'العمل هو سند المرأة'
تواجه النساء في العراق العديد من القيود منها مجتمعية وقانونية خلال مشاركتها في سوق العمل
غفران الراضي
بغداد ـ ، ومع تفاقم سوء الوضع الاقتصادي وتقنين التوظيف الحكومي تتعرض المرأة للتمييز على أساس الجنس في مكاتب التوظيف الأهلي.
أقل من 15% هي نسبة النساء العاملات في العراق بحسب آخر الإحصائيات الحكومية التي اعتمدها البنك الدولي والتي هي أقل نسبة عمل للمرأة على المستوى العالمي.
تقول "ي.ل" وهي موظفة في مخزن أدوية "أعمل هنا منذ عشر سنوات وعلى الرغم من إخلاصي وإتقاني للعمل إلا أنني أتعرض للتهديد بإنهاء خدماتي إذا ما فكرت بالإنجاب، كما أن هناك قيوداً أخرى تتعلق بالطريقة الذكورية للمجتمع تجاه المرأة منها محاولة توكيل مهمات بعيدة عن اختصاصي كالضيافة وغيرها لمجرد أنني امرأة".
ويقوم العديد من أرباب العمل بفصل النساء من عملهن بسبب الحمل والإنجاب، بالرغم من أنه لا وجود لنص في قانون العمل العراقي يحظر على وجه التحديد فصل المرأة من العمل بسبب الحمل، ويحظر على أرباب العمل التمييز ضد النساء في العمل بموجب المادة ١١ من قانون العمل، وبموجب المادة 87 يحق للمرأة إجازة أمومة لمدة 14 أسبوعاً مدفوعة الأجر.
لكنها تجد أن ما تتعرض له أفضل بكثير من حالات أخرى تتمثل بالتحرش أو اختيار الموظفة على أساس المظهر والأزياء "تواجه المرأة تحدي كبير لتقنع عائلتها أو زوجها بالعمل ثم تواجه مجتمع الشركة أو المؤسسة التي تعمل بها لتقنعهم بنفسها وبعملها، وكذلك على المرأة أن تتبع سياسة مناسبة للتعامل لتفرض احترامها".
ومع كل تلك الصعوبات تعتقد "ي.ل" أن عمل المرأة هو مصدر القوة والسند لها، وعليها ألا تتخلى عنه وأن تطور قدراتها في مجال اختصاصها.
وخلال مرحلة دخول سوق العمل والاستمرار فيه، فإن النساء في العراق يواجهن حواجز قد تمنعهن من الدخول أو تؤدي إلى انسحابهن، من بينها القيود القانونية، والتمييز من قبل أرباب العمل، والتحرش في مكان العمل، والقيود في التنقل، فبحسب آخر الإحصائيات تعرضت واحدة من بين كل ثلاث نساء في العراق لتحرش لفظي في الأماكن العامة، وتعرضت واحدة من بين كل خمس نساء لتحرش جسدي.
أما "ف.ج" وهي محاضرة مجانية تم تعيينها بعقد قبل أشهر، فقصتها مختلفة تماماً حيث أن معاناتها بدأت بعد التخرج من كلية الآداب قسم اللغة الإنكليزية، وباءت محاولاتها لإقناع إخوتها بالعمل في شركات أهلية أو مؤسسات القطاع الخاص بالفشل، ومع صعوبة توفر فرصة التوظيف الحكومي قررت أن تلجأ لخيار آخر وهو التدريس المجاني في مدرسة قريبة من منزلها لحين توفر درجات وظيفية فتكون الأولوية للمحاضرين المجانيين بحسب نظام متبع منذ سنوات في وزارة التربية.
وبعد ثلاث سنوات تم تعيينها بعقد بعد مناشدة ومظاهرات للمحاضرين المجانيين في بعض محافظات العراق إلا أن أجور العقد زهيدة جداً.
تؤكد "ف.ج" على ثلم جماح طموحها بقولها "على مدى ٤ سنوات كنت الأولى على دفعتي ولدي شغف كبير باللغة الإنجليزية تؤهلني للحصول على وظيفة ترجمة في مؤسسة مهمة وراتب مجزي لكن إخوتي فرضوا عليَ عمل لا أحبذه ولا أجد به غايتي وطموحي".
وتضيف "أنا والكثير من النساء اضطررنا للعمل كمحاضرات ومعلمات لاعتبارات بعيدة كل البعد عن تفكيرنا بمستقبلنا العملي، فمن غير المعقول أن أكون مجبرة على ترك فرص عمل مهمة لكي أرضي أخي الذي يرفض أن أعمل في مكان خارج حدود المنطقة".
