"مزرعة تربة" مشروع نسوي ضمن مبادرة المزارع لا السلاح

ضمن مبادرة "المزارع لا السلاح" قامت الناشطتان إيريكا عكاري وجيهان عقيقي بإنشاء مزرعة "تربة" في بلدة زحلة في البقاع اللبناني، وهي نموذج زراعي مجتمعي متجدد ومستدام وقابل للتطوير.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ لم تثنِ الضائقة الاقتصادية ولا آثار التغير المناخي الشابتان اللبنانيتان إيريكا عكاري وجيهان عقيقي من متابعة مشروعهما المجتمعي الزراعي المتمثل بـ "مزرعة تربة" والذي تشكل النساء النسبة الأكبر من العاملين فيه، في بلدة الدلهمية المتاخمة لمدينة زحلة.

تعد "مزرعة تربة" مركزاً مجتمعياً مصغراً يجمع اللبنانيين واللاجئين معاً لإنتاج الغذاء، في سعي لعلاج الانقسامات الاجتماعية بين المجتمع اللبناني ومجتمعات اللاجئين في لبنان والفئات المهمشة، وليس ذلك فحسب، بل أن المزرعة تعلم المهارات التجديدية المستقبلية في الزراعة لاستعادة التربة وتخفيف آثار تغير المناخ، بهدف تطويرها وتعميمها، وتقدم في الآن ذاته منتجات عضوية متنوعة وذات نوعية متميزة باعتماد أساليب الزراعة المستدامة التي تحافظ على جودة التربة والهواء والماء.

وفضلاً عما حققه المشروع من نجاحات بعد استكمال عامه الأول في ظل الرؤية الغذائية الشمولية والمنهجية والمستدامة لـ "مزارع لا سلاح"، فمن الممكن أن يحقق هذا النظام الزراعي اللبناني الاكتفاء الذاتي، وإطعام جميع اللبنانيين واللاجئين باستخدام 3 بالمئة فقط من الأراضي في لبنان.

 

مزرعة تربة

تقول إيريكا عكاري عن المشروع "نعمل لتكون مزرعة تربة فريدة من نوعها، كوننا نعتمد مبادئ "الزراعة الدائمة" Permaculture أي تطوير النظم الإيكولوجية الزراعية التي تهدف إلى أن تكون مستدامة ومكتفية ذاتياً، لكن المفهوم الأشمل هو الزراعة التجديدية Regenerative Farming لا التقليدية، حيث نقسم المزرعة إلى قطع أراضي صغيرة، نستخدم فيها البذور الأصيلة ولا نستخدم تلك المهجنة أو المعدلة وراثياً، فالبذور الأصيلة هي المناسبة لطقس لبنان وتربته، والأكثر إنتاجاً، والأقل تطلباً جينياً للرش بالمبيدات أو استخدام السماد بأنواعه، كما نعمل على تحضير البعض من هذه البذور داخل المزرعة، لإعادة زراعتها في المواسم المقبلة".

وأكدت أنه لم يكن ضمن خططهم أن يكون المشروع نسائياً، ولكن ما حدث أن الإنتاج الزراعي من زراعة الخضروات وحتى إيصالها للسوق تقوم به نساء.  

وتعلمت إيريكا عكاري أساليب الزراعة المختلفة في كندا حيث حصلت على شهادة الزراعة المستدامة، كما عملت خلال أربع سنوات في مزارع عدة في كندا ولبنان، مبينةً أنه "منذ سنتين أسست مع جيهان عقيقي مشروع "مزرعة تربة" على مساحة 6 آلاف متر مربع في نيسان من العام 2021، وذلك بعد فوزنا بجائزة Rockefeller Foundation Food System Vision وقيمتها 25 ألف دولار، والتي تمحورت حول تصميم مبتكر لقطعة أرض تمكننا من إنتاج ثلاثة أضعاف وأكثر من الزراعة التقليدية".

 

 

الزراعة المتجددة

وكمزرعة تعتمد الزراعة المتجددة أو التجديدية يحاول المشروع تقليد الطبيعة قدر الإمكان "لا يتعين علينا استخدام أساليب باهظة الثمن ومستوردة مثل الأسمدة الصناعية والمبيدات وخصوصاً في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، التي تسببت بارتفاع أسعارها، كما لا نستخدم الحراثة التقليدية وغيرها، بل نحاول العمل بما يتواجد على الأرض وداخل التربة سواء من الأعشاب والحشرات والكائنات الحية المختلفة، ونزرع الحواجز بين قطع الخضار المختلفة باستخدام نباتات جاذبة للحشرات المفيدة أو التي تشكل حاجزاً بين المزروعات والحشرات الضارة أو تلك الطاردة للآفات".

