النسويات تدقن ناقوس الخطر: نحن الضحايا القادمات

رغم وجود قانون يقال إنه "مميز"، ازدادت حالات العنف الزوجي ضد النساء في تونس التي وصلت حد القتل والسحل، ما دق ناقوس الخطر لدى النسويات.

زهور المشرقي

تونس ـ أكدت المحامية والناشطة النسوية حميدة الشايب أن وجود القانون وحده لا يكفي لحماية النساء من العنف والقتل، مشددةً على ضرورة العمل على تغيير العقليات ومحاربة النظرة الدونية والاستغلالية للمرأة.

قالت المحامية والعضو بالهيئة المديرة بالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان حميدة الشايب، في حوار مع وكالتنا، أن صعوبة الإجراءات وتعقيدها لضمان الولوج الآمن والسهل للنساء دفع بتضاعف نسبة العنف ضد النساء، مشيرةً إلى أن الوضع ينبع بالخطر.

أعاد مقتل التونسية سعاد الصويدي في محافظة القيروان على يد زوجها خنقاً وهي أم لطفلين، إلى الواجهة مأساة العنف وضعف تنفيذ القانون عدد 58 لمكافحة العنف ضد النساء.

 

صرخة أخرى تطلقها الجمعيات النسوية في تونس، بعد مقتل سعاد الصويدي على يد زوجها، كيف يمكن وضع حد لجرائم قتل النساء بعد أن فشل القانون في تحقيق هدفه؟

نعم، منذ أيام استيقظنا على خبر مؤلم يتمثل في مقتل سعاد الصويدي في محافظة القيروان، على يد زوجها خنقاً، وهي أم لابنتين، وإذا بنا تحت وطأة هذه الصدمة حتى نستيقظ مجدداً على خبر مقتل امرأة في العاصمة تونس على يد زوجها والاعتداء من قبله على صديقتها، هذه المآسي النسوية أصبحت عناوين نتصفحها بشكل يومي تقريباً على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام وكأنها أخبار عادية نقرأها ونتألم ونصرخ كجمعيات ثم نمر في ظل سكوت الدولة ولامبالاتها بأوجاع النساء، كلنا الضحايا القادمات هكذا كانت صرختنا كنساء للسلطات عساها تتحرك وتفرض تنفيذ القانون عدد 58 لمكافحة العنف ضد النساء، وتسهل طرق الولوج إليه حتى لا تضع حواجز أمام الضحايا.

ولعلها تسرع في توفير مراكز إيواء تأويهن حين تلجأن لها هرباً من بطش المعنف، ماتت سعاد وقبلها عشرات وبعدها كثيرات ستكن الضحايا والعناوين في صورة تعري تواصل الاستهتار بصرخاتنا كنسويات وحقوقيات لإيقاف جرائم قتل النساء، لا نعلم من الضحية المقبلة فقد أكون أنا وقد تكون صديقتي أو جارتي مادامت الحكومة قد تنصلت من مسؤولياتها في حمايتنا وحماية ضحايا العنف، نحن غير مرتاحات، ولا بد من التذكير أن وجود القانون وحده لا يكفي بل أيضاً وجب العمل على تغيير العقليات ومحاربة النظرة الدونية والاستغلالية للمرأة.

 

هل تنصلت الدولة من مسؤوليتها في حماية النساء؟

على المستوى التشريعي هناك زخم وهناك قوانين مهمة، إلا أن ذلك لم يحارب بشاعة الواقع ولاحظنا جميعنا الهوة بين التشريع والتطبيق، فالقانون عدد 58 جاء بمقاربة حقوقية شاملة تعتمد على أربعة أبعاد محددة، أولها البعد الوقائي وهو البعد الذي يوفر الحماية للمرأة من العنف المسلط عليها عن طريق إدخالها لمؤسسات الدولة كالمؤسسة الإعلامية للتوعية حول مكافحة العنف ضد النساء، وثانياً البعد الجنائي ويتمثل في حماية المرأة المعنفة من مزيد الاعتداء عليها من الجاني عبر توفير آليات قانونية ومؤسساتية لحمايتها، أما الجانب الثالث فيتمثل في الجانب الجزري ودوره زجر المعنف ومحاكمته وأخيراً التعهد بالنساء ضحايا العنف ويمكن أن يكون تعهداً اجتماعياً أو صحياً أو نفسياً.

