'حان وقت مراجعة مجلة الأحوال الشخصية والقوانين الموجودة لم تنهض بواقع النساء'

تعتبر التونسيات أن مجلة الأحوال الشخصية لم تعد تستجيب لانتصارات النساء والتحولات داخل المجتمع التونسي، إذ صدرت في سياق تاريخي مختلف عن السياق الذي وصلته المرأة بفضل نضالاتها المستمرة من أجل واقع أفضل.

زهور المشرقي

تونس ـ أكدت الكاتبة ابتسام الوسلاتي على ضرورة استكمال مسار المطالبة بالمساواة التامة في كل الحقوق والحريات ورفض الهيمنة بكل أشكالها ومقاومتها والدفاع عن الحريات والمساواة لأنه لا يمكن الحديث عن ديمقراطية سليمة في غياب الحقوق والحريات وضمان نفاذ النساء إلى مواقع القرار وتكافؤ الفرص.

قالت الكاتبة والأكاديمية ابتسام الوسلاتي في حوار مع وكالتنا، أنّ ترسانة القوانين التي جاءت للنهوض بواقع النساء لم تغيّر بواقعهن بشكل جوهري وتستجيب لما اكتسبته من زيادة في العلوم والمعرفة، في حين ارتفعت نسبة البطالة في صفوف النساء وتضاعفت نسب العنف وغيرهما، بالرغم من وجود تشريعات كان من المفروض أن تحميهن.

 

هل تغيّرت وضعية المرأة التونسية منذ تولي رئيسة الحكومة منصبها، وهل لمستِ مؤشرات لمعالجة النواقص وتنفيذ القوانين التي تعزز دور المرأة؟

إنّ رمزية تعيين امرأة على رأس الحكومة، بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة لتونس ومنطقة الشرق الأوسط ككل، تُعدّ مسألة حق ظل مسلوباً في السابق، وهو حق المرأة في المشاركة في إدارة الشأن العام على أساس المساواة ودون إقصاء في ظل الهيمنة الرجعية.

ومن المفترض أن تكون رئيسة الحكومة مهتمة بقضايا النساء خاصّة أنّ الحديث عن حقوقهن في تونس ومكتسباتهن يعتبر جانباً هاماً من الحراك الاجتماعي والسياسي الذي رافق سنوات الألم التي سبقت المصادقة على دستور 2014 ضمن مسار من النضال والمقاومة لصياغة نصوص دستورية تؤسس لمقاربة تحمي حقوقهن تأكيداً لمبدأ المواطنة ومبادئ حقوق الإنسان. وعلى هذا الأساس كان يُنتظر من رئيسة الحكومة مبادرات انتصار لقضايا المرأة التي مازالت تعاني إلى اليوم من التمييز وقهر النصوص القانونية التي تهمشها وتقصيها عن مواقع صنع القرار.

نجاح رئيسة الحكومة لا يتعلق بشخصها بل هو نجاح للمرأة في إثبات كفاءتها والتعبير عن رؤيتها وحسها النسوي، ولكن إلى اليوم مازالت الملفات الاقتصادية والاجتماعية في قائمة أولويات رئيسة الحكومة دون أن نشهد تغييراً فعلياً عن عزم السلطات على خوض معركة فعلية لإنصاف النساء، في ظل القوى الوطنية والديمقراطية الفاعلة من منظمات وجمعيات نسوية تواصل نضالها في تحريك الأوضاع باتجاه الدفاع عن قضايا النساء وحقوقهن.

