مغربيات جمعهن الشغف بتصوير الحياة البرية

نساء جمعهن الشغف بتصوير الحياة البرية، حملن آلات التصوير وانطلقن في البراري يقتفين آثار الطيور والحيوانات البرية لالتقاط مشاهد تنطق بالجمال في العديد من المحميات الطبيعية والمنتجعات داخل وخارج المغرب.

رجاء خيرات

المغرب ـ لا شيء يضاهي جمال الطبيعة وتناسق ألوانها، لكن حين يتم التقاط اللحظات الهاربة بعدسة فنان يعرف جيداً كيف يقبض على اللحظة ويحولها إلى لوحات تنطق بالجمال، فذلك شأن هؤلاء النساء اللواتي كشفن عن هواية تصوير الحياة البرية فوثقن اللحظات التي عشنها بشغف لا يضاهيه إلا هذا الحس الجمالي الذي يسكنهن.

 

نقلت من خلال صورها قيم الجمال

دخلت ليلى بنشقرون الفن الفوتوغرافي من باب الفن التشكيلي لكونهما متكاملين ولهما عدة نقاط مشتركة كالظل والإضاءة والألوان وقاعدة التثليث، ولهما هدف مشترك وهو نقل قيم الجمال والرفع من الذوق الفني لدى المشاهد.

بدأت هوايتها من خلال تصوير الحيوانات كبيرة الحجم "أسود، فيلة، وغيرها" بكينيا، قبل أن تنبهر بالتفاصيل الدقيقة التي يلتقطها بعض المصورين وهم يوجهون عدساتهم نحو الطيور، يتعقبون فترات راحتها أو بحثها عن الطعام وسلوكها، لتغير وجهتها نحو هذا العالم الساحر والمبهر، كما تصفه.

تعد ليلى بن شقرون حديثة العهد بتصوير الحياة البرية، فهي الفنانة التشكيلية التي ألهمتها الحياة البرية العديد من الأفكار واختيار الألوان التي جسدتها في لوحاتها عن طريق الريشة. في عام 2019 انخرطت في الجمعية المغربية لمصوري الحياة البرية، لتصبح بذلك واحدة من محترفات فن التصوير البري.

وقالت "بعد التحاقي بالجمعية اقتنيت آلة تصوير احترافية، مكنتني من التقاط صور للطيور عن بعد وفي وضعيات سريعة". مضيفة أن "هذه التجربة منحتني الكثير، حيث أضطر للمكوث فترات طويلة وأنا أتعقب الطيور في حركاتها وسكناتها وبحثها عن الطعام وغيرها من التفاصيل التي تتطلب صبراً وانتظاراً طويلاً".

وأكدت أن الأحاسيس التي تشعر بها بعد التقاط صور لحيوانات، خاصة الطيور، هو شعور يصعب وصفه، يبدأ من حالة الترقب وينتهي باقتناص لحظة يكون قد مر وقت طويل في انتظار أن تتحقق.

تعتبر ليلى بن شقرون أن تصوير الحياة البرية فن ذو بعدين أساسيين هناك التقاط الصور وإبراز جمالها، ثم التوعية بأهمية بعض الكائنات ودورها في الحفاظ على التوازن البيئي. كما أن وراء كل صورة حكاية خاصة يستحضرها المصور كلما نظر للصورة التي التقطها.

 

تجلت في صورها التراث التاريخي

بينما دخلت وفاء المهدي عالم التصوير من باب "التبوريدة" عروض فنية يقدمها الفرسان، فهي ابنة فنان فوتوغرافي. وقالت "بداياتي مع الفن الفوتوغرافي بدأت منذ سنوات طويلة. كنت ألتقط صوراً عن طريق الهاتف، من خلال تصوير مناظر طبيعية ومشاهد تشدني، قبل أن أنتقل إلى عالم الاحتراف".

وأوضحت إنها أخذت المبادئ الأولية من والدها وهو مصور محترف، ثم بالاعتماد على قنوات متخصصة على شبكة الإنترنت، وصقلت موهبتها بالممارسة واستفادت من قنوات التعلم التي توفرها ومواقع التواصل الاجتماعي في هذا المجال، وبدايتها في التصوير كانت مع محاور الطبيعة التي تعشقها بكل تجلياتها، ومع تراث متجدد في التاريخ وهو فن التبوريدة.

وأضافت "تجربة تصوير "التبوريدة" زادت لرصيدي المعرفي الكثير من الخبرة في هذا المجال، حيث نشأت في مختبر التصوير الذي يعتمد على الوسائل التقليدية المعروفة والصورة الفضية وتحميض الصور وغيرها من التقنيات".

شاركت وفاء المهدي في عدة معارض حقيقية وافتراضية مع مجموعة من المصورين المغاربة ووضعت بصمتها في المراحل السبعة من المعارض التي أقامتها الجمعية المغربية لمصوري الحياة البرية في مختلف ربوع المغرب ببصمة خاصة ومتميزة‫.

وأوضحت "نعمل من خلال الجمعية على التوعية بأهمية البيئة والحفاظ على أنواع من الحيوانات البرية، خاصة في أوساط الشباب وفي المؤسسات التعليمية من خلال تنظيم معارض ولقاءات تبرز أهمية الحفاظ على الطيور والحيوانات وتوفير الظروف لها لكي تحيا وتستمر".

