'الفراغ القانوني يوجه مسار سوريا نحو عدم الاستقرار واندلاع الفوضى'
طالبت المحامية بشيرة جمال الدين الحكومة المؤقتة في سوريا بإعادة النظر في سياستها وصياغتها للدستور الجديد، مؤكدةً أن عدم تقبل المكونات الأخرى يفتح المجال أمام تقسيم سوريا.

روبارين بكر
الحسكة ـ في ظل الفراغ القانوني الناتج عن إلغاء الدستور السابق الذي صاغه النظام عام 2012، ومع الإعلان عن دستوراً ينظم المرحلة الانتقالية والتي يتوجب أن توجه مسار البلاد نحو الاستقرار وإعادة البناء، إلا أن الفراغ القانوني وتهميش دور المكونات ما يزال قائماً في سوريا.
يعد الفراغ الدستوري من أحد أبرز التحديات التي تواجه الأنظمة القانونية والسياسية، وغياب الدستور وعدم صياغته بشكل عادل ومتساوي وبدون وجود إطار قانوني يؤدي إلى تفكيكك المرجعية الدستورية لعمل السلطات بين الحاكم والمحكوم، وعدم حصول بعض المكونات على حقوقها في الدستور الجديد يدل على رفض التنوع الثقافي والديني والعرقي في سوريا ولن يكون متوافقاً مع القوانين والمواثيق الدولية ومبادئ صياغة الدستور.
تقول الرئيسة المشتركة لاتحاد المحاميين بمدينة الحسكة في إقليم شمال وشرق سوريا بشيرة جمال الدين، أنه منذ الثامن من كانون الأول/ديسمبر الفائت أي بعد سقوط نظام الأسد وتعيين أحمد الشرع "الجولاني" رئيساً للحكومة المؤقتة، دخلت البلاد مرحلة جديدة "عندما تكون المقدمات خاطئة فالنتائج كذلك ستكون خاطئة وهو الحال بالنسبة لسوريا وما تمر به في وقت تعاني فيه من فراغ قانوني"، مشيرةً إلى أنه "عندما عقد (مؤتمر النصر) حضرته شخصيات لا تمثل كافة السوريين، فهم عناصر مسلحة أيديهم ملطخة بدماء أبناء سوريا، وقانونياً لا يجوز حضور تلك الشخصيات العسكرية في هكذا مؤتمرات ووجودهم بحد ذاته يخالف المواثيق الدولية".
ولفتت إلى وجود المرتزق أحمد الجاسم "أبو عمشة" وحاتم أبو شقرا قاتل السياسية هفرين خلف، اللذان تسببا في ارتكاب الكثير من الانتهاكات في المناطق التي احتلتها تركيا من بينها عفرين وتل أبيض ورأس العين، مؤكدةً أنه يتوجب على الحكومة المؤقتة محاكمة هؤلاء الاشخاص بدلاً من تتويجهم وتعيينهم في المناصب التي يتولونها الآن "وجودهم يشكل خطراً كبيراً على مستقبل سوريا وأمنها، فمعظم من حضر المؤتمر ليسوا بسوريين، ففي الآونة الأخيرة تم منحهم الجنسية السورية، وهذا خارج القانون".
وعن اللجنة التي شكلتها الحكومة المؤقتة لصياغة مسودة الدستور عقب مؤتمر الحوار الوطني قالت "بعد مؤتمر النصر تم تحديد أعضاء اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني الذي تم إقصاء عدد من المكونات السورية ومنهم مكونات إقليم شمال وشرق سوريا لعدم تلقيهم دعوة الحضور، وشارك فيه حوالي 500 شخص، وهذا المؤتمر ليس له نتائج إيجابية على أرض الواقع، تخدم حقوق المكونات ولم يحقق أهدافه وذلك لعدم وجود أحزاب سياسية ومنظمات مدنية، فالمتواجدون كانوا أفراد والفرد لا يمثل إرادة وحقوق الشعوب بل يمثل مصالحه".
وعن الدستور وتعريفه وهل يمتلك أعضاء اللجنة الخبرة لتحمل هذه المسؤولية لصياغة دستور مدني يوافق عليه جميع السوريين أكدت أنه "في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الدستور وثيقة حقوقية ودولية تشمل الإعلان الذي تبنته الأمم المتحدة في كانون الأول 1948 وهو القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة ونظام الحكم إذا كان ملكي أو جمهوري وشكل الحكومة إن كانت رئاسية أو برلمانية، أي أن الدستور ينظم السلطات التشريعية، القضائية والتنفيذية".
