سالمة العقوري تكشف أسرار نبات غازي يهدد الزراعة الليبية

رغم الصعوبات التي تواجه الباحثين العلميين في ليبيا، تبرز نماذج نسائية ملهمة استطاعت تجاوز العقبات وتحقيق إنجازات علمية مهمة تخدم المجتمع وتساهم في حماية البيئة والزراعة وتعزيز الثقافة العلمية.

ابتسام اغفير

بنغازي ـ في ليبيا، تواجه الباحثات العلميات تحديات مضاعفة عند العمل في الميادين، سواء في مجالات العلوم الطبيعية أو الدراسات الأكاديمية المختلفة. سالمة فرج العقوري اختارت أن تكسر هذا الحاجز، فتجربتها في دراسة الباذنجان البري الفضي الذي يهدد المحاصيل والتنوع البيئي في ليبيا، تُبرز مزيجاً نادراً من الشجاعة والإصرار العلمي.

من الوادي المنعزل إلى مختبر الجامعة، تكشف سالمة فرج العقوري تفاصيل رحلتها البحثية، بدءاً من الصعوبات التي واجهتها، والمكاسب العلمية التي توصلت إليها، مع تسليط الضوء على أهمية الوعي المجتمعي ودعم البحث العلمي.

 

دراستها حول أخطر النباتات الغازية

سالمة فرج العقوري الحاصلة على ماجستير علوم البيئة النباتية في جامعة بنغازي كلية العلوم، كانت تدور رسالتها حول موضوع مهم جداً، حيث تقول عنها "دراستي ركزت على تقييم مبيدين عشبيين في فاعلية مكافحة الباذنجان البري الفضي، وهو يعد من أخطر النباتات الغازية التي وصلت ليبيا، وإلى الآن لا يوجد حل فعال للقضاء عليه، ولكن من خلال دراستي توصلت لنتائج نستطيع أن نفيد بها الجهات المختصة بحيث يجدون حلاً جذرياً لهذه المشكلة".

وعن اختيارها لهذا الموضوع ليكون أساس دراستها، أضافت "يعد هذا النبات من الأعشاب الضارة والتي تسبب مشاكل كثيرة للمزارعين، وضرره الأكبر في أنه يقوم بإفراز مواد كيميائية تعمل على تثبيط نمو أي نباتات محيطة به أو قريبة منه، وبذلك يحتل مساحات كبيرة من الأرض ومن ثم يبدأ في النمو والانتشار بسرعة كبيرة".

وأشارت إلى أن بذور هذا النبات ضارة جداً فهي تزيح البذور المحلية وتطغى عليها مثل بذور القمح والشعير، وبالتالي يقل مخزون البذور، وهذه تعتبر مشكلة كبيرة للمزارعين، إضافة إلى أضراره البيئية فهو يؤثر على التنوع البيئي، وقد حاول المزارعون بشتى الطرق القضاء عليه، ولم يجدوا حلاً له حتى هذه اللحظة، ولذلك كان الهدف الرئيسي من دراستها هو إيجاد حل لهذه المشكلة بحيث يتم استخدامها فيما بعد كخطة وطنية لمكافحة غزو النبات.

وتعلق سالمة العقوري على انتشار هذا النبات في ليبيا "لقد كان أول انتشار للنبات على مستوى العالم في أستراليا عام 1901 ومن ثم بدأ ينتشر حول العالم ويتم إدخال هذا النوع من النباتات إلى ليبيا عن طريق التربة التي يتم استيرادها من أجل استخدامها في الزراعة فتكون بذور النبات متواجدة بها، أو عن طريق استيراد الأعلاف، ولأن بذوره سريعة الانتشار فهو سرعان ما انتشر في ليبيا وفي العالم"، مضيفةً "ولكن المشكلة الأساسية في هذا النبات هو أن جذوره عميقة فأغلب النبات تعتبر جذورها سطحية أما هذا فجذوره عميقة جداً في التربة، لذلك اتبعت الطريقة الكيميائية التي تقضي على هذه الجذور التي لم نستطع اقتلاعها".

 

تفاصيل رحلتها البحثية

وعن سبب اختيارها لهذا النبات ليكون موضوعاً لرسالة الماجستير، أوضحت أن "سبب اختياري لهذا الموضوع هو اقتراح قدمه دكتور في الجامعة وهو من لفت انتباهي له، ولخطورته ووجب التركيز عليه وتناوله بالدراسة، وبعد التعمق في البحث اقتنعت بفكرة العمل عليه أنني تناولته بالدراسة لأنني قدمت من خلالها توصيات نتمنى أن تؤخذ بعين الاعتبار".

وأكدت على أن هذا النبات له مضار كبيرة جداً حيث يتسبب في خسارة ما نسبته 75% من المحاصيل الزراعية، وهذه خسارة كبيرة للمزارعين، وبيئياً يصبح مركزاً للآفات والأمراض وهو يعد نباتاً ساماً إذا ما تناولته الماشية، وهذا يقلل التنوع الحيوي في البيئة، ولأن الإنسان يعيش في محيطه البيئي فهو بالتالي يتأثر أيضاً بهذا النبات.

