'باستهداف الأماكن الأثرية تركيا تحاول محو تاريخ المنطقة وإحياء الخلافة العثمانية'
أكدت الرئيسة المشتركة لمديرية الآثار في إقليم عفرين أسمهان أحمد أن الاحتلال التركي يدمر تاريخ وآثار المنطقة، فيما يهتم ويرمم الأماكن التي بناءها العثمانيين في خطوة ساعية لمحو تاريخ المنطقة وإحياء الخلافة العثمانية
فيدان عبد الله
الشهباء ـ .
بعد احتلال تركيا ومرتزقتها لمقاطعة عفرين في آذار/مارس 2018 وخلال هجماتها المستمرة لأكثر من شهرين بالطائرات والأسلحة الثقيلة والمحرمة استهدفت الأماكن الأثرية بشكلٍ مباشر حيث استهدفت منذ اليوم الثاني للقصف معبد عندارة في ناحية شيراوا الذي يعود تاريخه إلى سنة 1200 ق.م.
كما أنه وبعد الاحتلال سارع إلى التنقيب، وتدمير الأماكن الأثرية المتوزعة في أرجاء عفرين والتي تعود إلى مئات السنين باستخدام الجرارات والآلات الثقيلة بحثاً عن الآثار وسرقتها وبيعها في تركيا والدول الأوربية أيضاً.
وللحديث عن الانتهاكات التي تقوم بها تركيا ومرتزقتها في الأماكن الأثرية التقت وكالتنا بالرئيسة المشتركة لمديرية الآثار في عفرين أسمهان أحمد.
أكدت أسمهان أحمد أن ما يمارسه الاحتلال التركي ومرتزقته في عفرين لأكثر من ثلاث سنوات ليس بالأمر الهين. مضيفةً أن "استهداف تركيا للأماكن الأثرية يعني استهداف كل حضارة وثورة شهدتها أرض عفرين، كما أنها تحاول بناء تاريخ آخر".
وتطرقت أسمهان أحمد إلى الاتفاقيات الدولية التي تحمي المناطق الأثرية خلال الصراع كاتفاقية لاهاي الدولية لعام 1954 "في حالات النزاع المسلح على جميع الأطراف حماية الممتلكات الثقافية وهذا ما لم تلتزم به تركيا منذ بداية تدخلها بالأزمة السورية". مضيفةً أن استهداف البشرية والتاريخ خلال الحروب والمعارك يناقض القوانين الدولية.
وعبرت أسمهان أحمد عن قلقها واستيائها من استمرار الصمت الدولي حيال هذه الانتهاكات "على العالم أجمع التدخل لحماية الآثار التي تحمل تاريخ البشرية فاستهداف تركيا لعفرين ومختلف الآثار في المنطقة هو استهداف لثقافة جميع الشعوب".
وكانت جرافات الاحتلال التركي قد بدأت في العام الماضي بحفر وتنقيب تلة أثرية بقرية "عرابو" التابعة لناحية موباتا بعفرين، وقطعت خلالها مئات أشجار السرو، والبلوط والزيتون، من جانبٍ آخر يقوم فصيل السلطان سليمان شاه المعروف بـ (العمشات) بعمليات حفرٍ وتنقيبَ يومية في تل "أرندة الأثري" بناحية شيه، فيما يواصل فصيلا سمرقند والسلطان مراد بالتنقيب والبحث عن الأثار في مختلف القرى بحثاً عن كنوز المنطقة.
ونوهت أسمهان أحمد إلى تسليطهم الضوء على استهداف الاحتلال التركي لقلعة النبي هوري التاريخية، "أرسلنا تقارير تضم أدلة على هذه الانتهاكات بحق تاريخ عفرين للأمم المتحدة والمنظمات العالمية حيث تقدر المساحة التي دمرت في قلعة النبي هوري ما يقارب 60 هكتار".
وتبعد قلعة النبي هوري 45 كم من مركز مدينة المقاطعة، كما يحيط بموقعها الأسوار الدفاعية المتينة التي حضنت قلعتها والعائدة إلى الحقبة البيزنطية وسيطرت القلعة على جهاتها الأربعة بأربع بوابات ووصف المتخصصين بالآثار مسرحها الروماني بأنه الأهمَّ من بين المسارح الرومانية القديمة في سوريا.
