الباب الأسود المُفضي إلى العتمة... رواية النساء المعتقلات في سجن ديزل آباد
سجن ديزل آباد في كرماشان، مكان لا تقتصر فيه معاناة النساء السياسيات على السجن، بل تمتد لتشمل الإذلال، والتعذيب، وسوقاً سوداء تبتلع الحياة.

نسيم أحمدي
كرماشان ـ "المصباح الذي يبقى مضاءً طوال الليل أمام السجن، يرسل من نافذته شعاعاً من النور فوق سريري"، هذه العبارة هي مقتطف من وصفٍ مشحون بالأمل داخل تجربة السجن، كتبتها رزا لوكسمبورغ. رغم قتامة المكان، استطاعت أن ترى ذلك الضوء الخافت كمصدر رجاء يكسر جبروت الظلام والوحشة.
لكن ليس جميع من اختبروا السجن رأوا فيه بصيص نور، فكثيراً ما تكون العتمة داخله تجربة مرعبة، خصوصاً للنساء اللواتي يدخلن هذا العالم القاسي لأول مرة، كما حدث مع العديد منهن في سجن ديزل آباد بمدينة كرماشان شرق كردستان أو في مراكز احتجاز أخرى.
سجن ديزل آباد... مقبرة للنشاط السياسي
إن البيئة الأمنية السائدة في سجن ديزل آباد، وخوف السجناء بعد إطلاق سراحهم، قد صعّبت الحصول على معلومات كافية عن ظروف وأوضاع السجناء خلال فترة سجنهم. ومع ذلك، فإن المعلومات القليلة التي سُرّبت عن ظروف السجن وأجواءه تُشير إلى بيئة مُرعبة ومُخيفة للغاية.
قسوة حراس السجن، والضغط النفسي الشديد، وتعدد العصابات داخل السجن، وغيرها، ليست سوى أمثلة قليلة على الضغوط التي يواجهها السجناء.
حكاية آرزو... سياسة الإذلال والتعذيب في جناح النساء
آرزو، من مدينة قصر شيرين في كرماشان، تم اعتقالها خلال احتجاجات عام 2019 إلى جانب شقيقها. بعد التحقيق والاحتجاز، نُقلت إلى سجن ديزل آباد، حيث تُحتجز النساء من خلفيات جنائية متعددة دون أي فصل بناءً على نوع الجريمة. بصفتها معتقلة سياسية، وُضعت مع نساء متهمات بالدعارة أو بيع المخدرات، مما خلق بيئة عنيفة تحكمها الصراعات.
حين سُئلت عن جريمتها، تجنّبت الإفصاح عن كونها سياسية وادّعت أنها سُجنت بتهمة "السرقة"، لكن يبدو أن المعلومة كانت قد وصلت إليهن مسبقاً، فتعرضت لمضايقات قاسية. حتى إدارة السجن كانت تشجع السجينات على تعذيب المعتقلات السياسيات، مما جعل تجربتها في الزنزانة الجماعية أشد قسوة من التحقيق أو الحبس الانفرادي.
وتضيف آرزو "التعامل مع الجرائم الأخرى داخل السجن، بما فيها القتل، كان أكثر تساهلاً مقارنةً بالسجينات السياسيات، اللواتي يعانين من الإذلال اليومي، مثل تدنيس الأغطية أو افتعال الشجارات بهدف العنف"، مشيرةً إلى أنها وجدت الحبس الانفرادي "أرحم" من البقاء في زنزانة جماعية مليئة بالعدائية المنظمة.
واحدة من أبرز وسائل قمع المعتقلين السياسيين هي دفعهم إلى الانهيار النفسي. تبدأ سلسلة القمع من لحظة الاعتقال، وتمتد داخل السجن من خلال أساليب إذلال متعمدة، سواء من عناصر الأمن أو السجناء أنفسهم، مما يضغط على المعتقلين للاعتراف أو تقديم تنازلات مقابل تخفيف الأحكام.
كابوس الليلة الأولى... شهادة مؤلمة لفتاة سجينة
تروي سجينة شابة اعتُقلت في عمر الـ19 عاماً تفاصيل أولى لياليها داخل سجن ديزل آباد، حيث واجهت ظروفاً نفسية وجسدية قاسية لا تُنسى، وتقول إن المحققة التي أجرت معها الاستجواب لم تكن تهددها فحسب، بل تحدثت بأسلوب ساخر ومخيف عن جمالها وعن صعوبة بقائها وسط سجينات يعانين من مشاكل نفسية.
