في ظل الصراعات والانتهاكات هل يمكن تشكيل تحالف نسوي عابر للحدود؟

يعاني العالم من الصراعات والنزاعات المسلحة، بل والحروب التي باتت تلتهم مختلف الآمال الحالمة بغد أفضل، وهو ما يطرح أهمية التضامن النسوي العابر للحدود، خاصةً أن النساء في مقدمة الفئات المنهكة من كل ذلك.

أسماء فتحي

القاهرة ـ "للقوة أنياب، والوحدة نجاة والتكاتف يؤثر، والاتحاد قوة" كلمات دائماً ما يرددها المجتمع ولكن لم يكن هناك نموذج حقيقي استمر لتلك الأفكار، ويرسخ مدى القدرة على التمسك بها حينما تهبط الأفكار لحيز التنفيذ على أرض الواقع.

أن الأفكار النسوية جانب منها معني بالتضامن النسوي الكاسر لكل الحواجز والحدود، كونه يعتمد على الدعم والتضامن الغير مشروط، وهو ما جعل التفكير في إمكانية تشكيل تحالف نسوي أمر يتماشى مع حجم المعاناة التي تتكبدها النساء حول العالم جراء الكوارث الكبرى ومنها النزاعات والحروب المنتشرة في عدة دول.

ولكون النساء في طليعة الفئات المتضررة من الكوارث والنكبات، ففكرة تكاتفهن بحاجة لتبادل الدعم والخبرة في التعامل مع هذا الواقع، وهو ما جعل البعض منهن تتسألن حول إمكانية تحقيق تحالف نسوي عابر للحدود، وما إن كانت الضغوطات القائمة والحروب تحفز ذلك أم أن وجودها قد يكون له المردود العكسي.

 

الحركة النسوية قائمة على فكرة التضامن مع جميع النساء بمختلف التقاطعات

قالت رئيسة مجلس أمناء مؤسسة النون لرعاية الأسرة منى عزت، إن الحركة النسوية قائمة على فكرة التضامن مع جميع النساء بمختلف تقاطعاتهن، وعادة ما تطرح على أجندتها فكرة التحالف النسوي العابر للحدود لأجل القضايا التي تأن منها المرأة وتحتاج فيها لهذا النوع من التكاتف والدعم.

وأوضحت أن ما يحدث من انتهاكات في دول الجوار أعاد بقوة فتح هذا التساؤل رغم وجوده التاريخي، ولعوامل عدة لم يتم تحقيق التضامن بشكل مؤسسي ومنتظم الذي يخلق زخم للحراك النسوي، ومنها السياق العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي في كل العالم بجانب الأوضاع الخاصة، لافتةً إلى أنه على مستوى العالم هناك قبول لكون النسويات اللواتي تدركن قيمة الحراك الأممي على مستوى العالم وأغلب النسويات لديهن تجارب في هذا الصدد فعلى سبيل المثال في الحركة النسوية منذ مطلع الألفينات، انخرطت النساء في العديد من الشبكات والتحالفات المهتمة بقضاياهن وهناك خبرات على المستوى العربي أو المحلي في هذا الشأن.

 

للقضايا المطروحة دور كبير في التحالف

وأكدت أن القضايا ذاتها لها دور في الحراك النسوي، وبحسب الموضوع تحدث التحالفات أو الشبكات الدولية وأن العنف الواقع على النساء على سبيل المثال واحد منها وكذلك أشكال التمييز الذي يحدث بتنويعاته في دول عدة، مضيفة أن وصول النساء لمراكز صنع القرار السياسي والاقتصادي به إشكاليات على مستوى العالم فهناك دول حصلت على خطوات متقدمة أكثر من أخرى لكن هناك تقاطعات قائمة بالفعل.

واعتبرت أن القضايا التي تعاني منها النساء في مختلف دول العالم كان يخلق فرص للعمل المشترك والانضمام في تحالفات وشبكات من أجل القضايا المختلفة، مشيرةً إلى أن هناك تجارب تاريخية عدة، إلا أنها لعدة ظروف لم تستمر على النحو المؤثر والمأمول من النسويات.

 

رغم المناخ المحفز هناك أسباب للتشتت

وكشفت أن ما جرى في الدول المختلفة كغزة والسودان واليمن وغيرها من ممارسات العنف المتعدد والمضاعف وما تعرضت له النساء بسبب الحروب والنزاعات خلق مساحات واسعة من التضامن على مستوى الشعوب سواء كانت في التحركات الطلابية أو بمنظمات المجتمع الدولي ووضح بها البعد الجندري.

