ما هو دور المجتمع المدني في الحد من التغيرات المناخية؟
في ظل غياب تدخل الجهات المعنية أطلق المجتمع المدني في تونس مبادرات فردية وجماعية للحد من تأثيرات التغيرات المناخية على الفئات الهشة محذرا من تفاقم الظاهرة.
نزيهة بوسعيدي
تونس ـ الجفاف والحرائق والفيضانات ظواهر طبيعية برزت في تونس كسائر بلدان العالم خلال السنوات الأخيرة وأثرت سلباً على صحة النساء وعملهن باعتبارهن الأكثر ارتباطاً بالطبيعة والأكثر استفاداً من مواردها في الحقول والجبال.
يعمل المجتمع المدني في تونس على رصد الظاهرة الطبيعية والوقوف عند تأثيراتها والقيام بمبادرات للحد منها وحث الجهات المعنية على التحرك الفوري لحماية النساء، حيث قالت الناشطة البيئية ضمن ديناميكية المياه منانة زيتوني "أن التأثيرات المناخية تمس الفئات الهشة وعلى رأسها المرأة وذوات الإعاقة ثم الأطفال ونلاحظ كيف أن المرأة في الأرياف تتكفل بتوفير المياه لأسرتها مما يزيد من حملها الثقيل".
وأوضحت أن المرأة في مدينة القيروان تقطع مسافات طويلة مدة 3 ساعات لجلب المياه، لذلك نجدها تقتصد في تلك الكمية طيلة يوم كامل وتحاول ترشيد استهلاكها، كما تتعرض لمخاطر عديدة حيث سجل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حالات اغتصاب، كما تم تسجيل احتجاجات كثيرة قامت بها النساء لتوفير المياه ووضع حد لمعاناتهن.
وأضافت أن التغيرات المناخية أثرت كثيراً على القطاع الفلاحي الذي يعد أكبر مكان عمل للمرأة ومصدر قوتها دون الأخذ بعين الاعتبار الأضرار الصحية الناجمة عن استعمال المبيدات والحوادث العرضية على غرار تعرض إحدى الريفيات وهي بصدد جني الزيتون إلى الإصابة وفي ظل غياب التغطية الصحية وإمكانيات العلاج تعفن جرحها وأدى إلى إصابتها بمرض السرطان.
وأكدت أنه يجب إخضاع العاملات في القطاع الفلاحي لدورات تدريبية لتكن قادرات على مجابهة التغيرات المناخية والتكيف مع آثارها كالجفاف، ويعد التمكين الاقتصادي للنساء أهم نقطة تساعدهن على التعايش مع الظاهرة.
وأشارت إلى أن المجتمع المدني يدعو الجهات المعنية إلى ضرورة التحرك لإيجاد حلول والحد من تأثيرات الظاهرة وخاصة تنقيح مجلة المياه الحالية التي تعود قوانينها إلى خمسين سنة خلت في اتجاه أخذ جميع التغيرات بعين الاعتبار.
وفي ختام حديثها قالت منانة زيتوني أن دينامية المياه شاركت في إعداد ورقة سياسية لإدماج مقاربة حقوقية جندرية تهدف إلى مواجهة أزمة المياه مع مراعاة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئة والصحية وأهداف التنمية المستدامة.
جندرة التمويل المناخي
من جانبها أكدت منسقة مشروع "فينا كليمة" حسيبة بلغيث أن المرأة هي الأكثر تضرراً من التغيرات المناخية وتواجه العديد من الصعوبات الناجمة عنها، خاصة نقص الأمطار وارتفاع درجات الحرارة وما نتج عنهما من جفاف وتملح للتربة وكثرة الحرائق وعدم توازن النظم البيئية وتناقص المساحات المخصصة للفلاحة.
وأوضحت أن "النساء تشغلن قطاع الفلاحة بنسبة 70% وأغلبها فلاحة موسمية أي عمل غير منتظم، إضافة إلى أنهن تعملن بالمجان مع عوائلهن، كما أنهن أول المتضررين بالمبيدات التي تؤثر على العينين والظهر وتهدد الحمل كما لا ننسى ما تتعرض له العاملة الفلاحية من تحرش".
