النساء في القضاء اللبناني... هل أنْسنّ القضاء وأحدثن التغيير النوعي؟
تناول كتاب "نساء لبنان في سلك القضاء: تعزيز السائد وإهمال الهوامش" دور القاضيات في إرساء العدالة وأنسنة القضاء وكذلك مساهمتهن في إحداث تغيير نوعي مع ارتفاع نسبة النساء في هذا القطاع.
سوزان أبو سعيد
بيروت ـ أسباب ارتفاع نسبة ضلوع النساء في سلك القضاء اللبناني وإحداثهن جملة من التغييرات فيه باتت أبرز الدراسات التي تناولها كتاب الباحثتين اللبنانيتين عزة بيضون وعزة الحاج سليمان.
صدور قرارات غير اعتيادية من قاضيات لبنانيات في سنوات سابقة وتفاعل المجتمع معها بصورة إيجابية دفع الباحثة في مجال الاجتماع عزة بيضون والباحثة في مجال القانون عزة الحاج سليمان إلى طرح كتاب "نساء لبنان في سلك القضاء: تعزيز السائد وإهمال الهوامش" والذي صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أوردن فيه مجموعة من الأسئلة حول مدى مساهمة الوجود الكمي للنساء في سلك القضاء في إحداث التغيير النوعي، خاصة وأن نسبتهن تجاوز الكوتا المطروحة بأشواط.
وكان الهدف من الكتاب إلقاء الضوء على التأثير الذي أحدثه وجود المرأة في القضاء اللبناني على الأصعدة المختلفة وذلك من خلال إبراز دور الجنسين في هذا السلك والمقارنة بينهما سواء على صعيد تفعيل دولة المؤسسات من خلال احترام المعايير القانونية المنصوص عنها في القوانين الوضعية اللبنانية، أو من ناحية احترام القوانين وتقديم أداء قضائي منتظم، وكذلك على صعيد تحقيق العدالة من الجانب الميداني بالإطارين الكمي والنوعي للممارسة القضائية والحقوقية للقاضيات، والبحث في تقاطع بين منهجين في مجالي العلوم الاجتماعية والقانونية، وتناول الجانب الاجتماعي لشخصية القاضي/ة وأنسنة القوانين للوصول إلى العدالة الاجتماعية.
وحول ذلك قالت الأكاديمية في مجال القانون عزة الحاج سليمان "الهدف الأساسي هو البحث في مدى تأثير وجود النساء في سلك القضاء وهل أضفن شيء له أو كررن ما هو سائد؟ وهل استطعن كمجموعة نسائية تحقيق ما نصت عليه النظرية النسوية بأن التواجد الكمي للنساء يؤدي إلى تغيير نوعية".
وأوضحت "بدأنا بحثنا هذا عام 2018 على خلفية قرارات غير مألوفة اتخذتها قاضيات لبنانيات تخص ملفات للعديد من الناشطين المشاركين في حراك عام 2015، فقد أكدت القاضية عبير صفا آنذاك أن حرية التعبير للناشطين فضحت قضايا فساد ولم تكن كما روج لها بأنها تتعارض مع النظام العام، كما رصدت بعض المواقف الاجتماعية لقاضيات خلف جدران المحاكم ففي طرابلس منذ نحو سبع سنوات انتقد شابان ديانة بعضهما البعض فعاقبتهما القاضية بأن يقرأ كل منهما عن ديانة الآخر في محاولة منها بث روح الاحترام فيهما للأديان، على الرغم من أن هذه العقوبة غير منصوص عليها في القانون ونحن نقول بأن لا عقوبة بدون نص، وهنا القاضية استخدمت دورها بمكان فيه بعد اجتماعي، وقد تفاعلت وسائل التواصل الاجتماعي كثيرا مع هذا القرار".
