غزة... القوانين لا تنصف النساء ولاتحمي حقوقهن
ناشطات حقوقيات تؤكدن على ضرورة تشكيل محاكم خاصة بالنساء تضمن لهن سرعة الوصول إلى حقوقهن دون مماطلة أو تسويف، وتغيير الصورة النمطية الرجعية التي تمنح الرخصة للرجل كي يمارس العنف ضد المرأة ويهمش دورها في المجتمع.
نغم كراجة
غزة ـ أًقرت العديد من القوانين والتشريعات التي تطالب بحماية النساء ومنحهن حقوقهن ومناهضة العنف الموجه ضدهن، لكنها لم تطبق فعلياً على أرض الواقع، فالمرأة في فلسطين لا تزال تواجه الكثير من أشكال التمييز كما أنها تتعرض للاضطهاد والاستغلال في المجتمع.
أكدت الباحثة والناشطة الحقوقية سامية الغصين أن المرأة الفلسطينية لا زالت تواجه الكثير من الصعوبات والمعوقات حتى تصل لقطاع العدالة والأمن والمساواة، كما أنها عالقة بسبب التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية.
وبينت أن الانتهاكات التي تقوم بها إسرائيل بحق النساء في فلسطين والتعدي على حقوقهن بما فيها حقهن في الحياة والاستقرار هي على رأس الصعوبات التي تواجههن، بالإضافة للانقسام الفلسطيني الذي يقف بشكل أو بأخر خلف تعطل العملية الانتخابية، وترى أن انتخاب مجلس تشريعي جديد يكون للمرأة فيه حضورها وتمثيلها الخاص بات أمراً ضرورياً فهو من المنابر التي يمكنها أن توفر قوانين وتشريعات تنصف المرأة وتوفر لها الحماية القانونية والإنسانية.
وأشارت إلى أن الانقسام الفلسطيني الذي ظهر بشكل جلي منذ قرابة العقدين، تدفع النساء في البلاد تبعياته وما يترتب عليه من عواقب وخيمة وتعطيل تشريع قوانين عادلة وتطبيق المقرر منها، كل ذلك سببه غياب دور المجلس التشريعي وكثرة التجاذبات السياسية التي تؤثر على المناخ العام وعدم إقرار جملة القوانين التي تحتاجها النساء والفتيات.
وأضافت أن تدهور الوضع الاقتصادي في قطاع غزة يضاف أيضاً لتلك الصعوبات، فهو من الأسباب الكامنة وراء ارتفاع معدلات البطالة بين صفوف النساء "انشغال المرأة في توفير مستلزمات عائلتها وتدبير شؤونها بسبب الفقر المدقع الذي تعيشه البلاد، منع وصولها إلى العدالة والمساواة".
وترى أن محاربة الفقر الذي يعاني منه القطاع سيكون أحد الحلول الفاعلة لوصول النساء إلى العدالة والأمن والمساواة وسيكون طريقاً لانخراطهن في المجالات العامة، كما يجب توفير رقابة قانونية تتمثل في متابعة الحد الأدنى من الأجور وحماية المرأة من المضايقات التي تعاني منها في سوق العمل منها التحرش والاستغلال.
ومن وجهة نظرها تجد أن الذهنية الذكورية المهيمنة على كافة المواقع خاصة مراكز صنع القرار، هي نفسها الذهنية التي لا تثق بقدرات النساء كما وتمنعهن من الوصول إلى العدالة والاندماج في الشؤون العامة "الثقافة المجتمعية السائدة التي تتعامل مع المرأة على أنها ناقصة وغير قادرة على تحمل أعباء العمل السياسي واتخاذ القرار الصائب، تفرض عليها وصاية وتحرمها من الوصول إلى حقوقها والتمتع بها".
وتطرقت إلى العراقيل القانونية التي تواجه المرأة الفلسطينية في طريقها لتحقيق العدالة منها المنظومة التشريعية المنفصلة بسبب العوامل التاريخية بالإضافة لوجود قوانين أقرتها الأردن ومصر يتم تطبيقها في الضفة الغربية والقطاع "الانقسام التشريعي يؤثر سلباً على وضع المرأة فالقوانين المطبقة اليوم لا تضمن لها الحماية القانونية التي ترجوها كما أنها تعرقل وصولها إلى حقوقها المشروعة مثل حقها في حضانة أبنائها".
وشددت على ضرورة توحيد المنظومة الفلسطينية ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة وتحديث القوانين والتشريعات السائدة المتعلقة بحقوق النساء سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وأكدت سامية الغصين أن النساء لم تحظين بمرجع قانوني يحميهن من العنف ويسترد حقوقهن المسلوبة، على الرغم من انضمام فلسطين إلى اتفاقية سيداو للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي شددت مادتها الثانية على ضرورة فرض حماية قانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل، وضمان الحماية الفعالة للمرأة، عن طريق المحاكم ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى في البلد، من أي عمل تمييزي.