وأضافت "اللجنة الدستورية من لون واحد وسوريا متنوعة بثقافات ومكونات وإثنيات وأعراق وقوميات متعددة، ولدينا في إقليم شمال وشرق سوريا نموذج ديمقراطي وعقد اجتماعي يحافظ على حقوق جميع المكونات وهو بمثابة دستور ناجح في مناطقنا وإن اتخذت الحكومة المؤقتة هذا النموذج في الدستور الجديد ستحافظ على حقوق الجميع".
وأكدت بشيرة جمال الدين بأن الشعب السوري يعيش في مرحلة عدم الاستقرار وفوضى قانونية وإنكار الوجود في وقت يتوجب الحفاظ على مطالب جميع المكونات، وما يقوم به أحمد الشرع "الجولاني" لا يستند إلى القانون، مبينةً أنه "هناك مبادئ أساسية لكتابة الدستور، ومنها تحديد الهوية للسوريين، وتعزيز الهوية الوطنية الشاملة للجميع، وسيادة القانون والتداول السلمي للسلطة، والعدالة الانتقالية، والشفافية في الوصول إلى الحقائق، والتنمية المستدامة ومبدأ المساواة بين الجنسين وغيرها الكثير من المبادئ التي يجب أن تذكر في الدستور السوري الجديد".
وبينت أن للحكومات ثلاثة أشكال من الناحية القانونية وهي الحكومة الانتقالية الديمقراطية ويكون الاتفاق بين مجلس الشعب والبرلمان وأعضائه، وحكومة انتقالية نصف ديمقراطية عندما لا يكون هناك توافق بين مجلس الشعب والبرلمان بالإضافة لحكومة غير ديمقراطية.
واعتبرت أن الفوضى التي تعيشها سوريا تثبت عدم شرعية المؤتمرات التي تعقد لصياغة الدستور وما يقوم به أحمد الشرع ليس له مسند قانوني، متسائلةً "من أين أخذ شرعيته؟ هل من المؤتمرات التي عقدت وتنصيب نفسه؟"، لتؤكد أن لا شرعية إلا من الشعب "من حق الشعب السوري بكافة أطيافه ومكوناته أن يقرر مستقبل بلاده".
وعن دور المجتمع الدولي في صياغة الدستور السوري الجديد من الناحية القانونية وهل يمتلك صلاحية وضع الدستور قالت بشيرة جمال الدين "المجمع الدولي منذ سقوط الأسد وإلى الآن دوره غير واضح في الأحداث التي تشهدها سوريا، فهو لا يبدي أي موقف حيال ما يحدث".
وبينت بأن سوريا متنوعة ومتعددة الثقافات والمكونات من الكرد والعرب والسريان والاشور وغيرهم "إقصاء المكونات من مؤتمر الحوار الوطني واللجنة التحضيرية لصياغة الدستور يعتبر ظلماً بحقهم وتهميشاً لدورهم ووجودهم، والمرأة أيضاً حرمت من حقوقها في الدستور ولم نرى لها أي دور في تشكيله خاصة أن المرأة هي العنصر الفعال في المجتمع السوري، وقد ناضلت وكافحت ضد الظلم طيلة الحرب السورية، ونساء إقليم شمال وشرق سوريا لعبنّ دوراً ريادياً في قيادة المجتمع في الساحة العسكرية والسياسية والدبلوماسية وغيرها".
وشددت على "أهمية أن يكون دور المرأة فعال ضمن لجان صياغة الدستور وأن يمنحها حقوقها"، مطالبةً الحكومة المؤقتة بضرورة مشاركة جميع فئات الشعب بشكل متساوي وعادل في الحقوق والواجبات، وأن يكون دور المرأة أساسياً وفعالاً في تشكيل اللجنة الدستورية، وأن يكون لها صوت قوي ضمن الكوتا بنسبة لا تقل عن 50% في الحكومة الجديدة، موضحةً أن "أشخاص أمثال عائشة الدبس لا يمثلون حقيقة المرأة بل يخدمون مصالح الدولة، ونحن نرفض وجود تلك النساء لتمثيلنا، فيجب أن تمثلنا نساء مؤمنات بقضية المرأة وأن يعمل الرجال جنباً إلى جنب لإنشاء مجتمع ديمقراطي".
وفي ختام حديثها أكدت الرئيسة المشتركة لاتحاد المحاميين في إقليم شمال وشرق سوريا بشيرة جمال الدين، على أن "الحكومة المؤقتة إن لم تعد النظر في وضع سوريا ومنح المكونات الأخرى حقوقها فسوف تتجزأ سوريا، وأكبر مثال على ذلك الوضع الراهن في السويداء وجرمانا والقنيطرة وحالات الفوضى الحاصلة هناك يفتح الابواب أمام تقسيم سوريا".