وأضافت "العدالة ليست تطبيق القانون فحسب، وإنما تطبيق القانون بعدالة، وهنا يأتي الدور والهامش الاجتماعي عند القاضي، أي أخلاقيات القاضي، ومنها ما هو موسوم بالقانون، ومنها ما هو هامش شخصي، فهل استخدم القضاة الهوامش الشخصية بهذه الدائرة التي بحثنا فيها، وهو بحث محدود، ولا يمكن تعميمه على كل المحاكم، فقد اخترنا دراسة حالات لدى القاضي المنفرد الجزائي في محكمة بعبدا، لأنه في القضاء المنفرد يمكن مقارنة أداء القاضي/ة، والقرار الذي يصدره القاضي يعبر عنه، لأنه عادة تتكون لجان المحاكم من ثلاثة قضاة، ولا يمكن تحديد دور النساء من دور الرجال، واخترنا القضاء الجزائي لأنه لدى القاضي/ة هامشا للتقدير واستنباط الحقيقة، ويمكن أن يأخذ الظروف الشخصية والاجتماعية لتقدير العقوبة، فضلاً عن أنه في "الجزائي" نتناول حقوق الإنسان، وكذلك الجنح لأن لها علاقة بالظروف الاجتماعية السيئة، وبظروف نفسية وشخصية، اعتداءات ...إلخ".
وعن الدراسات الميدانية في كتابها قالت عزة الحاج سليمان "بالنسبة للدراسات الميدانية المذكورة فقد تطرقنا لنوعين منها وهي الكمية وذكرت فيها دائرة القاضي المنفرد الجزائي ببعبدا من سنة 2012 إلى 2018، إضافة إلى بعض الأحكام من عامي 2010 و2011، وقد اعتمدنا هذا الهامش الزمني لأنه في عام 2014 صدر قانون حماية النساء من العنف الأسري وسائر أفراد الأسرة وأخذناه كمعيار، لأنه عبر هذه القوانين التي صدرت هناك بعد نسوي وهناك أفكار نسوية أدت إلى إنتاج قواعد قانونية جديدة نظراً لوجود حراكاً نسوياً موازياً، هنا لا يمكن أن نعمم النتائج لأننا تناولنا دائرة واحدة".
وبينت أن "الباحثة عزة بيضون عملت على قضايا العنف ضد المرأة منها الجرائم الجنسية وغيرها وتعد معظمها جنايات أكثر من كونها جنح، كما اطلعت على قرارات صادرة عن اللجان خاصة التي تضم نساء، وهنا أخذنا دراسة نوعية لكن بالمنفرد أخذنا دراسة كمية أي نوعين بمنهجيتين مختلفتين، وبالمنهجية التي اعتمدنا في الدراسة الكمية استخدمنا أدوات إحصائية، أي اتبعنا نمط دراسة لم يستخدم مسبقاً في علم القانون أو علم الاجتماع القانوني خاصة في الدراسات النسوية، وأنا اعتمدت المنهجية الرقمية لأنها أتاحت لي الحيادية تجاه القاضية".
وأكدت أن "هذه الدراسات سواء الكمية أو النوعية أظهرت اختلافات لكنها لم تصل للمزيد من العدالة كما ينتظر المجتمع من أداء القاضيات، وهنا تساءلنا عن الخلل، حيث قال بعض القضاة عملنا مستمر على الرغم من فساد السلطة، إذاً لماذا ليس هناك ثقة بين الناس والقضاء؟ علينا أن نعمل على هذه الأمور، وكيف يمكن للقاضي أن يتفاعل ويترك أثراً؟ وقد تفاعل الناس من خلال تغطية الصحف للحالتين المذكورتين، عندما استخدمت القاضيتان مهنتهما خارج القانون، ولا أقول إنه تصرف غير قانوني أو أنه خطأ، بمعنى أن الأداء الفردي ترك انطباعاً اجتماعياً، وكأن الناس ينتظرون تفاعلا ً بين المواطن والقاضي، هذا الأمر لم يلمسه المواطن بعد احتجاجات "17 تشرين الأول" والمهم ألا يكون القاضي ناطقا باسم السلطة".
وأوضحت أن "كل الأزمات التي شهدها لبنان، سواء انفجار المرفأ، أو انهيار المصارف، أو سرقة أموال المودعين وغيرها، هو بسبب فساد الحكومة الذي طال النساء بدرجة كبيرة، ولو قام القضاء بعمله لما وصلنا إلى هنا، وعندما نزل الناس في 17 تشرين الأول إلى الساحات لماذا لم يُفعّل هذا الحراك؟ منذ ذلك الحين بدأ الانهيار ولم يتم تفعيل دور القضاء على الرغم من أن الناس كانوا ينتظرون هذه الخطوة؟ وكم من مرات طالب فيها الناس بقضاء مستقل؟" .