ولفتت إلى أن القوانين المشرعة التي تصب في مصلحة المرأة لا يتم تطبيقها على أرض الواقع، فعلى الصعيد الاقتصادي مثلاً جميع المواد القانونية المتعلقة بالشركات والاستثمار وريادة الأعمال لا تراعي البعد الجندري كما أنها تحرم النساء من التمتع بالحقوق الاقتصادية نتيجة الثقافة النمطية السائدة وتأثيرها السلبي الذي يحرمهن من المشاركة الفعالة والمؤثرة.
أما على الصعيد السياسي فالأمر يتعلق بالانتخابات العامة والمحلية والتي يتم من خلالها تحديد نسبة معينة لتمثيل المرأة في الانتخابات التشريعية وفق ترتيب محدد لا يتجاوز 26% من إجمالي الأصوات و20% في الانتخابات المحلية والمجلس القروي، وهذه القانون من أكثر القوانين المشرعة التي تؤثر على الحقوق السياسية للنساء في البلاد "تأمل المرأة الفلسطينية في الوصول إلى نسبة أعلى من المقرة في قانون الانتخاب العام".
وأكدت أن المؤسسات النسوية تلعب دوراً هاماً في الضغط على الجهات المعنية لتعديل وإقرار قوانين تتلاءم مع اتفاقية سيداو "لا زالت المؤسسات النسوية تطالب بإقرار قانون حماية الأسرة من العنف، لكن الإرادة السياسية غائبة أمام هذا القانون، بالرغم من الحملات الكثيرة والفعاليات التي قامت بها المؤسسات النسوية والمستمرة حتى الآن".
وفي ختام حديثها نوهت إلى أن التقدم المحرز على صعيد القوانين التي توفر حماية كاملة وقانونية للنساء والفتيات الفلسطينيات ضئيل جداً، على الرغم من كل الجهود التي تبذلها الجهات والمؤسسات والناشطات النسوية.
وفي السياق ذاته ترى الناشطة الحقوقية رندا قدادة أن حضارة المجتمع وتمدنه تقاس بمدى اهتمامه بالمرأة "تحتاج المرأة الفلسطينية إلى الكثير من التدخلات والتعديلات بهدف تحسين الظروف المعيشية والحياتية والسياسية والاقتصادية والقانونية".
وأشارت أن المرأة في فلسطين تعاني كثيراً على الصعيد القانوني، حيث توجد فجوة كبيرة بين ما أقرته القوانين وماهية تطبيقها على أرض الواقع سواء بما يتعلق بتقلد مناصب صنع القرار أو نسبة الأجور بين العاملين أو في أي اتجاه آخر من الناحية القانونية "على الرغم من أن القانون كفل لها على قدم المساواة تولي المناصب العليا في الهيئات المحلية، إلا أن هنالك حرمان كبير تتعرض له المرأة بحجة عدم كفاءتها، ومع ذلك أرى أن المرأة الفلسطينية أثبتت قدرتها على القيام بمهام كان الرجال يهيمنون عليها في الدولة".
وأضافت أنه عند إجراء الانتخابات العامة في فلسطين عام 1996 لم تكن نسبة مشاركة المرأة تتناسب مع العدد الإجمالي للنساء في البلاد، مما دفع المجلس المركزي إلى وضع كوتا نسوية تمنح المرأة حق المشاركة في هياكل الدولة بنسبة 30% سنة 2015، كما أنه أكد على هذه النسبة عام 2018 لكن لا يوجد تطبيق فعلي لما تم إقراره.
وترى رندا قدادة أن الكثير من التحديات والصعوبات التي تعيق وصول المرأة الفلسطينية إلى مراكز صنع القرار منها الحصار الخانق التي تطبقه إسرائيل على الكثير من مدن البلاد وهو الأمر الذي يلقي بظلاله على كاهل المرأة الفلسطينية ويحرمها من غالبية حقوقها وعلى رأسها حرية التنقل والسفر والعلاج، إلى جانب ذلك الاعتماد على منظومة من القوتين المجحفة المطبقة في قطاع غزة والضفة الغربية، ولفتت أن الانقسام السياسي لعب دوره أيضاً في إقصاء مشاركتها وتفاعلها مع بقية فئات المجتمع.
وأوضحت أن القانون على الصعيد العام لا ينصف النساء بكافة الفئات حيث تحرم الكثير من حق المشاركة السياسية والحق في الضمان الاجتماعي والتقديم على وظائف العمل "بالفعل هناك قوانين تحمي المرأة لكنها مقرة وليست مفعلة ومطبقة كما هو المفترض وهنا تكمن الفجوة الحقيقية".
وتجد أن المعيق الأساسي هو عدم وجود مجلس تشريعي يقوم بتعديل المواد القانونية التي تظلم المرأة، مشددةً على ضرورة سن قوانين منصفة وجديدة بما تتلائم مع أوضاع النساء وشاملة كافة الفئات وتكفل التنمية المستدامة لهن.