أصوات نسائية من المغرب تنادي "أطفالنا بجوج... الولاية عليهم من حقنا بجوج"

أسهر على تربية أبنائي، وعندما يمرضون لا يغمض لي جفن، كما أسعى إلى توفير المأكل والملبس لهم، وليس من حقي السفر بهم خارج المغرب، سواء من أجل السياحة أو قصد العلاج، ولا أستطيع الحصول على شهادة مغادرة المؤسسة التعليمية لابنتي من مؤسسة لأخرى، كما لا أستطيع الزواج للمرة الثانية، مخافة إسقاط الحضانة عني، وليس لي الحق في التصرف في أموال طفلي، كما ليس من حقي اتخاذ أي قرار يخص أبنائي، إلا بالحصول على إذن من طليقي باعتباره الولي الشرعي

حنان حارت
المغرب ـ ، والذي في الغالب يتنصل من أداء النفقة، هذه بٌعد من الهواجس والمعاناة التي تعيشها المرأة الحاضنة في المغرب.
إشكالية دفعت بجمعية التحدي للمساواة والمواطنة وفعاليات نسائية حقوقية من المغرب، إلى إطلاق حملة وطنية لتجديد النقاش حول المطالبة بتغيير قانون الأسرة في موضوع الولاية الشرعية وحضانة الأبناء، من أجل جمع التوقيعات، بهدف إعداد عريضة وتقديمها إلى رئيس مجلس النواب.
 
غيض من فيض
التقت وكالتنا مع فاطمة الصويري (45) عاماً، من مدينة الدار البيضاء، لتبوح لنا بقصتها بعد انفصالها عن زوجها، وكيف أنه رفض منح ابنته الإذن بالسفر خارج المغرب بدعوى حق الولاية الشرعية على الأبناء، تقول "بعد سنتين من الزواج حدث الطلاق، الذي أثمر عن طفلة تبلغ الآن عشر سنوات، وقد حصلت على حق حضانة ابنتي مباشرة بعد طلاقي، لكن بعد أشهر وجدت لي ابنة خالتي التي تستقر في إسبانيا عقد عمل هناك"، تصمت فاطمة الصويري لتتفس بعمق ثم تسترسل في حديثها من جديد "بينما كنت أستعد إلى خوض هذه التجربة التي ستغير حياتي، رفض طليقي منحي الإذن باصطحاب ابنتي، حاولت إقناعه إن سمح لها بالسفر معي فلن أنسى جميله هذا، لأن استقرارنا بإسبانيا سيغير وضعي المالي الذي سينعكس لا محالة على ابنتي سواء في دراستها أو مستقبلها ككل، لكنه كان مصراً على رفضه، قائلا لي: إن كنت أرغب في الهجرة، علي ترك ابنتي برفقته لأنه يريد رؤيتها باستمرار، لكنني رفضت هذا الأمر، وتخليت عن فرصة كان بإمكانها تغيير حياتي للأحسن". 
وتضيف "أعتقد أن رفضه منح ابنتي الإذن بالسفر معي إلى الخارج لا علاقة له بالحب أو أنه يرغب برؤيتها باستمرار، لأنه بعد أن تأكد من أن عقد العمل تم فسخه، لم نعد نراه إلا نادراً كما أنه لا يعير أي اهتمام لابنته ولا يسأل عنها وعن أحوالها إلا في المناسبات والأعياد".
تسترسل فاطمة في حديثها "لا أعرف كيف تعطى الولاية للأب دون الأم، في وقت تتكفل الأم بكافة مسؤولية الأبناء، وتتحمل الصعاب وتعمل أحياناً كعاملة في المنازل لضمان لقمة عيش الأبناء، في الوقت الذي يتنصل الأب من أداء النفقة التي فرضها عليه القانون".
تضيف "بعض بنود مدونة الأسرة تكرس الحيف والتمييز في حق المرأة، فهذا ليس أول مشكلة أوجهها مع طليقي، بل أيضاً عندما اضطريت إلى الإنتقال للعيش مع أسرتي في مدينة أخرى، وأردت نقل إبنتي من المدرسة ظل يتماطل في منحي الموافقة بنقلها، ما تسبب في تخلفها عن الموسم الدراسي، وقد تأسفت كثيراً على هذا الوضع"، وتشير إلى أن عدم قدرتها على اتخاذ قرارات تتعلق بابنتها ليس لأنها عاجزة عن ذلك، وإنما لكون هذه القرارات حكر على الرجال حسب القوانين المعمول بها في هذا الشأن. 
وتعد فاطمة الصويري، واحدة من النساء المغربيات اللواتي يطالهن الحيف والظلم، فيما يخص التمتع بالحق في الولاية على الأبناء.
من أجل حصول النساء المغربيات على الولاية الكاملة، أطلقت جمعية التحدي للمساواة والمواطنة ومجموعات نسائية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حملة للمطالبة بتغيير قانون الأسرة المغربي في موضوع الولاية الشرعية وحضانة الابناء، تحت شعار "أطفالنا بجوج.. الولاية من حقنا بجوج".
 