وكذلك الغابات، فعند تعرضها للحرائق تفقد النساء مصدر رزقهن المتمثل بجمع النباتات إضافة إلى تربية النحل والدواجن والمواشي، وهو ما حدث في ملولة التابعة لمدينة طبرقة السنة الماضية، مشيرةً إلى أن فقدان المرأة لمصدر رزقها يعني النزوح ومغادرة مسقط الرأس باتجاه العاصمة وما ينجر عنه من متاعب في التأقلم والعيش في البيئة الجديدة والبحث عن مسكن وعمل ومدارس للأبناء، مؤكدة أنه أحياناً الزوج هو الذي ينتقل إلى العاصمة بمفرده بحثاً عن عمل ويترك الأبناء والزوجة عرضة للمخاطر في منطقة غابية، لتتفكك الأسرة وتعاني من البعد والحرمان.
وأشارت حسيبة بلغيث إلى أن المجامع الفلاحية كانت ملاذ الكثير من النساء، لكن هناك بعض الإشكاليات على غرار طلب دفع معلوم الإجار وصعوبة التسويق وارتفاع كلفة تحويل المواد الغذائية بسبب عدم القدرة على شرائها أحياناً.
وقالت إنه "بالشراكة مع المجتمع المدني خاصة جمعية حماية البيئة والتنمية المستدامة قمنا بإنشاء مجموعة من الشبان/ات لمرافقتنا إلى مدينة سليانة وزغوان وسيدي بوزيد وزاروا، حيث استمعوا إلى قصص العديد من النساء هناك وتعرفوا على الصعوبات التي تواجههن بسبب التغيرات المناخية، والبحث عن حلول محلية في ظل غياب الحلول الدولية كتجميع المياه وتغيير أنظمة الري في الفلاحة لتصبح أقل استهلاكاً للمياه".
وأضافت "حالياً نحن مجموعة من الجمعيات نعمل على إعداد ورقة سياسات تتضمن تحليلاً للواقع وطرحاً للإشكاليات التي تعاني منها المرأة بسبب التغيرات المناخية مع تقديم حلول سوف نتوجه بها إلى وزارة البيئة والمرأة والفلاحة ومجلس النواب"، لافتةً إلى أن المرأة تنتمي إلى الفئات الهشة والأكثر تضرراً من تقلبات المناخ ولكنها لا تحصل على تعويضات، وبالتالي يجب على السلطات أن تتخذ سياسة حمائية تجاه هذه الفئة وتقوم بجندرة التمويل المناخي.
وعرجت حسيبة بلغيث إلى أنه مع بداية السنة الماضية أعدت وزارة المرأة بالتعاون مع وزارة الفلاحة خطة عمل تحت عنوان المرأة والتغيرات المناخية، أي أنه لا يمكن الحديث عن تمويل بمعزل عن هذه الخطة خاصة معالجة مشكلة نقص المياه التي لها تأثير مباشر وجسيم على المرأة.
دراسات واستراتيجية
كما قالت المسؤولة عن قسم النسوية البيئية بجمعية "كلام" ضحى يحياوي "تتكون الجمعية من ثلاثة أقسام تعمل على النهوض بواقع المرأة والاقتصاد وعلى النسوية البيئية وعلى الفئات الهشة على غرار المهاجرين/ات، وإيماناً منا بأن التغيرات المناخية لها تأثير خطير خاصة على المرأة قررنا العمل على الحد من هذا التأثير، فقمنا بإطلاق العديد من المبادرات المعنية بالبيئة كتلك التي في منطقة ملولة بطبرقة التي واجهت حرائق خلال الصيف الماضي، وتسببت بتدهور وتدمير مصدر رزق النساء ومواطن عملهن المرتبطة بالغابة من تربية للنحل والدواجن وتقطير الزيوت والنباتات العطرية إضافة إلى خسارة منازلهن".
وأضافت "حاولنا تحديد حجم هذه الخسائر بالشراكة مع مكاتب دراسات نسائية في مدينة جندوبة، كما أطلقنا حملة لمساعدة الأهالي على تجاوز هذه الأزمة، ونحن بصدد العمل على مجموعة من الدراسات التي تتحدث فيها النساء عن مدى خطورة ظاهرة التغيرات المناخية التي تتعرضن لها في العديد من المناطق بالشراكة مع مجموعة من الخبراء في هذا المجال".
وفي ختام حديثها قالت ضحى يحياوي إن الجمعية تعمل بالشراكة مع بعض الجمعيات لتكون صوتاً لهذه الفئات الهشة وتفكر في إعداد استراتيجية للوقاية من الحرائق ومعرفة إلى أي مدى يمكن ولوج النساء في الموارد الطبيعية ودراسة مشكلة شح المياه وتفريط السلطات بالأراضي الزراعية لصالح شركات أجنبية بعقود تصل إلى خمسين سنة.