المرأة والقانون نحو تحقيق المساواة في الجزائر
تعتبر الحركات النسوية المناضلة في مجال حقوق المرأة والدفاع عنها الحركة السياسية الوحيدة عبر العالم التي عليها أن تقطع كل الممارسات التقليدية الماضية وتقطع صلتها بالماضي لكي تجد لنفسها موقعاً في الفضاء العام وتسطر استراتيجية وأهداف واضحة
نجوى راهم
الجزائر ـ من أجل الوصول إلى نتائج إيجابية في مجال حقوق النساء وتوعيتهم بمطالبهم ومشروعيتها.
صوت المرأة ثورة شعار لطالما تغنت به النسويات الجزائريات في حراك 22 شباط/فبراير 2019، لمواصلة الدفاع عن حقوقهن وإعادة الاعتبار للدور الحقيقي الذي تقلدته المرأة الجزائرية منذ وقبل الاستقلال، لكن المشرع الجزائري لم يبقى صامتاً أمام هذه المطالب وسن ترسانة قانونية جديدة استجابة لنضال المرأة في الجزائر.
وقد تناولت المواثيق الدولية والمعاهدات حقوق المرأة في الجزائر من أجل تكريس مبدأ المساواة والعدل والتكافؤ في الفرص بين الجنسين حسبما شرحته المحامية عائشة زميت لوكالتنا.
أوضحت عائشة زميت أن "قوانين الاتفاقيات الدولية تناولت حقوق المرأة في العالم ككل، أولها ميثاق الأمم المتحدة لسنة 1945، وكذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، والذي ينص على المساواة في الحقوق والواجبات بين الجنسين دون تمييز".
إلا أن عائشة زميت تعتبر أن الإعلان العالمي لم يكن كافياً بصفته وثيقة نثرية فقط، "توالت الاجتهادات للنهوض بمجال حقوق الإنسان والمرأة بشكل خاص من خلال العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وذلك بالسماح بممارسة الحقوق السياسية للمرأة واكتساح مناصب سياسية في مؤسسات الدولة، هذا إن تكلمنا عن المكتسبات، بالإضافة إلى مشاركة المرأة في الحياة السياسية بطرق غير مباشرة من خلال الحق في الانتخاب والإدلاء بصوتها لصالح جهة دون أخرى".
وأشارت إلى أن "الدستور الجزائري على غرار الدساتير العربية الذي وقع على الاتفاقيات التي كرست مبدأ المساواة وتوسيع صلاحيات المرأة في النشاط السياسي حيث استطاعت الجزائر أن تبرهن ذلك من خلال تعيين أول وزيرة عام 1984، لتتوالى بعدها المكتسبات من خلال نضال النساء المستمر، وضمان مشروعية حق المرأة في الترشح عام 2004، بترشح البرلمانية السابقة ورئيسة حزب العمال حالياً لويزة حنون".
لكن من وجهة نظر أخرى تقول عائشة زميت أن "هذه المكتسبات كانت شكلية فقط، وذلك من خلال منح حقائب وزراية دون فعالية في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وكأنه امتداد للصورة التقليدية للنساء في البيت، على سبيل المثال منح المرأة منصب وزيرة للتربية والتعليم وكأن وظيفتها محصورة في التربية فقط، ووزيرة للبيئة اقتصاراً لدورها في التنظيف، وهذا ما ساهم في هشاشة القطاعات من خلال حصر الوزارات في الصورة النمطية للمرأة في المجتمع الجزائري".
صعوبات كثيرة تحول دون تحقيق أهم مطالب النسويات الجزائريات والتي يعتبرنها أهداف مشروعة في مجتمع تطغى عليه الذكورية والأبوية، حيث شاركت المرأة الجزائرية عبر التاريخ في محطات مختلفة بالحرص على الأرض والهوية وسجلت حضوراً قوياً في الحياة العامة والمساهمة في قطاعات عدة منذ وأثناء الاستقلال وإلى غاية اليوم، وواكبت مسار التغيير الحاصل في جميع الميادين، واعترافاً بدورها وأهميتها في الأسرة والمجتمع، حيث حاولت الدولة جاهدة أن تولي أهمية كبرى لحقوقها السياسية والمهنية وحمايتها.