 
 
تقول رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة بشرى عبدو لوكالتنا "ينبغي توفير الظروف الملائمة والبيئة الصحية لتربية الأطفال خلال الزواج وبعد وقوع الانفصال، لهذا لا ينبغي تصفية الحسابات الشخصية على حساب الأطفال"، مشيرة إلى أن الحملة التي أطلقتها جمعيتها، تأتي في ظل معاناة النساء مع موضوع الولاية الشرعية للأبناء سواء خلال فترة الزواج أو بعد حدوث الطلاق.
وتطالب الجمعية بالاعتراف الكامل بولاية الأمهات على ابنائهن أثناء العلاقة الزوجية أو انحلالها، معتبرة أن هذا الأمر حق يجب التنصيص عليه في مدونة الأسرة، وأن تتلاءم هذه الأخيرة مع دستور 2011 ومع كل المواثيق الدولية واتفاقية حقوق الطفل. 
وتشير إلى أن فصول مدونة الأسرة غير منسجمة فيما بينها، موضحة أنه في الفصل الرابع من المدونة تعتبر رعاية الأسرة مسؤولية الزوجين، وفي المقابل لا تعترف بالولاية للأم على أطفالها بوجود الزوج.
 
 خوف من إسقاط الحضانة
إلهام. ع (25) عاماً، رفضت الكشف عن هويتها، لكنها شاركتنا بقصتها، بكثير من الغضب والحسرة تقول "الرجل بعد الطلاق يتزوج للمرة الثانية دون أي مشكلة، لكن المرأة المطلقة الحاضنة لا يمكنها ذلك، فإن أقدمت على ذلك سيكون مآلها سقوط حقها في حضانة طفلها". 
وتضيف "لقد كانت تربطني بطليقي علاقة حب قبل الزواج، والتي دامت سنتين قبل إتخاذ قرار الإقتران، كنت أظن أنه قراراً صائباً وأني سأعيش سعيدة برفقته لتعامله الجيد معي، لكن بعد الزواج تغير كل شيء، إذ تحول من رجل هادئ إلى عصبي، يصرخ على أتفه الأشياء وينتقد كل شيء؛ طريقة طبخي تسريحتي وملابسي، وهكذا لم أتحمل هذا الوضع فطلبت الطلاق، ووافق بسهولة، لكن ونحن نسلك مسطرة الطلاق بالتراضي، علمت أني حامل، ورغم أنه رغب في التراجع، لكنني كنت مصممة على الطلاق، وبمجرد ما أصبحت أحمل لقب مطلقة بدأت في مواجهة نظرة المجتمع والتهيؤ لرعاية طفل سيولد قريباً لأتحمل مسؤوليته لوحدي".
"انشغل بتربية مولودي، وأتوق إلى اليوم الذي أراه فيه كبيراً"، تصمت لحظة لتنظر إلى طفلها الذي يبلغ الآن سنتين، والذي كان يلعب بالمحاذاة منها، وتكمل حديثها "في الوقت الذي يسمح للرجل المطلق بالزواج للمرة الثانية، فإن المرأة ليس من حقها ذلك، لقد سبق وعرض علي زميل لي في العمل الزواج، وأنه سيتعامل مع طفلي كما لو كان ابنه، لكن مخافة أن يصل الخبر لطليقي ويقوم بإسقاط الحضانة عني، رفضت طلبه". 
وأضافت بحسرة "لو فكرت في الزواج، سيأخذ أبني مني، وفي المقابل أذا منح أحد هبة لطفلي أوترك له أحد من أفراد أسرتي مبلغاً في البنك سيكون ذلك تحت وصاية الأب، ليس لي الحق في التصرف في أي شيء يخص طفلي، أنا معيلته وأسهر على تربيته، في الوقت الذي اختار والده العيش من دون أي مسؤولية تجاهه وتخلف عن أداء النفقة، وعندما يتعلق الأمر بقرارات مصيرية تهم طفلي لا يمكنني البث في أي شيء إلا بعد تصريح من الأب". 
 
