صدى صمت الطبيعة... تأملات حول الصيد غير المشروع من وجهة نظر المرأة
في قلب الطبيعة البكر لشرق كردستان، الصيد الجائر لا يعرض بقاء الأنواع الحيوانية للخطر فحسب، بل إنه أيضاً بمثابة رمز لنهج استبدادي تجاه الطبيعة، ويتناقض مع المنظور النسوي المبني على الاحترام والتعاطف مع جميع أشكال الحياة.
نسيم بايزيدي
بانه ـ في قلب الطبيعة يسود صمت ثقيل لا ينشأ عن غياب الصوت، بل عن الانقراض التدريجي للحياة البرية وانقطاع الاتصال البشري مع الطبيعة، لقد ترك الصيد الجائز ندبة عميقة على الطبيعة، لا يهدد التنوع البيولوجي فحسب، بل يجبر الإنسان أيضاً على التفكير بجدية في علاقته بالطبيعة.
من أهم العوامل التي تؤدي إلى تفاقم ظاهرة الصيد غير المشروع في شرق كردستان هو التنفيذ الخاطئ وغير المتناسق لمشاريع التنمية، على طول الطرق بين المدن والريف التي تم إنشائها لأغراض مثل إمدادات الغاز أو البنية التحتية الأخرى، تُترك جدران على جانب واحد من الطريق تعمل بشكل فعال كسد، مما يجعل من المستحيل على الحيوانات البرية المرور، في كثير من هذه الطرق، يتم نحت جانب واحد من الطريق في الجبل، مما يحوله إلى جدار مرتفع لا يمكن للحيوانات تسلقه.
في مثل هذه الظروف، عندما تقترب الحيوانات من هذه المناطق بحثاً عن الطعام أو الماء أو شريك الحياة، لا يكون لديها خيار سوى التحرك على طول الطريق، وينتهي بها الأمر في كمين من قبل الحيوانات المفترسة، وفي الليل، عندما تكون الطرق أكثر هدوءً، يستخدم الصيادون المصابيح الكهربائية لتتبع الحيوانات التي تقع في فخ هذه المسارات ولا يوجد لديها طريق للهروب لذلك تقع في فخ فعلي ولا تستطيع أن تقاوم.
ومن ثم فإن تنفيذ مشاريع التنمية دون مراعاة الاعتبارات البيئية، مثل توفير معابر أو مسارات آمنة للحياة البرية، يصبح أحد العوامل الرئيسية في تسهيل الصيد غير المشروع، وهذه المشاريع التي تتعارض مع الطبيعة لا تؤدي فقط إلى جعل الحيوانات عرضة للحيوانات المفترسة، بل تؤدي أيضاً إلى تعطيل سلاسل الحياة وأحياناً تسريع عملية انقراض الأنواع من خلال خلق عقبات في هجرتها أو انتقالها من موطن إلى آخر.
الصيد في الظلام: قصة اغتصاب
الصيد غير المشروع، خاصة باستخدام أساليب غير مناسبة مثل استخدام المصابيح الكاشفة في الليل وإطلاق النار، أصبحت أزمة خطيرة في شرق كردستان، لا يعد هذا الفعل انتهاكاً للقوانين البيئية فحسب، بل يعد أيضاً انتهاكاً واضحاً لحقوق الحيوان والنظام البيئي بأكمله، حيث يساهم الصيادون، الذين يصطادون الحيوانات بلا رحمة لأسباب مختلفة، تتراوح بين الترفيه والربح، في تدمير الدورات البيولوجية دون إدراك التأثير الذي يخلفونه على توازن الطبيعة وحياة المجتمعات المحلية.
المرأة وعلاقتها مع الطبيعة
في بداية الحياة البشرية كان الإنسان يستهلك اللحوم بكميات محدودة، رغم أن الصيد أصبح مع مرور الوقت وسيلة للحصول على الغذاء، إلا أن العلاقة مع الطبيعة في العديد من الثقافات، خاصة بين النساء، كانت أكثر من مجرد مصدر للغذاء أو وسيلة للاستغلال، بفضل دورها في الزراعة وجمع النباتات الطبية والأغذية والعناية بالبيئة المنزلية.
كانت المرأة على اتصال أعمق وأكثر مباشرة بالطبيعة، ولم يكن هذا الاتصال مجرد اتصال عملي، بل كان أيضاً اتصالاً عاطفياً وروحياً، اعتبرت فيها الطبيعة جزءاً لا يتجزأ من الوجود الإنساني ومصدراً للإلهام والسلام، وليس جسداً يمكن استغلاله.
ومن هذا المنظور، فإن الصيد الجائر ليس مجرد قتل للحيوانات، بل هو رمز للعنف ضد الطبيعة والقيم الأخلاقية مثل الرعاية، والتغذية، والتعاطف، واحترام الحياة.