وحول تحقيق مطالب المرأة السياسية من خلال نصوص قانونية في دستور 2020 بعد سنوات من النضال فتقول "المشكلة تكمن في الدستور الذي تبنى عليه القوانين فإن أعدنا النظر في المواد المتعلقة بالحد من العنف ضد المرأة فنجد تراجع كبير مقارنة بالتطور الذي حققته النساء في الجزائر، كما وتعود المشكلة إلى تفعيل آليات العنف عن طريق التوعية والتشجيع على التبليغ ووضع آليات ما بعد التبليغ، فمثلاً أغلب الشكاوي في المحاكم مصنفة ضمن عنف أزواج لزوجاتهم ولكن في غياب الميكانيزمات يحتم على المرأة العودة إلى معنفها بعد التنازل على الشكوى وهذا ما يضعف نسبة حظوظ النساء في التبليغ أو تقديم شكوى مرة أخرى".
يعتبر الكثير من الحقوقيين والباحثين أن التمييز بين الجنسين في مجالات متعددة عالمي، ولهذا لا يمكن حصره على دولة دون أخرى، لكن تمكنت الكثير من الدول العربية تخطي هذه العتبة بمراحل على عكس الجزائر التي ما زالت تقف عند مصطلحات حساسة بالنسبة للرجل كالعدالة والمساواة.
وعن سؤالنا عن الذي تبحث عنه المرأة من خلال الدفاع عن حقوقها ومطالبها تقول عائشة زميت "الحقوق شكلية وليست واقعية، فهي ما زالت موجودة على الورق دون التطبيق على أرض الواقع، وبالتالي يسهل علينا القول أن مشكلة الذهنيات أعمق من كل الشكليات لأنها مرتبطة بالتربية".
وأضافت "يجب توعية النساء بحقوقهن، وعليهن إثبات قدرتهن على خوض العمل السياسي"، مشيرةً إلى أن "نتائج انتخابات 12حزيران/يونيو الماضي، قللت حضور التمثيل النسوي في المجلس الشعبي الوطني بنسبة 8%، وهذا ما يجعلنا نقول إن الدساتير مجرد نصوص تجحف بحق المرأة، فلو كانت هناك مساواة بين الجنسين لكانت المرأة في مراكز قيادية، لأن نسبة نجاح النساء أكثر من الرجال في الجامعات والمدارس، وبالتالي هذا عامل من عوامل قوة للنساء لتقلد مناصب أكثر".
وبحسب آراء بعض النسويات التي رصدتها وكالتنا، فقد ناضلت النسويات الجزائريات إلى جانب قريناتهن حول العالم، من أجل الدفاع عن حقوقهن من خلال مطالب كثيرة منها الحق في التعليم والعمل والمساواة بين الجنسين والعدالة والحرية والحق في العيش في حياة كريمة.
لكن تسجيل أكثر من 80 امرأة ضحية لمنهج قتل النساء في الجزائر ما بين عامي 2020 ـ 2021 مع انعدام أرقام رسمية من قبل الجهات المختصة هو ما تعتبره النسويات اليوم نقطة تراجع في تاريخ النضال النسوي بالجزائر، خاصةً بعد أن استطاعت المرأة الجزائرية تنظيم نفسها في جمعيات ومنظمات مدافعة عن حقوق النساء منذ عام 1962.
سايرت الجزائر كغيرها من الدول الأخرى سمو المواثيق الدولية والاتفاقيات على بعض القوانين الداخلية من خلال منح الكثير من الامتيازات للنساء بجانب الرجال، ولكن حسب وجهة نظر المحامية عائشة زميت فإن النساء اللاتي أخذن مناصب في البرلمان عبر الكوتا سابقاً، لم يكن لهن دور فعال في إظهار صورة حقيقية واثبات قدرات المرأة الجزائرية المكافحة والمثابرة من أجل الدفاع عن حقوقها وتحقيق مطالبها وهذا يمكن أن تكون له عدة خلفيات سياسية مفتوحة على احتمالات منها آليات تطبيق النصوص القانونية وتفعيلها وإعادة تعديل قانون العقوبات وإيمان الجهاز القضائي بفكرة حقوق المرأة ومسايرتها وفقا للمواثيق الدولية.