وأشارت إلى أن حالة القمع التي تحدث وما تبعها من سقوط للأقنعة المنحازة للمحتلين والضرب بالمعاهدات الدولية والقيم الحقوقية عرض الحائط، بل والتضييق على الحراك الداعم للقضايا على مستوى العالم، موضحةً أن تلك الحالة تحدث ربكة فكرية فهناك أحداث تتطلب تضامن بأدوات متعددة لمساندة الشعوب وفي نفس الوقت يحدث تراجع من المؤسسات الدولية، وهو ما يطرح أفكار أخرى حول إعادة هيكلة الأمم المتحدة، وخروج خطابات محافظة تتحدث عن كشف زيف المعايير والاتفاقيات الدولية في تبنيها لمبادئ حقوق الإنسان وهو أمر قد يتطور ويخلق حالة من التشتت.

وبينت أن الحالة القائمة تفتح عدد من الملفات التي تتطلب العمل عليها مما يخلق حالة من التشتت، معتبرةً أنه رغم أن الحروب والنزاعات خلقت درجات عالية من التضامن، إلا أن الخطابات القائمة من الحكومات والاتجاهات اليمينية تعيد المشهد للخلف، وتاريخياً ذلك ما يعرقل نمو الحركة بالصورة المرجوة من التضامن المؤسسي الدائم والمستمر.

ونوهت إلى أن حالة "me to" يمكنها أن تصبح مثال، لأنها خلقت حالة عالمية حول المجهولية والعدالة التصالحية، وخلقت قضية مركزية في مختلف أنحاء العالم بمساحات عامة من التضامن ولكنها كانت موجة لكونها تأخذ وضع الصعود والهبوط.

 

التضامن النسوي يؤثر على المجتمع الدولي ويمكنه التغيير في قراراته

وأوضحت أن وجود حراك منظم له أجندة وآليات تضامنه متعددة وبأهداف محددة يعمل عليها الجميع في نفس الوقت جميعها أمور تخلق حالة من الزخم ومحفزة للنساء على الانضمام للحركة والإعلان عن مطالبهن واحتياجاتهن، مضيفةً أن التحالف يمكنه خلق رأي عام دولي حول القضية، والوصول بالمطالب للجميع لأنه سيكون له وزن ومسموع، وبالتالي مخاطبة الجهات الدولية بتوقيعات كبيرة يصبح له تأثير خاصةً إن كان هناك أشكال أخرى من الدعم تتم على المستوى القطري أو الوطني.

ولفتت إلى أن التحالف يضمن التأثر وخلق البيئة الداعمة الآمنة التي تحمس وتشجع النساء على طرح قضاياهن في ظل حالة الزخم والدعم والمساندة التي يخلقها العمل الجماعي، خاصةً إن كان منظم والقائمين عليه مؤمنين بالتكامل وليست التنافسية ومن ثم يخلق التأثير وردود الفعل الأكثر تأثيراً.

 

 

تطور التكنولوجيا خلق مساحات تقارب أوسع

ومن جانبها أكدت سكرتيرة اتحاد المرأة الفلسطينية فرع القاهرة سارة عمر، إن هناك إمكانية لوجود تحالف نسوي حالي لكون المساحات باتت أقرب نتيجة وجود وسائل التواصل الاجتماعي التي ذللت كل الحدود والقيود وخلقت مناخ يمكن من خلاله التواصل بشكل أسرع وأبسط، معتبرةً أن المناخ الحالي أيضا بات مواتيا لروح التضامن لأن هناك حروب ونزاعات وصراعات يعاني منها الجميع في تجارب متقاربة إلى حد كبير سواء على مستوى التعقيدات المحلية وتدني الأوضاع الاقتصادية والسياسية أو بالتأثر بما يحدث من حروب ونزاعات في دول الجوار.

وبينت أن الوقت الحالي هو الأنسب في خلق هذا التحالف لما له من دور في تعزيز قدرة النساء على نيل حقوقهن، وإيصال الدعم اللازم سواء كان نفسي أو مادي، مؤكدة أن الواقع الحالي وما يحدث في سوريا وفلسطين والسودان وواقع النساء الذي جعلهن عرضة لمختلف أنواع العنف يعزز التكاتف بين النساء، معتبرةً أن التوثيق واحد من آليات التواصل العابر للحدود ووجود التكاتف والتضامن النسوي يؤثر بالتبعية في سير القضايا خاصة ما يتعلق منها بالقضايا المشتركة.

وقالت "كنت في مؤتمر دولي ورأيت كيف روت كل امرأة قصتها وتضامن معها الحضور وكأنهن تروين قصة واحدة وكان حجم الدعم كبير، وكذلك الأفكار التي تم تداولها من واقع التجارب والخبرات وكيف أثرت فيهن مما جعلني أشعر بأهمية تلك اللقاءات والتشبيكات العابرة للحدود وكأنها طوق نجاة حقيقي في ظل الأزمات الحالية".