ترتكز هذه النظرة إلى الطبيعة على الاحترام العميق لجميع أشكال الحياة وفهم الترابط المتبادل بين البشر والبيئة، وعلى النقيض من ذلك، فإن النهج الاستبدادي والاستغلالي الكامن وراء الصيد الجائر يتناقض بشكل صارخ مع هذا المنظور الأنثوي.
التهديد الذي يواجه التنوع البيولوجي والحاجة إلى تغيير في الموقف
حتى لو لم نتمكن من التخلي عن استهلاك اللحوم بشكل كامل في الظروف الحالية، يتعين علينا أن نفهم الفرق بين استهلاك الماشية والدواجن والحيوانات البرية، المسألة المهمة هي التنوع البيولوجي؛ جميع الأنواع التي يتم اصطيادها في البرية في شرق كردستان اليوم معرضة لخطر الانقراض، بعض الأنواع إما انقرضت تماماً أو أصبحت نادرة جداً؛ لقد شهدت أنواع من الحيوانات مثل الأرانب والحجل والثعالب وغيرها من الحيوانات التي كانت موجودة بكثرة في طبيعة كردستان حتى عقود قليلة مضت انخفاضاً حاداً الآن.
ويخلف هذا الانخفاض في التنوع البيولوجي تأثيراً مدمراً ليس فقط على الحياة البرية، بل أيضاً على الدورات الطبيعية والتوازن البيئي، إن الإفراط في الصيد وانقراض بعض الأنواع يمكن أن يؤدي إلى تعطيل سلاسل الغذاء والتسبب في تغييرات لا رجعة فيها في النظام البيئي، وسوف تكون هذه التغييرات في نهاية المطاف ضارة بالبشر؛ لأننا، كجزء من هذه الدورة، نعتمد على التفاعلات البيولوجية وليس لدينا الحق في اعتبار أنفسنا المالكين المطلقين للطبيعة.
الحلول: العودة إلى الانسجام مع الطبيعة
ولمكافحة الصيد الجائر، لا يكفي مجرد سن القوانين أو تشديد المراقبة والعقوبات، كون هذه المشكلة متجذرة في الطريقة التي نرى بها العالم، ولحلها، يتعين علينا تغيير موقفنا تجاه الطبيعة، ويجب على البشر أن يبتعدوا عن المنظور الاستغلالي والمتسلط، وأن يصلوا إلى تفاهم قائم على التعاطف والتناغم واحترام الطبيعة، وفي هذا المسار، يمكن للمرء أن يستلهم تعاليم المرأة وتقاليدها فيما يتصل بالطبيعة؛ كالتعاليم المبنية على الحفاظ على الحياة ورعايتها والتعايش السلمي.
أولاً التعليم والتوعية: ينبغي للبرامج التعليمية في المدارس ووسائل الإعلام والمجتمعات المحلية أن تشرح أهمية التنوع البيولوجي وأضرار الصيد الجائر، كون رفع مستوى الوعي العام حول العواقب البيئية والأخلاقية والاجتماعية للصيد غير المشروع يمكن أن يكون خطوة فعالة في تغيير السلوك.
ثانياً تمكين المرأة: نظراً لارتباط المرأة العميق بالطبيعة، فإنها تستطيع أن تلعب دوراً رئيسياً في تثقيف الجيل الجديد، وحماية البيئة، وتعزيز الموقف القائم على احترام الحياة، كما أن دعم الدور الاجتماعي للمرأة في المجتمعات يمكن أن يكون له أثر كبير في الحد من الصيد غير المشروع.
إن الصيد الجائر، إلى جانب كونه مشكلة بيئية، هو قضية أخلاقية وفلسفية متجذرة في وجهات النظر البشرية تجاه الطبيعة، وكذلك النظرة المتسلطة والأنانية، التي يرى فيها الإنسان نفسه المالك بلا منازع للطبيعة، تعطل دورات الحياة وتؤدي في نهاية المطاف إلى الإضرار بالجميع، ومن ناحية أخرى، فإن المنظور النسوي المبني على قيم الرعاية والتعاطف مع كافة أشكال الحياة يقودنا إلى التفاعل البناء مع الطبيعة والحفاظ على التوازن البيئي.
ولضمان بقاء الأنواع والحفاظ على الكنوز البيولوجية، يتعين علينا أن نستلهم من هذه التعاليم ونتبع نهجاً جديداً تجاه الطبيعة، والابتعاد عن نهج لا يعتبرنا حاكمين، بل جزءاً من هذه الدورة اللانهائية من الحياة، ويؤدي في نهاية المطاف إلى التعايش المستدام بين البشر والبيئة.