فرص وتحديات التمكين الاقتصادي في الإسماعيلية

التمكين الاقتصادي للنساء أول الخطوات نحو إنقاذهن من الانتهاكات المجتمعية، فأغلب الحالات التي تقبل الخضوع للاعتداءات المتكررة من عنف وتعدي، تعاني من فقر قد يضطرها لقبول بعض الأفعال الغير إنسانية.

أسماء فتحي

القاهرة ـ أزمة التمكين الاقتصادي للنساء متفرعة حيث أن أغلب العاملين عليه لم يحققوا معادلة الاستدامة كاملة، فأغلب المشاريع المقامة لهذا الغرض سواء من مؤسسات الحكومة المعنية أو المجتمع المدني، تحتاج لجهد أكبر مشمول بدعم متواصل للنساء من خلال الإشراف والمتابعة المرحلية للتأكد من عدم التوقف وحجم التطور ونقاط الضعف.

"لا أقبل تلك الحياة المهينة ولكني أحرص على إيجاد المعيل لأطفالي، فلن أستطيع الإنفاق على تعليمهم الذي يعد أهم لدي من حياتي ذاتها" عبارة لا تعبر عن مأساة سلوى عادل البالغة من العمر 40 عاماً، التي التقيناها بمحافظة الإسماعيلية وحدها ولكنها تكاد تكون العنوان الرئيسي لحياة عدد ليس بالقليل من الأسر خاصة تلك التي تقبع في قبضة العادات والتقاليد والمرجعية الثقافية الأبوية السلطوية.

وترى سلوى عادل، أنه لا يمكننا الحديث معها عن رفض ما تعانيه على يد زوجها من عنف يصل لحد الضرب المبرح الذي قد لا تستطيع معه الوقوف على قدميها، قبل توفير نفقات تعليم أطفالها، مشيرةً إلى أنها أم لأربعة أطفال أجبرت على إنجابهم سريعاً في مراحل تعليم مختلفة الصغير منهم في مرحلته الابتدائية ولا يمكنها بشهادتها الابتدائية أن توفر لهم تلك الحياة التي ينعمون بها على يد أبيهم تاجر الخضروات والفاكهة.

وأوضحت "كنت صغيرة ولكني لا أستطيع أن أنسى معاناة أمي التي عادة ما كان حوارها مع أبي لا يخلو من الاعتداء عليها وكنت أراها تبكي في أحد أركان غرفتها وظلت كذلك حتى اليوم من أجلنا، أما أبي فقد حطمه الاحتياج وجعله يستدين من أصدقائه بل وبعض التجار ومنهم زوجي الذي يكبرني بنحو 15 عام ولم يجد مخرج لأزمته إلا بتزويجي منه".

وأشارت إلى إنها "تعلمت من بعض الصديقات طرق إعداد الأعمال اليدوية بل والتفصيل أيضاً سراً وأبلغت زوجي أنني أرغب في شراء ماكينة خياطة فمنعني عن التفكير في الأمر، أعلم جيداً أنه لن يسمح لي بأي عمل يدعمني مالياً لأنه يثق أني بمجرد توافر المال لدي سأتركه بجحيمه وأرحل بأطفالي".

 

أزمات نفسية للنساء وأسرية سببها الوقوع في قبضة ضعف الدخول والأزمات الاقتصادية

قالت اخصائية الصحة النفسية سلمى النادي، والرئيس التنفيذي لمركز "flow" للاستشارات النفسية والأسرية والتربوية، أنها التقت بعدد من الحالات التي يعد الأصل في أزمتها اقتصادياً، بالأساس أثر سلباً على قبول النساء للاستمرار في تكوين الأسرة بل ووقوع البعض في حالة التناقض بين رفض الحياة المبنية على التعنيف وعدم القدرة على الإنفاق وضمان حياة أفضل للأطفال وهو الأمر الذي ينتج عنه تشوه ملحوظ في السلوك والأداء، خاصة في ردة الفعل تجاه الأطفال وممارسة العنف عليهم.

وأكدت أن الكثير من الأسر داخل محافظة الإسماعيلية تعاني من أزمات متعددة الأبعاد ولكن السبب الرئيسي الطاغي، يرجع للضغوط الاقتصادية ونقص الدخول، مما جعل عدد ليس بالقليل من النساء تبحثن عن المهارات التي يمتلكنها والاستفادة منها في محاولة لتحسن أوضاعهن الاقتصادية.