وأكدت أنه "عند التفكير بمسألة العدالة والعدالة الاجتماعية يتبادر إلى الأذهان مباشرة دور القضاء والسلطة الدستورية المعنية بتحقيق المطالب وهنا تظهر أهمية الطرح في الكتاب، فالقاضي هو الذي يطبق القانون الذي يصدر عن السلطة التشريعية وهي التمثيل السياسي للعدالة، فالقاضي هو الميزان بين صلابة الانتظام ودور السلطة الأمنية أو السياسية أو الإدارية، فهل ارتفاع نسبة النساء في السلطة القضائية طهر مفهوم العدالة بشكل مختلف بين القاضيات والقضاة، ولكننا وجدنا أنه لم يرد بشكل مختلف، فتعزيز الممارسات بمنظور العدالة الحديثة مع كل التحولات الاقتصادية والاجتماعية بقيت ذات الممارسات السائدة ولم تستخدم النساء الهوامش الإنسانية المعطاة لها لتخترق صلابة القضاء".
وعن علاقة الإنسان بالقانون والقاضي قالت "القانون هو القاعدة التي تصدر عن السلطة وهي قاعدة جامدة، والمجتمع هو الذي يتلقى هذا القانون، والقاضي هو الذي يحكم لجعل القانون أكثر أنسنة، لذا نتحدث عن أنسنة القانون من خلال القاضي، وهنا نميز بين الدور القانوني للقاضي المكرس بالنصوص والدور المعطى بموجب القانون للقاضي، وتقديره ودوره الشخصي الذي يمكن للقاضي أن يترك بصمته على تحرير القاعدة القانونية من خلال قراءته الشخصية والذاتية وهي حق للقاضي بشرط ألا يخالف المبادئ القانونية العامة، ودراستنا جمعت ما بين علم الاجتماع الكمي أو النوعي والمنهجيات القانونية في قراءة القانون وكيفية تنظيم سلوك القاضي وكيفية تفسير النصوص والبحث عن الهوامش التي تركها القانون للقاضي وهل استخدم القاضي/ة هذه الهوامش الشخصية في تجاوز القيود القانونية التي وضعتها السلطات بموجب هذه النصوص أو بقيت خاضعة لنفس الممارسات التي يستخدمها القضاة الرجال".
وأشارت إلى أنه "عند تناول مفهوم حقوق الإنسان في الجيل الثالث أي الأطراف المعنية وأصحاب المصالح ودور النساء وأهمية أخذ قضايا النساء كمفهوم ومعيار لتحقيق العدالة الاجتماعية، على القاضي أن يكون مدركاً لهذا التحولات الاقتصادية والاجتماعية وعلاقتها بتفسير القاعدة القانونية ولتطوير مفاهيمه الشخصية والاجتماعية والاقتصادية عند مقاربته القضايا، كما وأن تواجد النساء في مراكز القرار كجزء أساسي في تفعيل وتطوير القوانين، وليس فقط تلقيها نتائج السلطات والقوانين، وهي تدخل في مفاهيم وثقافة جديدة في مجتمعات ما بعد الحداثة في ظل العولمة وتحول الثقافات والعدالة الاجتماعية في مفهومها الحديث".
وفي ختام حديثها قدمت عزة الحاج سليمان خلاصة الدراسة بقولها "خلال فترة إعدادها كان عدد القاضيات والقضاة متساوياً، ولكن الآن أصبحت نسبة القاضيات بين 65 و 66%، وفكرة الدراسة راودتني بعد انتخابات 2018 وبداية طرح الكوتا النسائية، بمعنى أن تواجد النساء في مواقع صنع القرار يؤدي إلى تأثير إيجابي، كون السلطة في لبنان بالمناصفة، فلندرس أثرها وأثر هذا التواجد، وكباحثين علينا أن نقرأ ما هي الآثار وعلاقة القانون بالمجتمع؟ وفي خلاصة الدراسة تبين أن القاضيات يقمن بدورهن الوظيفي بشكل أفضل من الرجال اعتماداً على الدائرة التي عملنا ضمنها في الدراسة، ولا يمكننا التعميم، فلم يظهر أن النساء استخدمن قدراتهن الشخصية أو الذاتية في تفعيل هذه المقاربة التي تطرحها النظرية النسوية ولخرق هذه الهوامش التي أعطاها القانون للمرأة وللرجل في تطبيق القاعدة القانونية، أي دور الأنسنة للقاعدة القانونية لم يظهر لدى الجنسين".