المرأة الفلسطينية في أبحاث هداية شمعون خلال 15 عاماً
تساؤلات صغيرة قد تتحكم بمحور حياتك فيما بعد خاصةً عندما تسعى لإيجاد تفسير منطقي لها ولا تجد، وهذا ما حدث مع هداية شمعون عندما كانت تسأل نفسها لماذا التمييز بين النساء والرجال
رفيف اسليم
غزة ـ تساؤلات صغيرة قد تتحكم بمحور حياتك فيما بعد خاصةً عندما تسعى لإيجاد تفسير منطقي لها ولا تجد، وهذا ما حدث مع هداية شمعون عندما كانت تسأل نفسها لماذا التمييز بين النساء والرجال، وهل المرأة الفلسطينية هي الصامدة كما يقدمها الإعلام أم أن هناك صورة أخرى كالضحية التي تحكمها عادات مجتمعها، لتكرس جزء كبير من حياتها المهنية فيما بعد لدراسة أوضاع النساء والصور التي من الممكن أن يظهرن بها في كافة المجالات.
تقول الكاتبة والباحثة والإعلامية هداية شمعون لوكالتنا أنها لم يروق لها أن تمنع الفتاة من التعليم أو العمل أو ممارسة أي نشاط لمجرد أنها امرأة فطالما كانت النساء قادرات على صنع ما يريدن بجدارة، مشيرةً أنها بدأت تتنبه لذلك التمييز خلال المرحلتين الإعدادية والثانوية فلجأت للكتب والمجلات والروايات العربية والأجنبية لتطالع وتقارن وتفهم في ذات الوقت كيف يرى العالم المرأة.
ومع مرور السنوات لاحظت هداية شمعون أن الهجوم يشن على أي أفكار غريبة تطرحها المرأة خاصةً عندما قررت دراسة الإعلام في عام 1997 ملتحقة بأول دفعة برفقة خمس فتيات فقط لتصبح صوت النساء فيما بعد، مواجهة عدة انتقادات من بينها أنها ستجوب الطرقات بلا هدف فيما لم يكن هناك أي تصور أن ذلك العمل سيسلط الضوء على قضايا الأغلبية الصامتة من النساء اللواتي لا تستطعن الحديث عن أنفسهن.
انتقلت من المجال الإعلامي بمجلة الغيداء وهي أول مجلة مختصة بقضايا النساء، لمجال البحث العلمي فاستهدفت المرأة في جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، وربطت الواقع الفلسطيني المتمثل بـ "الاحتلال الإسرائيلي" والانقسام وكيفية تأثيره على قضاياها، مشيرةً إلى أنها تحدثت في موضوعات لم يجرأ أحد على الخوض بها من قبل، كالتحرش الجنسي لتتلقى تهديدات مختلفة عبر المكالمات الهاتفية وتقابل باستهجان واسع وكأن تلك الحوادث من محض الخيال.
وأضافت أن قناعتها التامة بأنه حتى لو أنكر المجتمع وجود تلك القضايا يبقى الكشف عنها مسؤولية مهنية واجتماعية، وهو ما جعلها تكمل عملها بنقل تلك التجارب عبر مقالات نقدية وأوراق بحثية في مؤتمرات عكست واقع المرأة، والمشهد الفلسطيني خاصةً أن بعض الضحايا كانت ترغب في نقل تجربتها كي لا تقع ضحيتها امرأة أخرى، لافتةً إلى أن تلك الأبحاث تعد عين الحقيقة لفهم وتشخيص واقع النساء، والبدء بتحسين ذلك الواقع من خلال التوعية والتثقيف وتحسين التشريعات.
وأوضحت أنه من أكثر القضايا التي شملها مجال التوعية موضوع الزواج المبكر، فكانت تسعى لإقامة الورش في المدارس الإعدادية والثانوية، وورش أخرى للآباء والأمهات كي يتم توضيح المخاطر الصحية التي ستعاني منها الفتاة فيما بعد، وشمل أيضاً قضية الإرث من خلال تعريف النساء بحقوقهن، وتوكيل من يدافع عنهن بالمحاكم وقد ساعد ذلك في تبديل الواقع من خلال مشاركة المرأة في الوقفات التضامنية للمطالبة بحقوقها.
وبالإضافة إلى القضايا السابقة، درست هداية شمعون من خلال أوراقها البحثية، واقع اللجوء وتأثيره على اللاجئات والواقع المهني للإعلاميات، منتقلة للواقع السياسي وسبب عزوف النساء عن المشاركة السياسية لتكتشف أن الفتيات ليس لديهن الوعي الكامل ببعض المفاهيم السياسية، كالفرق بين الانتماء والمشاركة السياسية بالإضافة إلى أن الأحزاب والنقابات نفسها لا يوجد لديها خارطة واضحة، ومحددات لتوعية وإشراك الفتيات والنساء في برامجها.
كما أن المحددات المادية تمنع الشابات من المشاركة في الأحزاب فتلجأن للدراسة أو العمل كي تأمنّ مستقبلهن، وتنصرفن عن المشاركة التي لن تحقق لهن أي فائدة في ظل الإيمان الضعيف بقدرة النساء ودورهن في صنع القرار، عدا عن المجادلات الداخلية في الحزب التي تحول دون تقلد النساء المناصب داخلها.
ولم تستثني هداية شمعون قضية العنف ضد المرأة من أبحاثها محاولة كسر الصورة النمطية للمرأة الفلسطينية الصامدة، وتقديمها بصور أخرى إلى جانب تلك الصورة السابقة المتواجدة في المجتمع كتبعيتها للرجل في بعض الأحيان وتهميشها في أحيان أخرى ليحقق عنصر التنوع، مشيرةً إلى أن المرأة الفلسطينية ما زالت تناضل لمواجهة عادات مجتمعها وأفكاره البالية.
وعن التنوع في تغطية قضايا النساء أوضحت أن الإعلام المحلي لا يقدم سوى الصور الشابة فتهمش النساء المسنات اللواتي يحملن تجارب مختلفة وأسرار البلاد، لافتةً إلى أنه حتى الإعلام العربي كان يحصر زوايا المرأة قديماً بالفن والأزياء والطبخ والكلمات المتقاطعة، مما يضع علامات استفهام حول الدور الذي تقدمه النساء في المجتمعات.
وأشارت هداية شمعون إلى أنه في الآونة الأخيرة فرض ظهور مواقع التواصل الاجتماعي مشكلات جديدة متعلقة بأمن النساء الرقمي كالابتزاز الجنسي، إضافةً للتنمر على المرأة بعبارات ساخرة مما يشكل انتهاك لخصوصيتها وقدرتها على التأثير في الأجيال.