إلا أنها لا زالت تعتقد أن العمل كمعلمة وأن لم يكن طموحها أفضل من البقاء حبيسة المنزل، وتجد أن عمل المرأة هو ضمانها الوحيد في الحياة ومنه تكتسب القوة.
كما حدثتنا "ب.م" وهي مهندسة اتصالات عن مدى ما تعيشه من حزن وألم نفسي وهي تتخلى عن أحلامها مجبرة ولا تستطيع أن تقدم شيئاً لنفسها أو إعالة أولادها.
وبدأت القصة بعد وفاة زوجها قبل ٥ أعوام لتصبح أرملة في أواخر العشرينات من عمرها وأم لطفلين وتعود إلى أهلها حاملةً مسؤولية صعبة وقاسية على كاهلها "بعد وفاة زوجي أصبحت تائهة خاصةً وأنني كنت ربة منزل فلم أجرب التعامل مع المجتمع والعمل بعد التخرج وكنت أسير بحسب قناعات عائلتي بأن مكان المرأة هو منزل الزوجية، لكن بعد وفاة زوجي فهمت أن قوة المرأة في قدرتها على مواجهة الحياة لوحدها".
وكأي أرملة شابة تتعرض لحكم الأهل اصطدمت بحاجز رفض لأي تحرر من ولايتهم على حياتها ورغبتها في العمل والذي جعل الأمر يزداد سوءاً كما تقول، وانفرد إخوتها في التحكم بمصيرها بعد وفاة والدها لتصبح من دون معيل حقيقي.
تقول إنها تعيش مرحلة صعبة من حياتها تعتمد فيها على راتب رعاية اجتماعية من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وتعتقد أنها تتعرض لاحتقار إنساني كونها متعلمة وقادرة على العمل وتجد نفسها عاجزة لتعيش بمنحة حكومية "لا أعرف كيف أفسر ما أعيشه من ضغط نفسي فأنا لا أستطيع أن اتخذ قرار العمل بسبب إخوتي وبنفس الوقت إخوتي لا يوفرون ما يحتاجه أطفالي من سبل عيش كريم".
ويؤكد تقرير البنك الدولي أن النساء والفتيات يحتجن المهارات المناسبة للاستعداد للانتقال بنجاح من الدراسة إلى العمل، إلا أن نسبة الفتيات اللاتي يكملن تعليمهن الابتدائي في العراق لا تتجاوز سوى النصف بقليل، مقارنةً بثلاثة أرباع الفتيان، ومن بين الأطفال في سن 13 عاماً، يواظب 80% من الفتيان على الذهاب إلى المدرسة، مقارنةً بنسبة لا تتجاوز 40% من الفتيات.
من جانب آخر تؤكد الصحفية والناشطة وسن حافظ أن العمل هو سند المرأة وقوتها وعلى الأهل أن يكونوا أساساً لتمكين المرأة لإيجاد فرصة عمل بعد إتاحة التعليم "تعاني المرأة من تمييز وكذلك من مضايقات في العمل بسبب نظرة المجتمع الذكورية فلا يزال الرجل ينظر إليها على أنها جسد فقط".
في الوقت الذي تتحدث به وسن حافظ عما تتعرض له المرأة من مضايقات تؤكد أن المرأة استطاعت النجاح عملياً وإثبات نفسها "الأمثلة كثيرة على نجاحات النساء فنجد المرأة في مواقع مختلفة هي المديرة والناجحة والمؤثرة وهذا يحتاج بالدرجة الأساس لوسط داعم كالأسرة والزوج".
بينما تعتقد أن حرمان النساء من العمل والتأثير في المجتمع يعود بالسلب على شخصية المرأة وحياتها وحياة أسرتها وأولادها، كما تؤمن بأن قوة المرأة في التعامل مع الحياة والمجتمع ضرورية لتكون مطلعة ولا تستغل أو تستدرج للنيل منها، وربما هذا أهم ما يخيف بعض الأسر التي تمنع نسائها من العمل والاختلاط في مجالات الحياة المختلفة، كما تقول.
وتضيف "إذا أراد الأب أو الأخ أن يحافظ على ابنته أو أخته عليه أن يتمم تعليمها أولاً وأن يفسح لها المجال للعمل والاختلاط لتكون على مستوى من العلم والمعرفة في مواجهة الحياة ومدركة لما يدور خلف جدران المنزل".
كما أن وجود المرأة في العمل ومجالات الحياة المختلفة مع الرجل يخلق الاعتياد الذي يقلل ويخفف من وطأة التمييز والتحرش ويخلق مجتمع صحي.