وأشارت إلى إن الأسرة المصرية تمر بعدد من المراحل في تأثرها بالأوضاع الاقتصادية منها اختيار شريك الحياة في البداية، وهو أمر يرتبط بقدرته على "فتح بيت" من عدمه وفي تلك المرحلة قد يترك الشباب من يحبون لوجود ذلك المعوق أو تقبل الفتاة بآخر من أجل ارتفاع دخله المالي على غير رضاها، لذلك فعدد ليس بالقليل يتضررون من عدم القدرة على اختيار الشريك دون التأثر بالضغوطات الاقتصادية، والمرحلة الثانية تحصل فيما بعد الزواج وقلة الدخول وهو ما يتبعه ارتفاع في معدل الأزمات واللجوء للهروب من الواقع والتعامل بعدائية بل ويفتح الباب لتدخلات الأهل خاصة إذا كانوا ينفقون على الأسرة الناشئة وبالتالي تنتهك الخصوصية ولا تحترم الحدود والمساحات.

 

الخلاص من الأزمة يبدأ بتمكين المرأة اقتصادياً

قد لا تمتلك القاعدة الكبيرة من النساء شهادة جامعية تؤهلها لسوق العمل إلا أن الكثيرات منهن خلقن بمجموعة من المهارات والاهتمامات سواء كانت حرفة يدوية أو مشروع يعتمد على أفكار استثمارية صغيرة لأن عدد ليس بالقليل، تملكن فطرياً مهارات إدارية وبعضهن تستطعن تطويرها على النحو المثالي.

وأوضحت أنها التقت بالعديد من النساء اللواتي اتجهن لتنفيذ مشاريعهن الخاصة، فكل من لديها موهبة عملت على تنميتها سواء كانت ابنة أو زوجة، لافتة إلى إن وجود دعم للمشاريع من مؤسسات حكومية معنية وكذلك المجتمع المدني يساهم في تنفيذها فعلياً على أرض الواقع.

وأكدت سلمى النادي أن الكثير من المؤسسات على درجة من الوعي بأهمية تنمية الجانب الاقتصادي وأنها تعاونت مع المجلس القومي للمرأة في تقديم دورات ريادة أعمال لنساء المحافظة، لافتةً إلى أن هناك مشاريع تتبع وزارة الشباب والرياضة وجهاز تنمية المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر تستهدف تعليم النساء مهن وتدريبهن لتحويلهن لأسر منتجة، بل والتسويق لهن أيضاً.

 

"نفذت مشروعي من الصفر والآن ينمو وأتحقق بنجاحه"

قالت سلمى النادي، أنها أيضاً كانت تملك مشروع عملت على تنفيذه تمثل في إنشاء مركز الإرشاد النفسي والأسري والتربوي وهو أمر غير معروف في المحافظة، لأن المعرف فقط كان الطب النفسي الذي يصرف للمرضى أدوية وما دون ذلك لم يكن هناك من يعلم عنه شيئاً بل يتم التحذير منه.

وأوضحت "كنت أتعاون مع مجموعة كبيرة من المؤسسات منها وزارة التضامن والمجلس القومي للمرأة ووزارة الشباب والرياضة وغيرها، من الجهات التي كنت أقدم بها الورش وبعد كل تدريب تنهال علي التساؤلات التي تحتاج اللجوء لمتخصص للعمل عليها ومن هنا أتت فكرة إنشاء المركز الذي يتحدث فيه كل شخص منفصلاً عن أزمته".

وعن العوائق التي صادفتها، قالت إنه جاء في مقدمتها اختيارها لنشاط جديد لافتة إلى أنها بحثت كثيراً واستعانت بأشخاص لإصدار الأوراق والتراخيص، ثم جاء العمل على الدعاية وتلا ذلك وجود الأموال لإقامة المشروع وتأسيسه.

وأكدت أنها طورت من مهاراتها وأدواتها كي يتسنى لها التعامل مع الأزمات المختلفة ورفعت معدل مهاراتها كدراسة ريادة الأعمال والمحاسبة والتسويق، لأنها لا تملك القدرة على التوظيف فباتت تقوم بكل المهام مع اللجوء لمتطوعين وتطور الأمر وباتت قادرة على التوظيف بعد ثلاثة أعوام من العمل الدؤوب.

وأوضحت إن "كل امرأة عليها تطوير مهاراتها لأن واحدة فقط لا تمكنها من النجاح ولكنها قد تكون البداية، فقد صادفت امرأة لا تجيد سوى طهي المحاشي وبدأت مشروعها من غرفة واحدة لتقديم مهارتها للنساء العاملات ومن هنا تطور الأمر وأصبح معها 15 فتاة تعملن في مشروع"، مشيرةً إلى ضرورة العمل على تطوير الأدوات المساعدة في المشروع وتعلم التفاصيل التي قد يتم استخدامها للاستمرار في العمل إن لم يكن هناك قدرة على شراء تلك المهارات من خلال التوظيف، فضلاً عن البحث عن الجهات المانحة التي يمكنها أن تساعد سواء في الاسماعيلية أو القاهرة.