نزيهة بوسعيدي

تونس ـ أكدت الإعلامية وباعثة منصة كوسموس المختصة في البيئة مبروكة خذير أن البيئة في تونس متهالكة وتحتاج إعلاماً بيئياً يغوص في عمق القضايا ويساهم في نشر الوعي بين التونسيين.

لمعرفة دور الإعلام البيئي في تونس بنشر ثقافة المحافظة على البيئة وحماية المحيط ودوره في رفع الوعي بقضايا البيئة وعلى رأسها التنمية المستدامة، من خلال إنتاج الأفلام وإبرام الشراكات مع الجهات المختصة، كان لوكالتنا حوار مع الصحفية وباعثة منصة كوسموس ميديا للإعلام البيئي مبروكة خذير.

 

كوسموس ميديا كمنصة برزت في المشهد الإعلامي التونسي منذ عامها الأولى، فكيف تأسست؟ وماهي أهدافها؟

حقيقةً هي ليست وسيلة إعلامية فحسب بل هو حلم بدأ عام 2016 كنت في تلك الفترة أرى أنه لابد من توظيف الصحافة العلمية البيئية ودعمها كتوجه للتناول الإعلامي بالنظر إلى التحديات والتحولات المناخية والبيئية من حولنا، وانطلاقاً من الضرورة الملحة أن يكون لدينا منصة إعلامية تعنى بالبيئة والتنمية المستدامة وفي عام 2023 بدأ هذا الحلم يتحقق، وبدأت منصة "كوسموس ميديا" كمنصة رقمية على وسائل التواصل الاجتماعي وموقع إلكتروني بفريق يعمل في كافة المحاور والقضايا البيئية المطروحة سواء في المجال البيئي أو مجال التنمية المستدامة، منها القضايا البيئية التي نجدها في كل المؤشرات الأخرى التي تخص حقوق الإنسان الكونية.

ولكن لابد من الإشارة إلى أن المنصة انطلقت قبل عام 2023 عبر برنامج إذاعي بيئي تم بثه على امتداد سنتين على إحدى الإذاعات الخاصة بتونس، وبات لدى الجمهور فكرة حتى لو بسيطة عن المنصة لذلك سعينا إلى ترجمتها بمنصة إعلامية مختصة تفتح المجال لتناول القضايا البيئية، وعلى مدار عام فقط حققنا الكثير من المشاريع ولفتنا انتباه المجتمع والإعلام التونسي الذي كانت فيه القضية البيئية تم بثها فقط في بعض فقراته.

منصة كوسموس ميديا تمكنت من الغوص في قضايا بيئية وتناولتها بشكل أكاديمي علمي عميق، وأطلقت مبادرة إنتاج الأفلام الوثائقية الاستقصائية وفاز "فيلم الأحمر" بالجائزة الأولى للمهرجان الدولي للسينما البيئية بقابس، الفيلم بيئي بامتياز مدته 55 دقيقة تضمن محتواه ثروة المرجان الأحمر التونسي وكيفية استنزافها سواء بتهريبها خارج تونس باتجاه بلدان أوروبية أو الصيد العشوائي أو بسبب ارتفاع درجات الحرارة التي أثرت في المحيط البحري.

وعرض قبله فيلم "شباك النفط" تحدث عن التلوث البيئي الناتج عن تسريبات نفطية للشركات الكبرى المستثمرة في جزيرة قرقنة وهو ما أضر بالتنوع البيولوجي البحري، كما كان لدينا فيلماً وثائقياً أخر يتحدث عن صناعة "الدرينة" وهي الأكياس التي نستعملها في الصيد التقليدي وكيف يمكن أن تكون إيكولوجياً مقارنة بما يسمى "الدرينة البلاستيك" التي غزت المحيط، المواضيع التي طرحناها غاصت في عمق القضايا البيئية علاوة على ذلك لدينا "البودكاست" والمقالات بالإضافة لبرنامج بيئي أسبوعي يعنى بالبيئة والتنمية المستدامة.

 

هل هناك شركاء تعمل المنصة معهم في وضع حد للتحديات البيئية؟

منذ بداية انطلاقتها حققت رقماً في المشهد الإعلامي التونسي وبات لديها شركاء آمنوا بمبادئها منهم شبكة صحافة الأرض التي عملت معنا في إنتاج فيلمي "الأحمر" و"البقاء"، ومعهد الصحافة وعلوم الأخبار الذي أسس نادي للطلبة تحت اسم "كوسموس ميديا" بهدف توعية الطلبة داخل المعهد لدور الإعلام في تناول المجال البيئي، ومن الشركاء أيضاً الاتحاد التونسي للإعلام الجمعياتي الذي يضم كافة وسائل الإعلام في البلاد وبمساعدته قمنا بتجربة البث الموحد المشترك لبرنامج كوسموس البيئي، وقد وصل إلى المؤسسات والجمهور في البلاد.