وبعد احتلال تركيا لمقاطعة عفرين وتحت مسمى الصيانة وترميم القلعة عملت تركيا على تدميرها وإعادة ترميمها في سعيٍ لنهب كل ما يبرهن على وجود سكانها الأصليين بحسب أسمهان أحمد.
وأضافت "دمرت القلعة بعمليات الحفر باستخدام الآليات الثقيلة وقطعت كل الأشجار المحيطة بها وسرقوا اللوحة الفسيفسائية والمسرح الموجود بالقرب من القلعة".
ترميم الآثار العثمانية
عن محاولة إعادة إحياء الاستعمار العثماني في سوريا على أرض عفرين قالت أسمهان أحمد "أعاد الاحتلال التركي ترميم جامع قد بناءه العثمانيين بالقرب من مزار النبي هوري، وبحسب المعلومات التي وردت لنا فإن الاحتلال التركي أعاد ترميم الجامع والاهتمام به وأخرج منه قطع ولوحات أثرية وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن تركيا تسعى لإعادة الهيمنة العثمانية ومحو تاريخ أهالي المنطقة الأصليين".
وسلطت في حديثها الضوء على ما وراء هذه الانتهاكات ومطامع تركيا في سوريا بالقول "تركيا تسعى لإحياء الخلافة العثمانية من خلال احتلال مناطق شمال وشرق سوريا، من عفرين وحلب إلى مقاطعة الجزيرة مروراً بالحسكة ومنبج وصولاً لمنطقة الباب، ورغم ما تعانيه المناطق المحتلة إلا أن هذه الانتهاكات التي مارسها الاحتلال في عفرين على وجه الخصوص تختلف تماماً عن باقي المناطق المحتلة".
ونهب الاحتلال التركي أيضاً الأسد البازلتي الكبير الذي كان موجوداً بين آثار قرية "عين دارة" أهم التلال الأثرية في عفرين ولم يكتفي بهذا فحسب إنما حول المنطقة لموقعٍ عسكري لفصائله المسلحة.
وعن الأماكن التي دمرها الاحتلال وفق ما وثقته مديرية الآثار في عفرين قالت أسمهان أحمد "دمرت تركيا ما يقارب 64 تلة أثرية موجودة في قرى مختلفة بمقاطعة عفرين، دون محاسبة أو سؤال، ووثقنا الأماكن التي دمرت ونملك معلومات كافية حول اللوحات والقطع الأثرية التي نهبت من المنطقة ونعرفها لو مرت على سرقتها عشرات السنين، إلا أنه من جهة أخرى هناك الكثير من الأماكن الأُثرية التي يصعب معرفة الأثار التي نهبت منها لأننا لم نتمكن من الوصول إليها والكشف عنها وتنقيبها لعدم توفر المستلزمات المطلوبة".
وتجدر الإشارة إلى أنه يوجد في عفرين ما يقارب 80 تلة أُثرية تعود للفترة ما بين الحضارات اليونانية، الرومانية والبيزنطية.
وفي ختام حديثها طالبت الرئيسة المشتركة لمديرية الأثار في إقليم عفرين أسمهان أحمد باتخاذ موقف جدي حيال ما يحدث لآثار عفرين "نطالب من الدول والمنظمات المعنية إرسال وفود إلى عفرين المحتلة وفضح سياسة تركيا في حفر ونهب الأماكن التاريخية، ونطالب من النظام السوري الخروج عن صمته ومحاسبة تركيا على تعدياتها على آثار وتاريخ سوريا".
والجدير بذكره أن هذه الأماكن الأثرية التي ذكرت هي من المواقع المسجلة لدى المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية ومديرية الآثار في الإدارة الذاتية الديمقراطية علماً أنه بعمليات التنقيب والبحث في أراضي المنطقة من الممكن أن تكشف الكثير من المواقع الأثرية الأخرى وهذا ما يهدد تاريخ سوريا وعفرين على وجه الخصوص ويعرضها للمزيد من الإبادة والنهب في ظل استمرار الصمت الدولي.