الناشطة زينة إبراهيم: مبادرة الأمهات حل مؤقت لحين رفع سن الحضانة

استفزها حرمان الأمهات من أولادهن على الرغم من أنها لم تختبر هذه التجربة. تعرفت زينة إبراهيم الناشطة الحقوقية ورئيسة حملة رفع سن الحضانة لدى الطائفة الشيعية، إلى قانون سن الحضانة المجحف بحق الأمهات خلال وجودها في المحكمة الجعفرية عندما كانت توقع أوراق الطلاق من زوجها

كارولين بزي
بيروت ـ . واكتشفت حينها بأن القانون مجحف ولم يأخذ بالاعتبار مصلحة الطفل ولا حق الأم برعاية أطفالها.
 
"باب الاجتهاد مقفل أمام قضايا المرأة"
ينص قانون الحضانة عند الطائفة الشيعية في لبنان بحق الأم بحضانة ابنها لغاية السنتين وابنتها لسن السابعة، أما حق الرؤية بعد سقوط حق الحضانة فلا يتخطى الـ 24 ساعة عند أكثر من 90% من الحالات، وفق ما تقول زينة إبراهيم.
على الرغم من أن الاجتهاد موجود عند الطائفة الشيعية ولكن لا زالت هذا القوانين المجحفة بحق الأم وأولادها هي النافذة، وتوضح زينة إبراهيم لوكالتنا "يقولون بأن باب الاجتهاد مفتوح ولكن فعلياً هو مغلق أمام قضايا المرأة ولاسيما في المحاكم الشرعية، علماً أننا نطالب منذ ثماني سنوات برفع سن الحضانة، ولكنهم يحاولون الالتفاف حول هذا الموضوع". 
لا تنكر زينة إبراهيم بأن أغلب القضايا التي اتجهت فيها الأمهات إلى محكمة الاستئناف، استطعن من خلالها أن يحصلن على حكم لصالحهن، وتضيف "لكن الاستئناف بحاجة إلى محامي بينما في المحاكم الابتدائية تستطيع المرأة أن تمثل نفسها، والحاجة إلى محامي يعني هناك تكاليف وليس بمقدور كل النساء توكيل محامي". 
وتتابع "لا ينفي بعض قضاة الشرع بأن هناك إجحاف بحق المرأة ولاسيما في موضوع الرؤية لمدة 24 ساعة"، وتلفت إلى أنها وخلال حوار مباشر عبر الفيسبوك مع أحد القضاة الشرعيين، اعترف بأن هناك مشكلة حضانة، معتبراً أن رؤية الأم لأولادها لـ24 ساعة هو حكم ظالم للمرأة ومن المفترض أن يتغير، ووعد بتغيير القوانين عند تشكيل الحكومة"، وتضيف "نحن حصلنا على اعتراف منهم وسنلاحقهم استناداً لهذا الاعتراف".
 
"لحلول آنية قدمنا مبادرة الأمهات"
وتتابع "تقدمنا بمبادرة الأمهات وهي مبادرة لا تحتاج إلى تغيير قوانين ولكن يمكن أن نقوم بحل المشكلة في الوقت الحالي إلى حين تغيير القوانين، وهي تنص على أنه بدلاً من أن تذهب الأم إلى محكمة الاستئناف لترفع سن حضانة ابنها إلى سبع سنوات وابنتها إلى تسع سنوات، فلتطبق المحكمة هذا الأمر على كل القضايا بما أنه أمر شرعي وهو تنفيذ لفتوى السيد علي السيستاني نفسه".
تؤكد زينة بأن الضغط في بعض القضايا دفع بعض قضاة الشرع لإعطاء الأمهات حق رؤية وصل إلى أربعة أيام، وما نطالبه من ضمن مبادرة الأمهات هو أن يصبح هذا القرار عرفاً، فبدلاً من أن يكون العرف 24 ساعة إذ لا يوجد نص قانوني ينص على ذلك، فليكن العرف أربعة أيام، وبهذه الطريقة لا نحتاج لتغيير قوانين وهكذا تحصل النساء على بعض حقوقهن، بالإضافة إلى حضانة مشتركة بعد سنوات حضانة الأم لأولادها.
 