وأشارت إلى سبب اختيارها لموقعين مختلفين في دراستها الميدانية أو الحقلية وهما وادي القطارة، وجامعة العرب الطبية "في وادي القطارة كان النبات قد وصل لمرحلة النمو الكامل، أما النبات في جامعة العرب الطبية كان حجمه صغير، وهذا يسمح لي بالمقارنة بين النباتات وفاعلية المبيدات عليها".

ولفتت إلى أنها اعتمدت خلال العمل على دراستها على نوعين من المبيدات إحداهما مبيد جهازي والآخر مبيد انتقائي، ولقد كان تأثير المبيد الجهازي كبير سواء كان في المرحلة العمرية الصغيرة أم الكبيرة، أما النوع الآخر من المبيد فهو أقل فاعلية، وقامت أيضاً بالخلط بين المبيدين وكانت النتيجة متوسطة وليست ذات فاعلية قوية.

 

يمكن اعتمادها في الخطة الوطنية

وأوضحت سالمة العقوري أنها من خلال ما توصلت إليه من نتائج بناء على ما قدمته في رسالة الماجستير تعد بيانات مهمة يمكن اعتمادها في الخطة الوطنية، فهي ترتكز على التوجيه المبكر، ومكافحة النبات في مراحله المبكرة، ويمكن إعطاء المعلومات للمزارعين عن كيفية التعامل معه، فهذه المبيدات غير صالحة لكل النباتات ويمكن أن تسبب أضراراً لنباتات أخرى لذلك لابد من استخدامه في مرحلة مبكرة قبل البدء في زراعة أي محاصيل أخرى، أيضاً لابد من إدخال المكافحة الميكانيكية والتبادل بينها وبين الكيميائية، وهي استئصال النبات من جذوره، وبالتكرار بالتأكيد سيتم الحد من انتشار هذا النبات.

وتقول إن ليبيا لا توجد لديها خطط وطنية لمكافحة النباتات الغازية بصفة عامة وبالتالي النباتات الغازية سرعان ما تنتشر وتضر بالبيئة، فإن دراستها هي أول دراسة تتطرق إلى موضوع المكافحة الكيميائية لأحد أنواع هذه النباتات "إن هذا يضيف بالتأكيد بيانات جديدة للسجل العالمي، وهناك جهات مختصة في ليبيا من الممكن أن أذهب إليها وأقدم، لهم البحث بكل نتائجه والتوصيات من أجل أن تعم الفائدة بشكل أكبر، فالدول الأخرى عندما توصلوا لحلول لمكافحة هذا النبات، قاموا بتعميم النتائج على الجهات المختصة لذلك هم تفادوا انتشاره بشكل كبير".

 

تحديات وصعوبات

وتحدثت عن تجربتها في العمل الميداني الذي اتسم بالتحدي والشجاعة، حيث نفذت تجربتها في وادٍ مهجور عند غروب الشمس، واختارت موقعين أحدهما في بداية الوادي والآخر في نهايته. في كل موقع أنشأت 12 مربعاً (كوادرو) لرصد النباتات، واستخدمت مبيدات مختلفة بتركيزات موصى بها، مع تكرار التجربة لضمان دقة النتائج، قامت بثلاث رشات بفاصل 15 يوماً، مما تطلب منها رش 24 مربعاً في ظروف صعبة، وكانت تعمل بمفردها رغم المخاوف، لكنها تجاوزتها وأكملت عملها بنجاح.

وعن التحديات التي واجهتها، بينت أن "أكبر العقبات التي واجهتني في عملي تأتي من سكان المنطقة أنفسهم؛ إذ اتهمتني مجموعة منهم بممارسة نوع من السحر في الوادي، بل إن أحدهم بلغ عني لإحدى كتائب الجيش، وفي كل مرة أتعرض فيها لموقف كهذا، أجد نفسي في سباق مع الزمن بين محاولة إنجاز عملي قبل حلول الظلام، وبين ضرورة التوقف لشرح ما أقوم به لمن جاء مستفسراً أو مشككاً في وجودي داخل الوادي"، مضيفةً أنها كانت وحدها في هذا المكان ولم يكن لديها مرافق "لقد استغرق العمل مني شهر ونصف وقمت خلاله بثلاث "رشات" للمبيد، وتوصلت لنتائج ممتازة".

وتقول بحسرة إن عملها يعتمد على علامات دقيقة تضعها في كل مربع ضمن نطاق الدراسة، وكانت على وشك الانتهاء، إذ لم يتبقَ سوى رشة واحدة من المبيد لتكتمل المهمة، لكن وبينما هي في منتصف الوادي، تفاجأت بأن أحدهم نزل ومزّق القصاصات التي وضعتها بعناية على المربعات. ذلك التصرف أعادها إلى نقطة البداية، فانهارت هناك وسط الوادي، عاجزة عن استيعاب ما حدث، لقد شرحت لهم طبيعة عملها وأهمية دراستها، ومع ذلك أصرّوا على تخريب ما أنجزته.

وشددت سالمة العقوري على ضرورة أن يكون هناك وعي اجتماعي فهو الأساس من حيث تسهيل الموضوع الميداني، وتجعل الناس تتفهم أهمية العمل الميداني وقيمته سواء قام به ذكر أو أنثى "نحن نفتقر جداً للوعي لهذه النوعية من الأعمال ولابد من توعية عامة للمجتمع بهذا الخصوص".