 

هل حان وقت مراجعة مجلة الأحوال الشخصية بما يتماشى مع وضعية النساء اليوم؟

نعم، بكل تأكيد مجلة الأحوال الشخصية لم تعد تستجيب للنساء التونسيات إذ صدرت في سياق تاريخي وكانت حقيقة نقلة نوعية لتكريس حقوق المرأة وبناء المجتمع على أسس سليمة، كما اعتبرت من أهم مكتسبات الحداثة التي تحققت في البلاد، ولكن نلاحظ اليوم في تونس نواقص عديدة يقع فيها استعمال ثغرات مجلة الأحوال الشخصية فيما يتعلق مثلاً برئاسة العائلة والمهر والولاية والمواريث والعادات، في حين تنامت ظاهرة العنف المسلّط على المرأة وانتشار الإفلات من العقاب، كما يتواصل العمل بالقوانين التمييزية التي تقصي النساء وتستبعدهن من التمتع بحقوق متساوية لذا تغبن عن مواقع القرار بالرغم من التطور الحاصل في نسبة التعليم، وبالتالي من الضروري القيام بمراجعة مجلة الأحوال الشخصية والعمل على تطويرها.

 

ما أسباب قلة فرص العمل المتاحة للنساء الحاصلات على الشهادات العليا في تونس؟

بالرغم من ترسانة القوانين ونجاح المرأة في كل المجالات بل وتفوقها في العديد منها غير أن التحدي الحقيقي يكمن في تنفيذ هذه الالتزامات وليس في صياغتها حيث يُبرز الواقع غياب الاعتراف بالنساء كما نلاحظ أن نسبة بطالة النساء مرتفعة وخاصّة لدى حاملات الشهادات العليا وهو ما يفسَّر غياب التربية المجتمعية القائمة على المساواة وتمكين المرأة من التمتع بالحق في العمل في ظروف لائقة وتطبيق العدالة بين النساء والرجال في الانتدابات لتفادي التمييز الجائر ضدهن، وهو ما يدعو إلى ضرورة مراجعة النصوص القانونية التمييزية التي تستثني النساء من الثروة والعمل اللائق والحصول على فرص الاستثمار والتمويل مع أهميّة العمل على نشر ثقافة المساواة عبر مراجعة البرامج التربوية، مما سيؤدي إلى شيوع ثقافة مجتمعية معززة لهذه الحقوق ومرسخة لصورة أفضل عن المرأة، وهي ثقافة تعيد برمجة تفكير الأجيال الجديدة ورؤيتها لنفسها وللآخر وتُمكن المرأة من إحداث التغيير في وسط الأسرة وفي المشهد الاجتماعي والثقافي عامة.

 

تعتبر العديد من النساء أن الدستور الجديد فيه مسّ بحقوقهن... ما رأيك بذلك؟

الأجندات السياسية من المفروض ألاّ تستثني حقوق النساء والمساواة التي تعد من الأولويات، تكريساً لقيم الكرامة والمواطنة والمساواة بين النساء والرجال في كل الحقوق والحريات سواء المدنية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، والواقع أن التونسية أثبتت جدارتها وانخراطها في قوى التغيير الحقيقية والفاعلة في مختلف المحطات التي مرت بها البلاد ونضالها من أجل المطالبة بالعيش الكريم وحماية الحقوق والحريات، وهذا الدور الريادي يستوجب الاعتراف به وتثمينه متى كانت الغاية هي بناء البلد بإرادة جماعية فتكون المرأة حاضرة في مواقع القرار تكريساً لرابطة المواطنة بين الجنسين دون تمييز على أساس المعتقد أو اللون أو الجنس.

 

ما رسالتك للنساء ونحن على أبواب الاحتفال باليوم الوطني للمرأة؟

رسالتي هي أن تواصل النضال ضد الثقافة والھیمنة الأبوية التي تكرس عقلية التمييز والوصاية وتشرّع للعنف وللاعتداءات الجسدية والمعنوية والجنسية والاقتصادية والسياسية في الفضاءين العام والخاص، وضرورة استكمال مسار المطالبة بالمساواة التامة في كل الحقوق والحريات ورفض الهيمنة بكل أشكالها ومقاومتها والدفاع عن الحريات والمساواة لأنه لا يمكن الحديث عن ديمقراطية سليمة في غياب الحقوق والحريات وضمان نفاذ النساء إلى مواقع القرار وتكافؤ الفرص.