"هكذا انطلقت حملة رفع سن الحضانة لدى الطائفة الشيعية"
وتتحدث زينة إبراهيم عن حملة "رفع سن الحضانة عند الطائفة الشيعية"، وتقول "أطلقت حملة رفع سن الحضانة في العام 2012، عندما ذهبت إلى المحكمة الجعفرية للانفصال عن زوجي، كان هدفي الطلاق فقط ولم يكن لدي فكرة عن قانون سن الحضانة ولكن عندما علمت بالقوانين استفزني الموضوع ولذلك أطلقت الحملة ولكن لم يكن لدي مشكلة شخصية بموضوع الحضانة، لأنني عندما انفصلت قرر طليقي ترك ابني معي. ولكن بالتأكيد فكرت لو قرر أن يأخذ ابني مني ما الذي كنت سأفعله، لذلك بدأت أتحدث عن مشكلة الحضانة على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم بدأ عدد من الأمهات بالتفاعل معي وتعرفت إلى نادين جوني حينها وآلاء حميد وغيرهن وهكذا انطلقنا".
وتتابع "لا أنكر أن الموضوع كان بالنسبة لي تحدياً، وبأن ابني معي فقط لأن والده أراد ذلك، ولكن فعلياً مصيري كان بين يديه، ورأيت أن هناك نساء في المحكمة نفسها خرجن من دون أولادهن، وهذا الذي دفعني لأن أطلق الحملة لا حالة أو قضية معينة". 
وتوضح "التحديات كانت كثيرة وأولها أننا نتحدث عن أحكام دينية وهذا الأمر كان من المحرمات، لكن ساهمت الحملة بتغيير هذا الواقع، واستطعنا أن نشجع نساءً من داخل البيئة الشيعية وهي بيئة محافظة جداً، لأن يرفعن الصوت ويطالبن بحقوقهن ويرفضن الواقع المجحف بحقهن". 
وما شجع الأمهات أيضاً أن مطالب الحملة لم تهاجم الدين بل تطرقت إلى ظلم لاحق بأمهات، وما زاد من نسبة الثقة بالحملة هو مشاركة بعض رجال الدين الشيعة ودعمهم للحملة.
عندما طرقت زنية إبراهيم باب رفع سن الحضانة حصّنت نفسها بالفتاوى الدينية ولم تتحدث من فراغ، وتقول "قمت بتحصين الحملة بمساندة من رجال دين، واستندت إلى فتاوى دينية جديدة، كما شارك في الحملة عدد من الأمهات من الطائفة الشيعية اللواتي يعانين من موضوع الحضانة". 
 
