أحلام الهمامي: نتخوف من إقصاء النساء في الانتخابات التونسية

تتخوّف النسويات في تونس من إقصاء النساء بقانون انتخابي تمييزي ومن تقويض حرية التعبير والصحافة وضرب المكسب الوحيد من الثورة.

زهور المشرقي

 تونس ـ أكدت الناشطة النسوية أحلام الهمامي أن القانون رقم 58 من أهم المكتسبات التي حصلت عليها التونسيات بعد الثورة، وجاء ليحمي المرأة من العنف، لكن مشكلة التطبيق والتنفيذ تكمن في أن المجتمع لا زال وفق إطار عقلية أبوية تغيب فيها المناصرة للمرأة.

ترى الأستاذة في القانون الدستوري والخبيرة في الشأن الانتخابي والناشطة النسوية أحلام الهمامي في حوار مع وكالتنا، أنّ القانون الانتخابي مؤخراً كان مختلف عن القانون السابق الذي ضمن مبدأ التناصف وضرورة إشراك النساء في الحياة العامة والسياسية دون أي تمييز أو إقصاء، معبّرةً عن خشيتها من أن تجد المرأة نفسها بعيدة عن المشهد المقبل الذي سيتشكّل بعد الانتخابات البرلمانية القادمة.

 

أثار القانون الانتخابي الذي صدر مؤخراً جدل واسع في الأوساط السياسية والنسوية والاجتماعية، ماهي إيجابيات وسلبيات هذا القانون؟

المرسوم رقم 55 الذي صدر مؤخراً حافظ على بنود القانون الأساسي ونزاهة الناخب، كما حافظ على شرط تسوية وضع الجباية وإبراء الذمة من الأداء البلدي، لكنه أيضاً كأي قانون لا يخلو من عدة ثغرات والتي تبدأ في منع التمويل العمومي للأحزاب وإقصاء الأحزاب من الحياة السياسية واعتماد نظام الاقتراع على الأفراد وهو شرط جديد على التونسيين وهو تجربة هجينة على الشعب فضلاً عن غياب الوضوح للرؤية وغموض في تقسيم الدوائر الانتخابية التي لازال التونسي يحاول فهمها فضلاً عن تعمّد هذا القانون إقصاء النساء والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة بعد كل التضحيات التي قدمتها هذه الفئات من أجل حقوقها، وبعد أن ظنت النساء أنهن خطون أول خطوات إشراكهن في الحياة العامة.

 

برأيك هل القانون رقم 55 سيقصي النساء من الحياة العامة والسياسية ويحرمهن من الوجود في البرلمان ويقضي على مبدأ التناصف ويكون مدخلاً لعودة ظواهر قديمة مثل العروشية؟

القانون القديم مقارنة بهذا القانون تحدّث عن التناصف الأفقي والعمودي والتمييز الإيجابي للنساء، لكن القانون الجديد لا يوجد فيه أي إشارة إلى التناصف فضلاً عن التزكيات التي وجدت فقط في عدد الأشخاص التي ستزكي للمترشّح (200 رجل و200 امرأة 25% منهن من الشباب)، وتغذي التزكيات الذي سيكون النصيب الأكبر للرجال تلك العقلية الأبوية.

فالتزكيات تعني أنّ المترشّح سيبحث عنها في محيطه وعرشه وعائلته، من هذا المنظور يمكن الحديث عن العروشية من أجل غرض سياسي، لكن اليوم مع التغيرات التي شهدها المجتمع التونسي برغم كل الإشكاليات لا أتوافق مع من يتحدث أن القانون الانتخابي سيغذي هذه الظاهرة التي فعلاً قد ولّت منذ تأسيس الدولة المدنية، هنا يمكن الحديث عن منافسة بين المترشّحين لكن العروشية لا أظن.

فالقانون الانتخابي سيقصي النساء ويحرمهن من البرلمان، لا سيما وأنه قد قضى على مبدأ التناصف في الترشح، بالإضافة إلى أن المجتمع التونسي الأبوي سيختار ترشيح الرجل حسب الجندر.

 

لماذا هناك ممارسات سياسية تمييزية ضد النساء، وكيف يمكن محاربتها؟

برغم كل الإشكاليات، لا أرى النساء في موقع ضعف، وقد تمكنا بفعل نضالاتنا النسوية من تحقيق مكتسبات نتباهى بها، ولكننا نطمح لمزيد من الحقوق، وكان القانون رقم 58 لمحاربة العنف ضد النساء من بين المكتسبات المهمة التي جاءت لمكافحة كل أشكال العنف ضد النساء ضمن إطار قانوني مميّز واستثنائي برغم بعض النواقص التي تشوبه، لكن اليوم عدنا للحديث عن تلك الممارسة التميزية عبر القانون الانتخابي حين عدنا للتساؤل عن وجود النساء بعد التناصف ما يدفعنا للتفكير عن دور المرأة في المراحل المقبلة، ونخشى أن نضيع المكاسب التي حققتها الحركة النسوية بعد العمل سنوات وعقود على مناصر حقوق النساء في تونس واليوم نخاف على وجود المرأة في الحياة السياسية والعامة.

