أفغانيات يودعن الصف السادس بدموع الحرمان من التعليم
لم يكن انتهاء الصف السادس بالنسبة للفتيات الأفغانيات خطوة طبيعية في مسيرتهن التعليمية، بل كان بمثابة خط فاصل مؤلم في مستقبلهن، حيث أدركن أن هذه اللحظة ستكون آخر حضور رسمي لهن في مسيرتهن الدراسية.
بهاران لهيب
تخار ـ لا يقتصر حرمان الفتيات من التعليم في أفغانستان على فقدان الدروس المدرسية، بل يقود إلى تداعيات اجتماعية واقتصادية ونفسية عميقة، منها زيادة معدلات الزواج المبكر، تفاقم الفقر، تراجع التنمية، حرمان المجتمع من نصف طاقته الانتاجية.
هذا العام، تحوّل إنهاء الصف السادس بالنسبة لآلاف الفتيات الأفغانيات من محطة طبيعية في مسار التعليم إلى نقطة فاصلة مؤلمة في حياتهن، فبعد أن أغلقن كتبهن وأدّين امتحاناتهن النهائية على أمل الانتقال إلى الصف السابع، لم يكنّ يدرين أن تلك اللحظة ستشكّل آخر حضور رسمي لهن في مقاعد الدراسة، الأبواب التي كان يُفترض أن تُفتح أمامهن لمواصلة التعلم أُغلقت نهائياً.
هؤلاء الفتيات في سنٍّ لا يُعدّ فيها التعليم حقاً فحسب، بل حاجةً أساسيةً لنموهنّ الفكري والنفسي، حرمان الفتيات من التعليم في هذه المرحلة يعني قطع الطريق فجأةً أمام أحلامهنّ ومواهبهنّ وآمالهنّ التي بدأت تتشكّل للتو، لقد اجتازت العديد من هؤلاء الفتيات الصف السادس، وهنّ متلهفات لأن يصبحن معلمات أو طبيبات أو يخدمن المجتمع، لكنهنّ الآن يواجهن مستقبلاً غامضاً ومجهولاً.
لا تقتصر عواقب هذا الحرمان على الفرد فحسب، بل تمتد لتشمل الأسرة والمجتمع، فالفتيات المحرومات من التعليم أكثر عرضة للزواج المبكر، والعمل المنزلي القسري، والعزلة الاجتماعية، ويؤدي هذا الوضع إلى تعميق حلقة الفقر وعدم المساواة والتبعية، ويحرم جيلاً كاملاً من فرص النمو.
في العديد من الأسر، يشعر الآباء بالعجز أمام هذا الوضع، حاول البعض توفير دورات منزلية أو تعليم غير رسمي لبناتهم، لكن هذه الحلول محدودة وغير مستدامة، ودائماً ما تواجه خطر الإغلاق، وقد أدى غياب سياسة تعليمية واضحة وعادلة إلى فرض عبء نفسي ثقيل على الفتيات وأسرهن.
الفتيات اللواتي تخرجن من الصف السادس هذا العام هنّ ضحايا صامتات لقرارات اتخذت دون مراعاة لمستقبلهن، إن صمت المفروض على هذا الجيل ليس دليلاً على الرضا بل هو نتيجة إقصاء ممنهج لحقهن في التعليم، وكل يوم تبقى فيه هذه الأبواب مغلقة، تتسع الفجوة بين الطموح والواقع بالنسبة لهؤلاء الفتيات، فيما تقع المسؤولية على من حوّلوا التعليم إلى وسيلة للهيمنة والسيطرة.
ذهبنا لزيارة رويا بيرين في منزلها، الفتاة التي نالت للتو شهادة تخرجها من الصف السادس بامتياز، دخلت رويا بيرين المنزل وعيناها تدمعان، لقد تحوّلت فرحة النجاح إلى حزن عميق، لم تستطع النطق بكلمة، واكتفت بمشاركة ألمها مع والدتها بصوت مرتعش يفيض بالاستياء، كانت دموعها مرآة لمعاناة ملايين الفتيات الأفغانيات اللواتي حرمن من حقهن في التعليم خلال السنوات الأربعة الماضية، فتيات لم يحرمن بسبب إعاقتهن، بل نتيجة قرارات فرضت عليهن.
في ذلك اليوم، لو تجولت في أزقة أفغانستان الخلفية، لسمعت صرخات وأنين فتيات أنهين للتو الصف السادس، فتيات فقدن مع كل دمعة جزءاً من أملهن في مواصلة تعليمهن، وإلى جانب الأمهات القلقات، كان المعلمون يمسحون دموع طالباتهم ويقولون بصوت هادئ لكنه مليء بالأمل "لا تخفن، سيأتي يوم ينتهي فيه هذا القمع والإرهاب وكراهية النساء، وسيكون لنا جميعاً مستقبل مشرق ومفعم بالأمل".