ابتزاز وانتقام
تعتبر الناشطة بشرى عبدو، أن إسقاط حضانة الطفل عن الأم، يمكن أن يتحول إلى وسيلة ابتزاز وانتقام لا يتردد بعض الرجال توظيفها متى ما أرادوا ذلك، وتدعو إلى الاعتراف الكامل وبشكل منصف وعادل بولاية الأمهات والآباء معاً على أبنائهم، بما يضمن مصلحة الطفل، مع تسهيل المساطر الإدارية لتمكين الأم من تدبير شؤون ابنها.
ترى رجاء المعطاوي (35) عام، وهي مطلقة، أن هناك إجحافاً يمارس على الأمهات الحاضنات "لقد تعرض ابني لحادث واتصلت بوالده لكي يدفع جزءاً من مصاريف العلاج وأتكفل أنا بالباقي، لكنه رفض بدعوى أنه ليس لديه مال، وأمام هذا الوضع اضطررت إلى تحمل تكاليف علاج ابني لوحدي، دون أن يكون لي الحق في الاستفادة من تعويض شركات التأمين إلا بحضور طليقي". 
وتضيف بشرى عبدو "إن مدونة الأسرة تنظر إلى الأم كأن لها دوراً ثانوياً في مسلسل الرعاية، مبرزة أنه لبلوغ الانسجام بين فصول مدونة الأسرة في الشق المتعلق بولاية الأبناء أن تتلاءم مع دستور 2011 ومع كل المواثيق الدولية واتفاقية حقوق الطفل"، مطالبة بتغيير كل الفصول التمييزية المرتبطة بمسؤولية الزوجين.
 