"لم نغيّر القانون ولكننا ساعدنا العديد من النساء"
على الرغم من أن الحملة لم تستطع أن تغيّر قانون الحضانة ولكنها ساعدت العديد من النساء، وتقول زينة "خلال ثماني سنوات استطعنا أن نساعد عدداً من النساء، على الرغم من أننا لم نغيّر قانوناً، مثلاً آلاء حميد التي كان لديها مشكلة مع زوجها تتعلق بحضانة أطفالها، ساعدناها عبر عدة نشاطات، منها إطلاق حملة على مواقع التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى تحرك على الأرض وهذه الضغوطات كانت من أجل التأثير على زوجها السابق ليوافق على الحضانة المشتركة، وبالفعل وافق بسبب هذا الضغط، حتى قضاة الشرع أعطوا في بعض القضايا حق الرؤية للأم لأربعة أيام تجنباً لضغط الحملة والتحركات على الأرض، وبالتالي نحاول أن نستعين بقضايا الأمهات اللواتي حصلن على حق حضانة منصف إلى حد ما، للضغط على القضاة لتعميم هذه الحالات وتطبيق هذا القرار على الجميع".
وتؤكد بأنه كان "لمواقع التواصل الاجتماعي دوراً في الحملة ولكن بالتأكيد كان الدور الأكبر للتحركات المطلبية على الأرض التي لم تتوقف حتى في ظل انتشار فيروس كورونا. كما أن شجاعة الأمهات ورفضهن الظلم كان له دور بتغيير الواقع، إذ لا يمكن للمرأة أن تأخذ حقها من دون المطالبة به".
وتوضح "تغيير قانون بحاجة لاقتراح قانون من قبل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، يتقدم به إلى المجلس النيابي لدراسته وإقراره"، ولفتت إلى أن بعض القضاة الشرعيين وعدوا بأن يسيروا بهذه الخطوة مع تشكيل الحكومة بما أن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال.
وعن تحديد مطلب الحملة برفع سن الحضانة إلى 7 سنوات للأولاد و9 سنوات للفتاة، تقول "نحن نتوجه إلى مؤسسة دينية، وبالتالي الأحكام الدينية عند الطائفة الشيعية يجب أن تؤخذ من فتاوى لا يمكننا أن نطالب برفع سن الحضانة من دون وجود فتوى، لذلك نطالب بأن نرفع سن الحضانة للفتاة من سبع سنوات إلى تسع سنوات، وللولد من سنتين إلى سبع سنوات، وفق فتوى السيد علي السيستاني، وهذا المطلب تدعمه الفتوى الدينية وعدد من رجال الدين، وبعدها تأتي الحضانة المشتركة بين الأم والأب إذ أن الحضانة المشتركة لم تذكرها القوانين في المحاكم الدينية، وبالتالي مع إقرار الحضانة المشتركة نضمن أن الولد موجود بين والديه بشكل قانوني".
 
"قانون موحد للأحوال الشخصية لن يحل مشكلة الأمهات الشيعة"
وتلفت إلى أن هناك أكثر من جمعية تطالب بقانون موحد للأحوال الشخصية بحجة مشكلة الحضانة عند الطائفة الشيعية، وتؤكد "نحن نؤيد مطلبهم ولكنني أعتبر أنهم يتسلقون على قضيتنا. بالتأكيد القانون الموحد للأحوال الشخصية هو مطلب وطني، ولكن لا يمكن لهذا الجمعيات أن تسكت طوال هذه السنوات عن الانتهاكات بحق الأم والطفل بالطائفة الشيعية ويتركونا بمفردنا في تحركاتنا ولا نتلقى أي دعم منهم ولو بمنشور على مواقع التواصل الاجتماعي، وعندما وصل صدى مطالبنا إلى المعنيين يقومون بأخذه كما هو من أجل المناداة بقانون لن يحل مشكلة هؤلاء الأمهات تحديداً، لأن الأم التي تعاني من مشكلة حضانة في المحكمة الجعفرية لن تستفيد من القانون المدني".
وتفند زينة إبراهيم ما استطاعت الحملة أن تحققه على مدى ثماني سنوات وتقول "استطعنا أن نغيّر خلال ثماني سنوات، من عقلية المجتمع، غيّرنا بالمجتمع الشيعي وخصوصاً في كيفية النظر إلى قضايا المرأة. حتى أن هناك من كان يجهل وجود مشكلة حضانة، والأم التي كانت تعاني من مشكلة كانت تسكت وتقفل باب منزلها عليها، لأنها تدرك بأن القانون لن ينصفها. شكلنا بعض الضغط على المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وعلى المحاكم الجعفرية وقمنا بإحراجهم وهي المرة الأولى التي تحصل في تاريخ لبنان وأنا فخورة بهذا الإنجاز. وأفضل ما في ذلك بأن لا سقف لمطالبنا فلا يوجد من يقوم بتمويلنا لأننا لا نريد لأحد أن يتحكم بأصواتنا، وعدم وجود سقف لمطالبنا ساهم بجعل الناس تثق بنا".