ضحايا الاختفاء القسري... مصير مجهول

"ليسوا موتى ولا أحياء"، المختفون قسرياً في شتى أنحاء العالم، لا يُسمع صوتهم أو ترى صورهم، ولا يعرف مصيرهم، وفي الـ 30آب/أغسطس من كل عام يتذكر العالم هؤلاء الأشخاص الذين انتهكت حقوقهم، مطالبين بمعرفة ماذا حل بهم سواء أكانوا أبنائهم أو أقاربهم أو ذويهم

غدير العباس
مركز الأخبار ـ .
 
الاختفاء القسري
لم يعد الاختفاء القسري حكراً على منطقة معينة في العالم، بل أصبحت مشكلة عالمية، فبعد أن كان نتاج دكتاتوريات عسكرية، بات اليوم نتيجة لنزاع داخلي أو خلاف سياسي أو حتى لتحقيق أهداف معنية، فممارسات الاختفاء القسري تنتشر في الكثير من دول العالم، خاصة غير الديمقراطية منها، وتستخدم كوسيلة لترويع المعارضين.
فالاختفاء القسري هو احتجاز أو اختطاف أو أي عمل يحرم الإنسان من حريته، على يد جهة تابعة لسلطة ما أو أشخاص يتصرفون بدعمها أو إذنها، ولا تعترف تلك الجهة بحرمان المختفي أو المختطف من حريته، بل تنكر معرفة مصيره ومكان وجوده حتى.
ويعرف بحسب الإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 47/133 في 18كانون الأول/ديسمبر 1992، إن "الاختفاء القسري يحدث عندما يتم القبض على الأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم رغماً عنهم أو حرمانهم من حريتهم على أي نحو آخر على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها أو على أيدي مجموعة منظمة، أو أفراد عاديين يعملون باسم الحكومة أو بدعم منها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو برضاها أو بقبولها، ثم رفض الكشف عن مصير الأشخاص المعنيين أو عن أماكن وجودهم أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم، مما يجرد هؤلاء الأشخاص من حماية القانون".
ويستخدم هذا الأسلوب لبث الرعب داخل المجتمعات، فالشعور بغياب الأمن الناتج عن هذه الممارسة لا يقتصر على أقارب المختفين فقط، بل يصيب محيطهم الاجتماعي والمجتمع ككل.
ونص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي دخل حيز التنفيذ في 1تموز/يوليو 2002 والاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، التي اعتمدتها الجمعية العامة في 20 كانون الأول/ديسمبر 2006، على أن الاختفاء القسري يوصف بجريمة ضد الإنسانية عندما يرتكب ضمن هجوم واسع النطاق أو منهجي على أي مجموعة من السكان المدنيين، ولا يخضع بالتالي لقانون التقادم، وفضلاً عن ذلك، فإن لأسر الضحايا الحق في طلب التعويض والمطالبة بمعرفة الحقيقة في ما يتصل باختفاء أبنائهم.
وتعبيراً عن قلق الأمم المتحدة العميق عن زيادة حالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي في مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك الاعتقال والاحتجاز والاختطاف، وتزايد عدد التقارير المتعلقة بالمضايقة وسوء المعاملة وترهيب أقارب الأشخاص المختفين، تحيي في 30 آب/أغسطس من كل عام، اليوم العالمي للاختفاء القسري، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرراها 65/209 في كانون الأول/ديسمبر 2010، واحتفل به لأول مرة في عام 2011.
يهدف هذا اليوم إلى تسليط الضوء على معاناة الضحايا، وممارسة الضغوط على الحكومات المتهمة بممارسة هذا السلوك الخارج عن القانون، وكذلك محاولة إيجاد وسائل لمساعدة الضحايا وأسرهم.
 
الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري
أنشأت لجنة حقوق الإنسان فريقاً مفتوح العضوية ما بين الدورات لصياغة مسودة وثيقة منظمة ملزمة قانونياً لحماية كافة الأشخاص من الاختفاء القسري عام 2001، وذلك عقب القرار الذي أعلنت عنه الجمعية العامة عام 1992، والذي تضمن إعلان 21 مادة عن الاختفاء القسري، وقرارها لعام 1978 الذي يطلب تقديماً للتوصيات. 
وبعد خمس سنوات من العمل على مسودة الوثيقة، أنهت المجموعة عملها على صياغة الاتفاقية ليعتمد مجلس حقوق الإنسان المشروع في الـ 29 من حزيران/يونيو عام 2006.
وفي نفس العام اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، وهي وثيقة دولية، هدفها منع الاختفاء القسري المحدد والكشف عن الحقيقة والحرص على تحقيق العدالة للضحايا والناجين وعائلاتهم، فضلاً عن معاقبة المسؤولين ومنح الضحايا التعويضات المناسبة.
دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ عام 2010 أي بعد أكثر من ثلاث سنوات من فتح باب التوقيع عليها، وبحلول عام 2019 وقعت 98 دولة على الاتفاقية، 61 منها فقط صادقت عليها، العديد من الدول تأخرت حتى وقعت وصادقت عليها، من بينها إسبانيا وإيطاليا وألمانيا وهولندا، ومن بين الدول التي لم توقع على الاتفاقية حتى الآن الولايات المتحدة التي بررت الأمر بأن الاتفاقية "لم تلبِ توقعاتها".
وإلى جانب الاتفاقية أسس عام 2007، التحالف الدولي لمكافحة عمليات الاختفاء القسري "ICAED"، الذي يعتبر بمثابة شبكة عالمية تحتوي على منظمات من أسر المختفين قسرياً ومنظمات غير حكومية معنية بحملات غير عنيفة ضد الاختفاء القسري على المستوى المحلي والوطني والدولي.
وجاء تأسيس التحالف كثمرة لكفاح استمر لأكثر من 25 عاماً من العمل مع أسر المختفين والمدافعين عن حقوق الإنسان من أجل إحداث صك دولي ملزم قانوناً ضد حالات الاختفاء القسري، بهدف الحصول على التصديق المبكر والتنفيذ الفعال للاتفاقية الدولية لحماية كافة الأشخاص من الاختفاء القسري.
 