 

هل تحول العنف ضد النساء إلى ممارسة يومية في تونس؟

انتشار ظاهرة العنف ضد المرأة تعود أساساً إلى الهيمنة الذكورية والفكر البطريركي والسلطة الأبوية داخل المجتمعات الشرقية وتونس من ضمنها، إضافةً إلى عدم تطبيق القوانين وعدم إيلائها الأهمية القصوى كضرورة ملحة ضاعف جرائم قتل النساء واستهدافهن بطرق بشعة ففي دراسة حديثة وبعد تجميع 46 ملفاً عن جرائم قتل النساء أثبت أن 28% من النساء ضحايا جرائم القتل هن من قدمن شكايات جزائية سابقة وعرائض في الطلاق إلا أنهن لم تتوصلن إلى النفاذ للعدالة بسبب العديد من الصعوبات وأبرزها البطء في الفصل في القضايا المتعلقة بالعنف حيث يبقى مطلب حماية المرأة المعنفة ستة أشهر حتى يقع النظر فيه وطوال هذه الفترة تظل المعنفة دون حماية مما يعرضها أكثر للعنف الذي يصل حد القتل، ويدفعها ذلك أحياناً إلى التراجع عن الشكاية ما يحيلنا للتأكيد على خطورة عدم سلاسة الإجراءات وما قد يؤدي له من مآسي، فضلاً عن أن تلك الفترة ونتيجة للضغوط العائلية والاجتماعية تجبر على التراجع خاصة حين تفتقد لمورد رزق يحميها ويؤمن لها الاستقلالية المادية للعيش بعيداً عن معنفها، كل هذا التباطؤ واستسهال تعنيف النساء وعدم تسهيل الإجراءات بل تعقيدها يزيد من مأساة قتل النساء والتنكيل بهن، لا بد من القيام بمراجعات عاجلة لاعتبار أن ما تعيشه النساء من قتل واستهداف لا يمكن السكوت عنه وتجاوزه.

في الحقيقة ليست هناك آليات خاصة أو ميزانية لمكافحة العنف ضد النساء، فضلاً عن غياب الفضاءات المخصصة للنساء ضحايا العنف داخل المحاكم، إضافة إلى غياب الفضاءات التي يفترض أن تخصص للإرشاد القانوني برغم أن القانون عدد 58 قد أتاح للمعنفات الاستعانة بمطلب الإعانة العدلية إلا أن صعوبة الإجراءات وطولها تجعل المرأة تتغاضى عن ذلك وتمل اللجوء إليه، ولا ننسى أن نتحدث عن العنف الذي تتعرض له المعنفة حين تقوم بالإجراءات القانونية في مقاضاة معنفها بمفردها من قبله، كما أن عدم توفير مراكز إيواء للنساء ضحايا العنف كان سبباً في انتشار وتوسع تعنيفهن، لاعتبار أن عدم توفير مراكز لهن سيدفعهن للعودة للعيش مع المعنف زوجاً كان أو أباً أو أخاً ويتيح إعادة التعنيف.

 

العنف الجنسي والجنساني من أشكال العنف المسكوت عنه خوفاً من النظرة الدونية من المجتمع الذكوري، كيف يمكن أن تؤثر الجمعيات النسوية في النساء لتقدمن على التبليغ وكسر حاجز الخوف؟

العنف الجنسي هو نوع من أنواع العنف الذي عرج عليه القانون 58، وقد سجلنا منذ دخول القانون حيز التنفيذ العديد من القضايا المنشورة لدى المحاكم حول هذا الشكل من العنف بكثرة، وبرغم أنه شكل مسكوت عنه لطبيعة المجتمع الذكوري إلا أننا لاحظنا في المحكمة الابتدائية بمحافظة صفاقس وجود قضايا تخص الاغتصاب الزوجي وقضت المحكمة بإدانة الزوج بما نسب إليه من اعتداء جنسي، صحيح أن هذه الجريمة من التابوهات إلا أنه في الفترة الأخيرة أصبحت من الجرائم التي نتحدث عنها ونحاربها بالقانون نتيجة التوعية التي يقوم بها المجتمع المدني والمجهودات الكبيرة لمكافحة هذا النوع الخطير من العنف الذي يمس النساء، وفي إطار عملنا داخل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان نحاول القيام بحملات مناصرة الاتفاقية عدد 190 المتعلقة بالتحرش الجنسي في أماكن العمل للمصادقة على هذه الاتفاقية، وبالطبع ستكون هناك قوانين أخرى تخص العنف الجنسي في أماكن العمل وخارجها كما جاء في القانون عدد 58.