في سابقة من نوعها... القضاء المغربي يسجن شخصين بتهمة "التعذيب النفسي" ضد المرأة
في سابقة من نوعها في المغرب، وبعد ثلاثة أشهر من المحاكمة، أدانت المحكمة الابتدائية لمدينة فاس، بداية هذا الأسبوع شخصين بالسجن والغرامة، لتورطهما في التعنيف النفسي بحق فتاة
حنان حارت
المغرب ـ .
منذ عام 2018 دخل قانون محاربة العنف ضد النساء والذي يشمل العنف النفسي بجميع أنواعه حيز التنفيذ إلا أن أول قضية تحكم فيها المحكمة لصالح فتاة تعرضت للعنف النفسي كانت منذ أيام.
تعود أطوار القضية إلى 27 تشرين الأول/أكتوبر 2020؛ حينما كان مجموعة من الشباب يحتفلون بعيد ميلاد صديقة لهم في أحد مقاهي فاس، وبعد انتهاء الحفل في وقت متأخر من الليل، اقترح أحد الأشخاص على صديقته إيصالها إلى منزلها على متن دراجته النارية، فوافقت على ذلك، إلا أن صديقاً آخر اقترح عليهما مرافقتهما ورغم مفاجأة الفتاة، إلا أنها لم تبد أي اعتراض، وعند وصولهم إلى الحي الذي تسكن فيه الشابة، تفاجأت بالشابين، وهما يمنعانها من النزول، إضافة إلى إرغامها على مرافقتهما إلى مكان آخر قصد إتمام السهرة.
وأمام تخوفها من التعرض للضرب والجرح، خاصة وأن الأول كان بحوزته سلاح أبيض وفي حالة سكر انصاعت لرغبتهما، وبعد مرورهم من أمام إحدى دوريات الشرطة، بدأت الفتاة تستنجد بالأمن لإنقاذها.
هذا وانتبه رجال الأمن إلى حالة الفتاة ما جعلهم يلحقون بهم، وتمت بذلك محاصرتهم وهم على متن الدراجة النارية وإلقاء القبض عليهم.
وتابعت النيابة العامة المتهم الأول (ر. ع) بتهمة السكر العلني البين وحيازة السلاح والعنف النفسي في حق امرأة عن طريق الإكراه بغرض المس بحريتها وتخويفها، في حين تابعت المحكمة المتهم الثاني (ف. ج) من أجل العنف النفسي فقط.
وخلال المحاكمة التي أجريت عن بعد في ظل الطوارئ الصحية، التي يعرفها المغرب بسبب وباء كورونا، استمعت المحكمة للمتهمين اللذين أنكرا المنسوب إليهما، فيما تغيبت الفتاة عن الحضور.
ومن جهته حاول الدفاع التماس البراءة لموكليه، مشيراً إلى أن الملف يخلو من جنحة العنف طبقا للفصلين 400 و404 من القانون الجنائي، في إشارة منه لتخلف المشتكية (م. ب) عن الحضور وعدم إدلائها بأي شهادة طبية للمحكمة تثبت مدى العجز الذي تعاني منه.
وطالب دفاع المتهمين بإعادة تكييف الفعل من جنحة عنف إلى محاولة عنف وإيذاء، ملتمسا البراءة للمتهمين لأن القانون الجنائي المغربي يشترط لقيام جريمة المحاولة وجود نص خاص عندما يتعلق الأمر بجنح العنف والإيذاء، وهو ما لا يتوفر في هذه الواقعة.
وبناء على ما سبق، قضت المحكمة بمؤاخذة المتهمين من أجل المنسوب إليهما والحكم على الأول (ر. ع) بالسجن النافذ لمدة خمسة أشهر وغرامة نافذة قدرها 1000 درهم/ تقريبا 111 دولار، فيما حكم على الثاني (ف. ج) بالحبس النافذ لمدة ثلاثة أشهر، وغرامة نافذة قدرها 1000 درهم أيضاً.
ويعتبر هذا الحكم سابقة من نوعه في المغرب، بحيث أنه ولأول مرة تتم متابعة متهم من أجل جنحة العنف النفسي، في وقت تتركز فيه جهود أجهزة القضاء على ملاحقة مرتكبي أفعال العنف الجسدي والجنسي والاقتصادي على وجه الخصوص.
ومن جهتها أشادت الحقوقية عضو الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب خديجة الرباح، بقرار المحكمة الذي يعتبر الأول من نوعه في البلاد، مشيرة إلى أن هذه المسألة يجب التنويه بها، والإشادة بمجهودات القضاء المغربي بخصوص تجريم العنف النفسي وإدانة مقترفيه بالسجن.
وأضافت خديجة الرباح في تصريح لوكالتنا وكالة أنباء المرأة (NUJINHA) أن العنف النفسي نادراً ما تسلك فيه المرأة هذه المسلك أو تبادر بتقديم شكاية للسلطات بشأن ذلك، وهو ما يجعل الرجل يمارس هذا الفعل في حق المرأة.
وحثت النساء لكسر حاجز الصمت في حال تعرضهنَّ إلى العنف النفسي ما دام القانون المغربي يجرم ذلك، وبالتالي وضع حد لكل أنواع العنف والحيف الذي تتعرض له المرأة في المجتمع المغربي.
ودخل قانون محاربة العنف ضد النساء في المغرب حيز التنفيذ سنة 2018، ويحدد القانون رقم 103.13 العنف النفسي بكونه كل اعتداء لفظي أو إكراه أو تهديد أو إهمال أو حرمان، سواء كان بغرض المس بكرامة المرأة وحريتها وطمأنينتها أو بغرض تخويفها أو ترهيبها.
وبحسب فيدرالية رابطة النساء، في آخر إحصاءاتها المتعلقة بالعنف الممارس اتجاه المرأة المغربية، فقد شكل العنف النفسي أعلى نسبة بـ 48,2 في المائة، يليه العنف الاقتصادي بنسبة 33 في المائة، ثم العنف الجسدي الذي تجاوز نسبة 12 في المائة، ناهيك عن حالات العنف الجنسي.