غياب الانسجام بين فصول المدونة
 
 
تعتبر مدونة الأسرة في فصلها الرابع أن رعاية الأطفال هي مسؤولية الأب والأم معاً على قدم المساواة، إلا أن المواد 230 و231 و236 و237 بوأت الأب المرتبة الأولى في الولاية على الأبناء، وهو ما تضفي عليه المادة 236 صبغة القاعدة بنصها على أن "الأب هو الولي على أولاده، وعلى أنه لا يجرد من ولايته إلا بحكم قضائي". وفي حال حصول مانع يمنع الأب من ممارسة ولايته، فإن هذه المادة لا تسمح للأم إلا بالقيام بالمصالح المستعجلة للأبناء، والأدهى من ذلك أن للأب، حسب المادة 237، حق حرمان الأم من الولاية على الأبناء وخرق الترتيب عن طريق تعيين وصي عليهم.
ويتضح من المقتضيات القانونية الخاصة بالولاية في مدونة الأسرة أن هذه المقتضيات تتناقض مع مقتضيات أخرى من قبيل المادة 54 التي ألزمت كلا من الأم والأب، وعلى حد سواء، بضمان حقوق أطفالهم التي نصت عليها، ومنها ما يرتبط ارتباطاً مباشراً بأعمال الولاية، والمادة 51 التي تنص على حقوق وواجبات متبادلة بين الزوجين ومنها أساساً عدم انفراد أي منهما باتخاذ قرارات تتعلق بالأطفال ومسؤوليتهما معاً عن رعاية شؤون الأبناء.
وترى المحامية بهيئة الدار البيضاء زاهية عمومو أن هناك غياب في الانسجام بين فصول قانون الأسرة، حيث تنص مادته الرابعة على المساواة بين الأب والأم في رعاية الأسرة، فيما يتضمن القانون ذاته فصولاً تمييزية في مسؤولية رعاية وتربية الأطفال بين الزوجين، ما يشكل نشازاً بالنسبة لروح المدونة وانزياحاً عن اتجاهها العام، ووجود خلل في التوازن بين حق كل من الأب والأم في الولاية على الأبناء.
 
ملاءمة قانون الأسرة مع مضامين الدستور
تطالب زاهية عمومو، بضرورة العمل على ملاءمة قانون الأسرة لجعله منسجماً مع مضامين دستور عام 2011، ومواكب للتطور التشريعي، والمواثيق الدولية واتفاقية حقوق الطفل التي وقع عليها المغرب.
وفيما يتعلق بالبت في القضايا المتصلة بالولاية في المحاكم تشير المحامية إلى أنه يطبعها على وجه العموم التقيد بحرفية النص وعدم التفاعل الإيجابي مع روحه التي تضع الأسرة تحت مسؤولية الزوجين معاً وعلى قدم المساواة بينهما وبعيداً عن روح الدستور في مجال مساواة المرأة والرجل، وكذا حرصه على وحدة الأسرة واستقرارها كما ورد في الفصلين 19 و32 منه.
وعليه فإن جل محاكم المغرب لا تعتبر الولاية حقا للأم في الحالات التي يكون فيها الأب موجوداً، حيث تعتبر الولاية حقاً مطلقاً للأب، وهكذا فإن ولاية الأب على الأبناء تقتضي موافقته على تسجيل الأبناء إما في مدرسة جديدة غير التي كانوا يدرسون فيها في حال وجود خلاف بين الزوجين أو كونهما في مرحلة انفصال، وكذلك الشأن بالنسبة للسفر بالأبناء إلى الخارج في حالة طلاق الزوجين تقتضي إذن الأب، ولو من أجل العلاج، ما يتمثل عنه ضياع حقوق الأبناء أحياناً لعدم تمكن الزوجة من مباشرة مصالحهم. حسب قول المحامية الزاهية عمومو. 
 
توقيعات وعريضة
تعكف الآن جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، على جمع التوقيعات لتوجيه عريضة إلى رئيس مجلس النواب، من أجل المطالبة بالولاية الكاملة وتغيير بعض بنود مدونة الأسرة التي تراها الجمعية تكرس الحيف والتمييز في حق المرأة الحاضنة.
 وفي هذا الصدد تصرح بشرى عبدو أن الحملة ستبقى مستمرة إلى ما بعد الإنتخابات التشريعية والبرلمانية المقبلة، وذلك بهدف جمع أكبر عدد من التوقيعات، وحتى تكون للعريضة حضور أوفر في الحكومة المقبلة. 
ويحاول أعضاء الحملة ومن شارك فيها من منظمات وأفراد معنيين بتغيير وضع المرأة القائم في المغرب، بالضغط من أجل تغيير بعض بنود مدونة الأسرة لإنهاء معاناة النساء والأمهات بما يحقق العدالة لجميع أفراد الأسرة ويحافظ على المصلحة الفضلى للأطفال.