ومجال البيئة شأن شامل ليس على نطاق تونس فقط بل أيضاً دولياً، لأن النظام البيئي إذا تدهور وواجه تحديات على مستوى بلادنا ولم يتم أتخاذ الحل المناسب فإنه سيصبح مشكلة إقليمية ثم دولية، وهذا ما أثبتته المشاريع التي عملنا عليها منها فيلم "الأحمر" الذي تحدث عن المرجان الأحمر التونسي وهذا المرجان ينتشر في منطقة البحر الأبيض المتوسط وبالتالي المشكلة عابرة للقارات وسترقى إلى مستوى مشكلة إنسانية عالمية إذا لم توضع لها الحلول المناسبة.

 

ما هو التقييم المناسب لعمل المنصة على مدى عامها الأول؟

بداية العام الحالي نظمنا اجتماعاً تقييمياً استشراقياً لكامل فريق منصة كوسموس ميديا وفيه وقفنا على الأهداف المحققة، فقد كان هناك العديد من المحطات إلا أننا أخترنا أن تكون المنصة رقمية مختصة في مجال البيئة، وقد سبقتنا مبادرات ومجلات بيئية في هذا المجال إلا أن التوجه نحو الإعلام الرقمي والعمل على "الديجيتال" بادرة أولى في المشهد الإعلامي التونسي استطعنا انتهازها، وبعد انطلاق مبادرة كوسموس ميديا شجعنا انطلاق مبادرات أخرى تعنى بالبيئة والتنمية المستدامة وهذا في حد ذاته أبرز نجاحات منصتنا فقد أصبحنا مؤثرين بشكل إيجابي على الوسط المحيط.

وحصلنا على فرصة لتثمين مبادرات بيئية من خلال سرد قصص نجاح المنصة بهدف رفع الوعي تجاه القضايا البيئية في مجال الاقتصاد الدائري وغيرها من المبادرات وقمنا بإنتاج فيلمين وإعداد 17 برنامج إذاعي تنشرها المنصة تناولنا فيه العديد من القضايا منها حرائق الغابات والطاقات البديلة والتلوث البيئي وتبعاته.

 

 ما هي البرامج المستقبلية للمنصة البيئية؟

منذ بداية العام الحالي قمنا بإطلاق مبادرة "cinéclimat2024" بالشراكة مع أكاديمية الفنون قرطاج بانوراما الفيلم الدولي القصير، بهدف تشجيع الشباب التونسي على العمل في مجالي إخراج وإنتاج أفلام تعنى بالبيئة والتنمية المستدامة، وبالنظر إلى رصيدنا في المجال السينمائي والوثائقي جاءت هذه المبادرة للحصول على مشاريع في المجال الوثائقي القصير أو الومضات التحسيسية أو الأفلام المتحركة، ونحاول تأطير الفئة الشابة في مجال إنتاج هذه الأفلام حتى نتمكن من المشاركة في مهرجان بانوراما الفيلم القصير.

ونعمل على تأمين (كارافان) قافلة بيئية متنقلة بين المدارس من أجل رفع الوعي البيئي في البلاد، لأننا نؤمن بالقضية البيئية والأطفال هم أجيال المستقبل، وسنواصل العمل على كوسموس كيدز لأنها تجربة ناجحة.

 

 ما هو دور الأفلام السينمائية في معالجة القضايا البيئية؟

فوز فيلم "الأحمر" وجولته في دور السينما وما تخلله من نقاش بنّاء شجّعنا على المضي قدماً في هذا المجال إلى جانب الإعلام اليومي، فهناك أعمال بيئية تحتاج للتعمق بها والسينما وسيلة للتوعية والتحسيس، وهي وسيلة جيدة للغوص في القضايا البيئية وهناك توجه في تونس والعالم العربي لمثل هذه المبادرات البيئية انطلاقاً من الضرورة الملحة وليست خيار بالنظر إلى التحديات المطروحة اليوم، والسينما ستكون داعماً للجانب الإعلامي في كوسموس ميديا يمكننا الغوص بشكل أفضل في القضايا البيئة ونشرها ورفع الوعي تجاهها.

ونظراً للأقبال الشديد على المنصة من قبل العديد من الأشخاص والجمعيات سنقوم ببلورة أفكارهم البيئية على شكل أفلام، كما قمنا بإبرام اتفاقيات شراكة مع العديد من الهياكل وتواجدنا في دور الشباب والمؤسسات التعليمية، وعرضنا أفلام في أحد المقاهي الثقافية ودور السينما ومنصتنا على تطبيق "يوتيوب" والديجتال ولدينا الكثير من المتابعين.