في أول ليلة في السجن، تعرّضت الفتاة لهجوم من بعض السجينات اللواتي مزقن ملابسها وجذبن شعرها بقصد ترهيبها، ولم يكن رد فعل الحراس سوى التنبيه لخفض الصوت، دون أي تدخل لوقف العنف. لاحقاً، حاولت الفتاة إيذاء نفسها باستخدام قطعة مكسورة من المرحاض، في محاولة للهروب من الواقع القاسي. تم نقلها إلى العيادة وتلقت العلاج.
رغم أن تجربتها الجسدية والنفسية كانت مُهلكة، لكنها تؤكد أنها لم تفقد روحها النضالية أو رغبتها في الحرية، وتعترف بأن صورة السجن في الواقع كانت أكثر رعباً مما كانت تتصوّره، وتقول إنها لا تود أن تعيش تلك التجربة مرة أخرى مهما حدث.
السوق السوداء في سجن ديزل آباد... تجارة مربحة تحت عباءة العقاب
يُعدّ سجن ديزل آباد ليس فقط مكاناً لحبس وتعذيب السجناء، بل أيضاً سوقاً نشطاً يُدرّ الأرباح للمسؤولين القائمين عليه، فبيع وتوزيع المواد المخدرة داخل السجن يتم بشكل واسع بمساعدة الحراس، مما يشكّل شبكة مافيوية قوية تهدف أساساً إلى تحقيق مكاسب مالية للمسؤولين.
أحد الأسباب الرئيسية لانتشار الإدمان بين السجناء بعد إطلاق سراحهم يعود إلى سهولة الحصول على هذه المواد داخل السجن، وغالباً ما يتم استدراج السجناء الجدد من قِبل المروّجين ليصبحوا عملاء دائمين، ووفقاً للمعلومات المتاحة، فإن عدد السجناء في ديزل آباد يبلغ ضعف طاقته الاستيعابية، ما يؤدي إلى استغلال أقصى سعة ممكنة في كل زنزانة.
البنية التحتية الضعيفة تُمكّن كبار المجرمين القائمين على شبكات توزيع المواد من السيطرة على السجناء الآخرين، وتوجيههم بما يخدم مصالح هذه العصابات، وتُظهر قوة هذه الشبكة أن معظم السجناء يُبقون في السجن لا بسبب أحكامهم القضائية، بل لأنهم يشكلون وقوداً لاستمرار هذا النظام المربح.
إدمان السجينات السياسيات... مؤامرة لإخماد روح النضال
تروي خاطره التي تم اعتقالها بطريقة عنيفة في منزلها على يد القوات الأمنية، أنها نُقلت أولاً إلى مركز احتجاز ميدان النفط، ثم لاحقاً إلى سجن ديزل آباد. وتقول إن ما كان يترصد للنشطات السياسيات داخل السجن لا يقتصر على التعذيب النفسي والجسدي، بل هناك سياسة ممنهجة لإدخالهن في دوامة الإدمان، ليس من باب الربح فقط، بل لشل إرادتهن ونزع روح المقاومة منهن بعد الإفراج.
كان يُدفع بالسجينات السياسيات لتدخين السجائر وتعاطي عقاقير مثل الترامادول ليس من أجل الربح الاقتصادي فقط، بل بهدف تشتيت أفكارهن وكسر إرادتهم، وتضيف إنها بدأت بتدخين السجائر أثناء السجن، مشيرةً إلى أن الوصول إلى المواد كان أسهل بالنسبة لذوي الجرائم السياسية، مما يدل على أن هذه الفوضى كانت جزءاً من تخطيط مدروس.
عزلة مدروسة وصداقة قسرية
المعتقلات السياسيات كُن يُعاملن بازدراء من قبل باقي السجينات، باستثناء بائعات المخدرات اللواتي كنّ يعاملنهن بلطف ملفت، وتقول خاطره إن هذه العلاقة لم تكن بريئة، بل خطة مدروسة تدفعهن نحو الإدمان ومن ثم الانخراط في شبكات التوزيع، وكأنهن يُجبرن تدريجياً على التحول إلى جزء من النظام الفاسد.
وتروي أنها بعد الإفراج تعرفت على العديد من السجينات السياسيات اللواتي وقعن في فخ الإدمان، وبعضهن بلغ بهن الأمر حد التشرد. ومع ذلك، تُشيد بروح عدد من النساء اللواتي حولن تجربة السجن إلى محطة جديدة للنضال، وجعلن منه ساحة لمواصلة المقاومة بإصرار أكبر.
ما يحتويه سجن ديزل آباد ليس فقط أعداداً كبيرة من السجناء من خلفيات جنائية مختلفة، بل أيضاً نساء دخلن أبواب السجن ليبدأن مرحلة جديدة من نضالهن. وسط هذا الظلام، يبحثن عن شعاع أمل، ليحولنه إلى نور يصاحبهن خلال رحلة السجن ويقودهن نحو التحرر.