وأوضحت إيريكا عكاري أنه يتم التنويع بالمحاصيل "بدلاً من زراعة محصول واحد في الأرض، واعتماده لسنوات، نعتمد التنويع في المحاصيل، أو ما يسمى "المحاصيل بالتناوب" alternating crops، مما يشكل إضافة على المزرعة ككل".

وأضافت "نزرع بعض أنواع الزهور كحدود والتي تخدم الأرض المعينة وبصور مختلفة وفقاً للشتول المستخدمة، حيث نزرع زهرة الزينيا لخواصها المانعة للبكتيريا والفطريات والجاذبة للحشرات الملقحة كالنحل والحشرات التي تتغذى على الدبابير، ودوار (عباد) الشمس قرب الخيار مثلاً ليشكل الظل الذي تحتاجه هذه النباتات، فكل ما يتواجد في المزرعة له دور أساسي وتكاملي في صحة واستدامة النظم البيئية الطبيعية".

وأشارت إلى أنه "لا نستخدم الحراثة أبداً، بل نقوم بعمل تلال من التربة بارتفاع 15 سم على شكل صفوف ونغذيها بالكومبوست وهي مواد عضوية نعمل على تخميرها لتسمد الأرض، ونعتمد على شوكة عريضة لتزيل التربة المتحجرة والجافة بهدف زراعة الخضروات الجذرية مثل الشمندر والجزر وغيره، والمنطق الذي نعتمده أن الكائنات الحية في التربة مثل الديدان والبكتيريا والفطريات هي التي تعمل على تهوية التربة، وقيامنا بأعمال الفلاحة، يؤثر على توازن هذه النظم البيئية في التربة ويدمرها إلى حد بعيد".

 

مردود اقتصادي ودعم اجتماعي

وعن المردود الاقتصادي للمزرعة، قالت أنه جيد "هذا موسمنا الثاني، وقد تمكنا من خلال هذا المشروع من توزيع منتجات زراعية عدة، ومن إطعام حوالي 900 شخص في العام الماضي، ونأمل أن نوفر الطعام لعدد أكبر هذا العام، كما نقدم الكثير من التبرعات الغذائية منها كهبات للبنانيين واللاجئين بالتعاون مع جمعيات محلية، أو بيع بعض المنتجات لأسواق المنتجات العضوية، كما ونقوم بتحضير بعض أنواع المونة باستخدام اسمنا التجاري، ونحاول التوسع في مجال زراعة الخضروات وزراعة الأشجار المثمرة وغيرها، بحيث تتكامل في النظام البيئي لكل قطعة أرض والمزرعة ككل، لنضمن إنتاجاً ذا جودة ونوعية عالية وباستخدام الموارد الطبيعية للتربة والمحيط النباتي والحيواني".

وعن المشاكل التي تعترضها، أشارت إيريكا عكاري إلى ارتفاع التكاليف بسبب ضخ المياه باعتماد المولد الكهربائي من البئر، على أمل استخدام طرق متجددة والتي تحتاج لتكاليف إضافية، وهو ما أدى إلى توقف مشروع الزراعة المائية "نعمل حالياً على مشروع جديد لمعالجة مياه الصرف الصحي، وتحويلها إلى سماد عضوي "كومبوست" لاستخدامه في المزرعة، بهدف التخلص من التلوث وفي الوقت نفسه الاستفادة من المخلفات بطريقة صحية ومفيدة للتربة".  

 

متطوعات

وتعيش في المزرعة وعد ابراهيم العلي اللاجئة السورية وهي أم لأربعة أطفال، والتي تعمل في الأرض منذ سنة وفقاً لما قالته لوكالتنا، كما استقطبت المزرعة متطوعين من المنطقة وحول العالم، ومنهم حالياً البلجيكية يادي هورنارت ولاورا فان بلادل وهما عاملتان اجتماعيتان، حيث جذبهما مفهوم المزرعة الفريد من نوعه، عبر ما شاهدتاه على موقع التواصل الاجتماعي "انستغرام".  

وقالت لاورا فان بلادل "أتيت من بلجيكا بعدما شاهدت المزرعة على تطبيق انستغرام. ما يميز هذه المزرعة بأنها شبكة من النساء العاملات في الزراعة، زرت المزرعة منذ 4 أشهر، والمثير للانتباه هو كيف تغيرت الأمور منذ أول مرة، كما وأتطوع بعدة مزارع وبساتين في لبنان وفي مناطق مختلفة، للحصول على الإلهام، فحلمي أن أنشئ مزرعة مشابهة، وأن أدمج عملي الاجتماعي مع الزراعة".    

وقالت يادي هورنارت "ما قامت به المؤسستين للمزرعة من إنجازات بالتناغم مع البيئة، وخصوصاً أنهما من المدينة أمر جميل حقاً، خصوصاً بقيامهما بهذا المشروع الريادي والمميز والتواصل وادماج المجتمع المحيط في هذا المشروع".