 

كيف تم تفعيل دور الطفل في الحفاظ على البيئة؟

انطلاقاً من إيماننا بدور الأطفال للنهوض بالمجال البيئي قامت المنصة بإنتاج برنامج "كوسموس كيدز" الذي يعنى بالبيئة والتنمية المستدامة، فقد قمنا بتدريب أطفال من المدارس على كتابة الأخبار البيئية والتطرق للإشكاليات والحلول الممكنة وتشجيعهم على سردها أمام عدسة الكاميرا بعيداً عن القلق والخوف وبالتالي صنعنا صحفيين صغار يقرؤون الأخبار البيئية.

وكان لدينا شركاء في إنجاز هذا المشروع منهم مدرسةL arouse  وكذلك الجمعية التونسية للمياه والتنمية المستدامة، وتمكنا من إنتاج 16 نشرة بيئية للأطفال على اليوتيوب، وبالشراكة مع جمعية اليافع ودور الشباب وأقمنا عروض للأفلام حدث على إثرها نقاشات مع العديد من الصحف الخاصة بالبيئة والتنمية المستدامة، وقمنا بتغطية مهرجان شننّي للسينما المختصة في البيئة ومهرجان قابس الدولي للبيئة.

 

المرأة في الشأن البيئي أبرز المُؤثر وأول المتأثرين به، فما رأيك بذلك؟

انطلاقتنا كانت من خلال ومضة لامرأة تحمل جنيناً داخله جينات بيئية، رسالتنا أن الحفاظ على بيئتنا يبدأ بالاهتمام بالجنين ثم الأم التي تحتضنه ثم الأسرة ثم المجتمع، مع عدم نسيان أن المرأة هي أول من يؤثر ويتأثر بالنظام البيئي، وبالوقوف عند  المشهد الإعلامي التونسي سنجد أن المبادرات التي تعمل على القضايا البيئية أغلب فرق عملها تتكون من النساء، وهذا دليل واضح أن التونسيات مقتنعات برسالتهن البيئية.

ونظراً للمسؤوليات والمهام العديدة التي تحملها المرأة على عاتقها نرى أنها الأنسب لنعول عليها مسؤولية نشر الثقافة البيئية ابتداءً من أفراد عائلتها وانتهاءً بمجتمعها، وتغيير الذهنية بشكل إيجابي تجاه البيئة وضمان الديمومة هي من التحديات التي تعمل عليها كوسموس ميديا، ونحن نسعى لـ "كسمسة" المجتمع التونسي انطلاقاً من العمل على القضايا البيئية بهدف تغيير الذهنية فجميعنا يستحق بيئة سليمة.

 

كإعلامية مستقلة كيف تقييمين واقع الإعلام في تونس خاصة خلال السنوات الأخيرة؟

المشهد الإعلامي في تونس تطور بمجهوده الشخصي، فلدينا العديد من المؤسسات التونسية التي غاصت في العمق تحت مسمى صحافة الجودة والاستقصاء وكشفت عن ملفات فساد وهناك مؤسسات إعلامية حصلت على جوائز دولية، والصحفيون تلقوا تدريبات على مستويات عالية وطوروا مهاراتهم، بالمقابل هناك بعض المؤسسات الإعلامية التي لا زالت تعمل على محتويات رديئة لا ترقى إلى ما وصلنا إليه وفي العديد من المحافل تم انتقادها، ولكن في المقابل هناك قوى تقاوم من خلال أن تكون جدار صد للخطاب الإعلامي الرديء فالإعلام مسؤولية وأمانة وصناعة للرأي العام يجب أن نلتفت إليها، لذلك يجب أن ننظر إلى المبادرات الإيجابية التي حققت إنجازات في القضايا البيئية أو الغير بيئية.

وبالتالي هناك صحوة إعلامية وصحوة الجمهور الذي أصبح انتقائياً يطالب بصحافة الجودة، وهذا رغم أننا خسرنا مرحلة من الحريات كنا يمكن أو نكون فيها منتجين أكثر ومؤثرين أكثر ولكن لم يفتنا القطار ومازال هناك بعض الصحفيين التونسيين الذين هم مدرسة في الإعلام وَافتخر أنني بينهم ومعهم ففي مجال صحافة الجودة والصحافة البيئية مازال لدينا الكثير مما نصنعه.

ومن بين أسباب هبوط مؤشر حرية التعبير في تونس عدم عمل المؤسسات الإعلامية على صحافة الجودة بما يكفي حتى تستطيع أن تكون قوية وصامدة أمام محاولات التضييق والضغط، بالعمل والمثابرة سنكون فيه صناع محتوى جيد وبه يمكن أن نصنع حريتنا، فالهامش الكبير من الحريات لم نستغل منه إلا القليل وكل المبادرات تمت في المجال الإلكتروني فقط ومازالت التلفزة والإذاعة هي المؤثرة وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي، بالتالي يجب إصلاح المنظومة الإعلامية التونسية حتى تكون منظومة قوية يعمل فيها صحفيون ذو كفاءة عالية.