الآثار الناجمة عن الاختفاء القسري
معظم ضحايا الاختفاء القسري يتعرضون لجميع أشكال التعذيب، وبحسب الأمم المتحدة فإن الاختفاء القسري لا يسلب حرية ضحاياه فحسب بل يزج بهم في أقبية احتجاز سرية، وغالباً ما يعيشون في خوف دائم من المصير المجهول الذي ينتظرهم والذي غالباً ما يفتك بحياتهم، كما ويدركون أن أسرهم لا تعرف شيئاً عما حل بهم، وأن فرص مد يد العون لهم شبه مستحيلة.
تظل الآثار النفسية والجسدية والتي تعد نوعاً من أنواع التعذيب، تلاحق الضحايا في حال أخلي سبيلهم في نهاية المطاف، طيلة ما تبقى من عمرهم.
وتجهل العديد من الأسر مصير أقاربها المختفين قسرياً حول العالم، يترقبون في حيرة وصول معلومات عنهم قد لا تأتي أبداً هذا بالنسبة للمعاناة النفسية، ولكن يجب ألا ننسى أن العواقب المادية أيضاً تزيد من معاناتهم، إذ أن الشخص المختفي قسرياً غالباً ما يكون العائل الرئيسي للأسرة، وتتكبد أسر الضحايا أعباء مادية إضافية إذ قررت البحث عنه.
 
النساء والأطفال أيضاً ضحايا الاختفاء القسري
بالرغم من أن الرجال من أكثر المستهدفين، إلا أن الاختفاء القسري لا يتوقف عليهم فقط، بل تتعرض النساء والأطفال أيضاً للاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، خاصة في مناطق النزاع حول العالم.
ففي سوريا وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، هناك قرابة 9264 امرأة لا تزلن قيد الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري، منذ آذار/مارس 2011 وحتى آذار/مارس عام 2021.
وفي مناطق شمال وشرق سوريا إبان احتلال داعش مساحات واسعة من الأراضي، وارتكابه أفظع المجازر بحق المدنيين، الاختفاء والاختطاف كان سياسية مفصلة انتهجها داعش لإرهاب المدنيين، ولا توجد إحصائيات رسمية حول الأشخاص المختفين في تلك المناطق.
وأسست مجموعة من أمهات وقريبات المعتقلين والمخطوفين والمخفيين قسراً في اليمن، بالإضافة إلى مجموعة من الناشطات في مجال حقوق الإنسان في 15نيسان/أبريل 2016، رابطة أمهات المعتقلين؛ لمعرفة مصير أبنائهن المختفين، ورصد الانتهاكات التي يتعرضون لها وتقديم الدعم المعنوي. 
وفي اليمن اعتقل واحتجز واختطف وأخفي أشخاص قسراً، بمن فيهم أطفال، وعذّب المحتجزين وأسيء معاملتهم، فقد ارتكب الحوثيين أكثر من 18 ألف انتهاك لحقوق الإنسان في عام 2019، وتشمل عمليات الإعدام والتعذيب والاختفاء القسري والاعتقالات التعسفية، وتجنيد الأطفال، ونهب الممتلكات العامة والخاصة، وبحسب التقارير فإن 120 شخصاً تعرض للإخفاء بينهم 12 طفلاً و5 نساء.
وبحسب تقرير التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، بلغ عدد النساء المختطفات والمخفيات قسراً والمعذبات ما بين أيلول/سبتمبر 2014 وحتى أيار/مايو 2019، 303 امرأة، حيث بلغ عدد النساء المختطفات 220 بينهن 87 ناشطة سياسية، و30 طالبة، و6 ناشطات حقوقيات وإعلاميتين، فيما بلغ عدد النساء المخفيات قسراً 44 امرأة، في حين بلغ عدد النساء اللواتي تعرضن للتعذيب 39 امرأة.
فيما بلغ عدد المختفين قسرياً في العراق حوالي مليون و250 ألفاً وذلك ما بين عامي (2016 ـ 2020)، بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وبحسب جمعية حقوق الإنسان التركية، بلغ عدد الأشخاص المختفين في تركيا 1388شخص منذ عام 1980 حتى عام 2021، أما في مصر فبلغت حالات الاختفاء القسري بحسب مؤسسة "عدالة لحقوق الإنسان"، منذ عام 2013 وحتى أواخر عام 2020، نحو 11224 حالة، حيث اعتقل نحو 2847 في عام 2020 فقط، بينهم 39 امرأة.
وتشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى مئات الآلاف من الأشخاص الذين اختفوا خلال النزاعات أو فترات القمع في 85 دولة على الأقل حول العالم.
وبالرغم من تأكيد العديد من المنظمات الحقوقية ارتفاع عدد المختفين قسرياً، إلا أن الأعداد المعلنة تبقى أقل من الأرقام الحقيقة، نظراً لصعوبة إجراء إحصائيات دقيقة، في ظل إنكار الأنظمة القمعية ممارسة الاختفاء القسري.