويحمونها إذا تعرضوا لأي اعتداء والتبليغ عنه وكيف ينتبه أولياء الأمور لذلك، الأمر الآخر هو تشجيع الفتيات للإبلاغ والتواصل مع المكاتب الخاصة مثل مكتب شكاوى المجلس القومي للمرأة أو الخط الساخن بالإتجار بالبشر.
وشددت في ختام حديثها على أن تغليظ العقوبة ينبغي أن يرافقه تغيير وعي وثقافة المجتمع تجاه الفتيات والنساء حتى يتوقف المجتمع عن تبرير جريمة التحرش للمتحرش.