 

برغم وجود القانون رقم 58 لمحاربة العنف ضد النساء، زادت نسب العنف في السنوات الأخيرة، خاصة مع غياب المحاسبة والمساءلة، أين الخلل وما دور هذا القانون؟

القانون رقم 58 الصادر عام 2017 من أهم المكتسبات التي حصلت عليها التونسيات بعد الثورة، وجاء ليحمي المرأة من العنف الجسدي والجنسي والإلكتروني والمعنوي ومختلف الأشكال، لكن مشكلة التطبيق والتنفيذ تكمن في أن المجتمع لا زال وفق إطار عقلية أبوية تغيب فيها المناصرة للمرأة حتى من العائلة نفسها وحتى من المرأة ذاتها التي تصبح عدوة للمرأة الأخرى في عدم دعمها ومساندتها حين تتعرض للعنف، وكثيراً ما تسمع الضحية عبارة "من أجل ضربك ستغادرين منزلك" بطريقة مستفزة، وهي من أول الإشكاليات التي تعترض الضحايا، فنحن لدينا قوانين تدعم المرأة، لكن التنفيذ تعترضه عقلية رجعية.  

والفرق الأمنية المختصة في مكافحة العنف والتي جاءت ضمن ذلك الإطار القانوني، حيث تسعى أحياناً إلى تقويض موقف الضحية وإقناعها بالتراجع عن قرار ترك منزل زوجها أو معنفها مهما كانت صفته بدل من مساعدتها في أتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لمحاسبته، حيث أن تلك الضغوطات التي تمارس تدفعها للتراجع وعدم المطالبة بحقوقها، فضلاً عن قلة وجود مراكز الإيواء التي ستكون أول داعم لهن في حالة مغادرتهن للمنزل، وقد حاول المجتمع المدني العمل في هذا الإطار لخلق مأوى لهن باعتبار أنها ستكون أول داعم لهن في حال اتخاذ قرار مغادرة بيت زوجها، لتجد من يساندها ويوفر لها السكن والدعم الاجتماعي والنفسي والصحي وتمكنها اقتصادياً لتجاوز تلك الأزمة وحماية نفسها من كافة أشكال العنف التي قد تتعرض لها.

 

حدثينا عن الخطة الوطنية لتطبيق القرار الأممي 13-25؟

القرار الأممي الصادر عن مجلس الأمن 13-25، هو قرار صادقت عليه مختلف الدول ضمن الأمم المتحدة، وهو قرار جاء لحماية المرأة من الأزمات والحروب والكوارث، وتطور لحماية النساء من الأزمات السياسية، وقامت تونس منذ عام 2016 بتشكيل خطة وطنية لتطبيقها على مستوى قطاعي مع الوزارات والهياكل المعنية، وكانت تلك الوزارات قد تبنت الفكرة تحت إشراف وزارة الأسرة والمرأة وقامت مختلف الجهات في كل المؤسسات بوضع طرق خطط قطاعية، لكن مع جائحة كوفيد ـ 19، لم يكن التطبيق والتقييم ناجعاً، وانتقلت تونس للمرحلة الثانية من تطبيق القرار والذي سيكون تحت إشراف وزارة الأسرة والمرأة، وهذه الخطة ستكون فيها المؤسسات الوطنية وأطراف من المجتمع المدني تم اختيارهم كممثلين في 11 جمعية وطنية من أجل المشاركة في صياغة هذه الخطة وتعيين خبيراً من أجل نجاحها.

وتم سابقاً عرض الخطط القطاعية لتنفيذ خطة العمل الوطنية 1325 ودور المجتمع المدني في تنفيذ محور المناصرة من خطة العمل التي لم تتحقق بعد، ولا بدّ من إقرار هذه الرؤية التي تهدف إلى مراعاة النوع الاجتماعي في بناء الأمن والسلام والاعتراف بضرورة مساهمة النساء والفتيات في حل النزاعات وصياغة مبادرات بناء السلام، ومنع العنف المسلط عليهن في جميع الأوقات وخاصة العنف الجنسي، إلى جانب ضمان عدم الإفلات من العقاب مهما كان مرتكبوه.

 

هناك دعوات لإلغاء المرسوم 54 الذي يقوّض حرية التعبير والإعلام، ماذا يحمل هذا القانون؟

حرية التعبير ظلّت أهم مكسب من مكاسب ثورة 2011، هذا المرسوم فعلاً مهدّد لهذه الحرية في تونس، ويقيّد حرية الصحفيين في بلادنا، خاصة الفصل 24 من المرسوم والذي ينصّ على أنه "يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبغرامة قدرها 50.000 دينار (15.000 ألف دولار أمريكي) كل من يتعمد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتّصال لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذباً للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان، ويعاقب بنفس العقوبات المقررة بالفقرة الأولى كل من يتعمد استعمال أنظمة معلومات لنشر أو إشاعة أخبار أو وثائق مصطنعة أو مزورة أو بيانات تتضمن معطيات شخصية أو أمور غير حقيقية بهدف التشهير بالغير أو تشويه سمعته أو الإضرار به مادياً أو معنوياً أو التحريض على الاعتداء عليه أو الحث على خطاب الكراهية وتضاعف العقوبات المقررة إذا كان الشخص المستهدف موظفاً عمومياً أو شبهه"، هذا الفصل  يضعنا أمام استفهامات كثيرة حول جوهر القانون ويجعلنا كذلك أمام تخوف حقيقي على أبرز مكسب للثورة.