 

جمال الطبيعة تحوله للوحات فنية

بدأت سعيدة بونا مع فن التصوير عام 2004، بعد تلقيها لآلة تصوير رقمية كهدية، درست شعبة البيولوجيا والجيولوجيا بالجامعة، ما جعلها قريبة من الطبيعة التي سوف تعشقها وتحترف فيما بعد تصويرها.

وقالت "المؤسسة التعليمية التي كنت أعمل بها كانت تتوفر على حديقة كبيرة، وهو ما جعلني أقتفي أثر الفراشات والجراد وغيرها من الحشرات المتنوعة وكذلك النباتات التي بدأت بتصويرها. مما ساعدني على التقرب من الحياة البرية، كما تعلمت العديد من تقنيات التصوير، وأسماء الطيور والأوساط الطبيعية التي تعيش فيها. في عام 2019 اقتنيت آلة تصوير احترافية وانخرطت بشكل فعلي في تصوير الحياة البرية عبر الخروج للمنتزهات والمحميات الطبيعية".

وتعمل سعيدة بونا كمنسقة لوحدة مراكش أسفي الخاصة بالجمعية المغربية لمصوري الحياة البرية، وبشأن المشاهد التي تلتقطها، أوضحت "نحن كمصورات للحياة البرية نصور كل ما يتعلق بهذه الحياة، لكن في المغرب بحكم توفر أنواع متعددة من الطيور، حيث تعد محطة لعبور الطيور المهاجرة، فإن ذلك يجعلنا نلتقط صور الطيور أكثر على اختلاف تنوعها البيولوجي، وكذلك الشأن بالنسبة للطيور المقيمة".

وتعتبر أن لحظة التصوير هي لحظة تأمل وإنصات للطبيعة وللذات كذلك، حيث أنه على الرغم من كون رحلة التصوير تكون جماعية، إلا أن كل مصورة تركن لوحدها لفترات طويلة وهي تتعقب ظهور طائر.

وأكدت "ذلك يمنح المصور أو المصورة فرصة للتمعن في نحت الطبيعة اللامتناهية الجمال. بموازاة مع تصوير الحياة البرية فهي كذلك تشكل لوحات فنية من الأزهار المجففة، وقد ساعدتها رحلتها في تصوير الحياة البرية على تطوير هذه الموهبة واستلهام جمال الطبيعة الذي تحوله للوحات فنية".

 

زيارة أكبر المحميات الطبيعية في العالم

منذ مرحلة مبكرة من حياتها، افتتنت حليمة بوصديق، أستاذة علوم الحياة والأرض، بالحياة البرية، فقد نشأت وسط قرية مليئة بالطيور والنباتات المتنوعة، ما أجج خيالها وحفز رغبتها نحو المزيد من كشف أسرار هذه الكائنات.

لم تتمكن حليمة بوصديق من ممارسة هوايتها بشكل احترافي إلا بعد أن كبر أطفالها الثلاثة واستطاعت أن تحصل على التقاعد من وظيفتها كأستاذة لعلوم الحياة والأرض بإحدى المؤسسات التعليمية بمراكش.

وقالت "كنت أؤدي واجبي كأستاذة بكل حب وشغف وأسست نوادي بيئية بالمؤسسات التعليمية التي علمت بها، وحولت فضاءات خالية إلى حدائق للنباتات الطبية والعطرية. كنت أود من خلال ذلك أن يكتشف التلاميذ خبايا الطبيعة وأسرارها ويندهشوا أمام جمال ورونق وألوان النباتات والحيوانات، وأن يدركوا أن السعادة تكمن في الأشياء البسيطة والمتاحة للجميع وأن يتعلموا أن ينصتوا لنبض الكون ويهيموا في جماله".

وفي عام 2013 استفادت حليمة بو صديق من تدريب في مجال تصوير الحياة البرية، نظمته مجموعة البحث من أجل حماية الطيور بالمغرب، حيث كانت عضو بمجلسها الوطني، فكانت البداية في عالم تصوير الحياة البرية. وفي عام 2019 أسست الجمعية المغربية لمصوري الحياة البرية التي لازالت تشغل منصب رئيستها إلى غاية اليوم.

وقامت بالعديد من الرحلات الاستكشافية سواء داخل المغرب أو خارجه، وذهبت إلى مناطق عديدة مثل منتزه "دودج" بالسينغال وهو ملاذ آمن للطيور ويعتبر محمية تم إدراجها كموقع للتراث العالمي من طرف منظمة "اليونسكو" عام 1981، ثم سافرت للهند.

وقالت "تهت هناك في بديع ألوان وأشكال الكائنات التي تنعم بحماية فائقة واهتمام منقطع النظير، وما أثارني هو مشاهدة الطيور "birdwatching" وهي هواية تمارسها العائلات وتتوجه إلى مراقبة الطيور في وسط عيشها".

واختتمت حليمة بوصديق حديثها بالقول "قبل جائحة كورونا كانت زياراتي لمحمية "ماساي مارا" بكينيا من أقوى لحظات تجربتي في عالم تصوير الحياة البرية، كونها تعتبر أحد أكبر المحميات الطبيعية في العالم، والتي تتيح فرصة مشاهدة أكبر أنواع الحيوانات من فئة الثدييات وأجمل أنواع الطيور".