الزواج العرفي في إدلب... زوجات وأطفال بلا حقوق
الحرب خلقت فوضى مجتمعية في المناطق المحتلة من قبل تركيا ومرتزقتها في سوريا فالعديد من الأطفال الذين ولدوا خلال سنوات الحرب مكتومي القيد ومحرومين من حقوقهم.
لينا الخطيب
إدلب ـ تبرم الكثير من واقعات الزواج في إدلب خارج إطار المحاكم الشرعية بموجب "كتاب الشيخ"، بحضور رجل دين وشهود على العقد، ولا تحصل الزوجة في حال الطلاق على حقها في المهر والنفقة، وتتفاقم المشكلة مع إنجاب الأطفال الذين لا يحصلون على أوراق رسمية، ويفقدون حقهم في التعليم والرعاية الصحية.
هيام الأسعد (26 عاماً) من مدينة إدلب تزوجت بكتاب عرفي من شاب متزوج ولديه ثلاثة أطفال، لم يثبت الزواج في المحاكم المحلية المنتشرة في إدلب لغياب الاعتراف بها، لكنه وعدها بتثبيت الزواج لاحقاً في مناطق سيطرة النظام السوري عن طريق أحد الوسطاء بحكم أنه مطلوب أمنياً ومتخلف عن الالتحاق بالخدمة الاحتياطية.
وبسبب خلافات مع زوجته الأولى، قرر الزوج الانفصال عن هيام الأسعد بعد سنة واحدة من زواجهما، دون أن يمنحها أي حقوق، وحين طالبته بتوثيق الزواج رفض تهرباً من مسؤولياته والتزاماته، وعن ذلك تقول "تحولت إلى ضحية حين اختار زوجي الانفصال عني وامتنع عن تثبيت زواجنا، وتنصل من دفع المؤخر والنفقة والمسكن وكافة حقوقي الواجبة عليه". مشيرةً أن هذا الزواج سبب لها الألم النفسي والاجتماعي جراء نظرات الناس وكلامهم الذي لا يرحم.
يقوم الكثير من الرجال بالزواج من الفتيات بموجب عقود عرفية، ثم ينكرون زواجهم تهرباً من الالتزامات القانونية والشرعية، والامتناع عن دفع المعجل والمؤجل للزوجة في حال الطلاق.
روان الدبس (23 عاماً) من مدينة الأتارب تقول "تزوجت من رجل يكبرني بعشر سنوات، وبعد أقل من ستة أشهر طلبت الانفصال بسبب معاملته السيئة، ونشوب خلافات كثيرة بيننا".
وتؤكد أن زواجها غير مثبت في المحكمة، وحين أرادت تثبيته اكتشفت أن زوجها أخفى العقد ليحرمها من جميع حقوقها، مضيفة "رفض الاعتراف بالزواج، وبات الحصول على حقوقي المشروعة أمراً صعباً، علماً أنني غير قادرة على توكيل محام، لأني لا أملك تكاليف الدعوة، وبالتالي لن أتمكن من تثبيت زواجي بطريقة قانونية".
فرص الزواج القليلة دفعت نوال عرابي (27 عاماً) النازحة من بلدة تلمنس بريف إدلب الجنوبي إلى مخيم سرمدا شمال إدلب للقبول بالزواج العرفي من مرتزق أجنبي، وأثمرت تلك الزيجة غير الموثقة عن طفلين بأعمار (2ـ4) سنوات، قبل أن يتركها زوجها ويعود إلى بلاده، دون أن يثبت الزواج ويسجل الطفلين على اسمه، لذا تواجه حالياً العديد من المصاعب والمعوقات، وعن ذلك تقول "بعد تخليه عنا، لم أتمكن من استخراج أوراق ثبوتية لطفليّ يثبت نسبهما ويضمن حقهما مثل بقية الأطفال"، مضيفةً "أولادي مكتومي القيد، لذا لن يدخلوا المدرسة ولن يحصلوا على بطاقات شخصية في المستقبل".
المحامية رنا الدياب من مدينة إدلب تقول عن الزواج العرفي وتبعاته "تواجه النساء في إدلب الكثير من العقبات حينما يرغبن بالطلاق قبل تسجيل الزواج، فضلاً عن التكاليف الكبيرة والفترة الزمنية الطويلة التي يحتاجها تثبيت الزواج وتحصيل الحقوق، ما يدفع الكثير من النساء للتخلي عن رفع الدعوى أصلاً، ويستغلّ الأزواج هذه الثغرة القانونية لأن الطلاق لن يرتب عليهم في الغالب أيّ التزامات مالية".
ولفتت إلى أن أهالي إدلب كانوا سابقاً يلجؤون للمحاكم الشرعية التابعة للنظام السوري لتثبيت الزواج وتسجيل المواليد الجدد في سجلات النفوس والأحوال المدنية، ولكن إغلاق تلك الدوائر الرسمية والمحاكم بعد سيطرة المرتزقة على المدينة خلف فوضى مجتمعية، حيث بات الشخص الذي يريد تنظيم عقد زواج، مضطراً للسفر إلى مدينة حماة".
وتشير رنا الدياب إلى أن الزواج العرفي غير ضامن لحقوق المرأة والأطفال، فهو لا يلزم الزوج في الغالب بالنفقات والمسؤوليات، ولذلك يتجه الرجال إلى هذا النوع من الزواج للتهرب من حقوق الزوجة.
وتبين أن كتاب الشيخ لا يعتبر وثيقة رسمية تسمح بتسجيل الأبناء ضمن العائلة، فيتحولون بذلك إلى مكتومي قيد، نظراً لعدم وجودهم في السجلات الرسمية، وصعوبة إثبات نسبهم عند عدم اعتراف الزوج لأسباب مادية أو اقتصادية أو شخصية.