بحر غزة الملوث متنفس النساء والأطفال خلال الصيف
ما أن تقترب الساعة من السادسة مساءً يبدأ شاطئ بحر قطاع غزة باستقبال مئات المصطافين من مختلف المناطق، الذين تشكل نسبة النساء والأطفال الأعلى بينهم هاربين من حر الصيف بالمنازل، وانقطاع الكهرباء لساعات قد تصل إلى (16) ساعة خلال النهار، متخذين من الاستراحات المتواجدة على الشاطئ وجهة لهم
رفيف اسليم
غزة ـ ، أو مفترشين الرمال نظراً للظروف المادية الصعبة التي قد لا تمكن غالبيتهم من دفع فاتورة الاستراحة.
تقول آلاء الغولة ذات (30) عاماً "بحر ملوث أو غير ملوث لا يهم"، فالضغط النفسي الذي واجهته خلال العدوان جعلها تلجأ إلى البحر للترويح عن نفسها بأي طريقة، ومن خلال إمكانيات بسيطة كانت قد أعدت الطعام والشراب مسبقاً كي لا تدفع مبلغاً كبيراً، مضيفةً أنها وعائلتها قد ابتكروا خيمة بدائية من خلال أربعة أعمدة خشبية وقطعتان قماش تقيهم حر الشمس، وتساعدهم للاختفاء عن أعين بقية المصطافين عند تبديل ملابسهم.
وعن المياه الملوثة تقول إنها تعي تماماً أن الماء ملوث وقد تصاب بالأمراض نتيجة السباحة داخله، لكن القطاع المحاصر لا يوفر سبل ترفيه أخرى، لذلك تخاطر هي وعائلتها وأطفالها المكونين من عشرة أفراد للسباحة داخلها خاصة خلال انتشار فايروس كورونا، متوقعة أن تظهر على أحد الأطفال علامات طفح جلدي كما حدث من قبل، أو الاصابة باحمرار العيون، أو ارتفاع درجة حرارة أحدهم نتيجة الفايروسات التي تسكن مياه الشاطئ.
بينما استوقفتنا نظرة الازدراء التي تنظر بها نسمة الجعل ذات (21) لمياه بحر قطاع غزة لتقول لوكالتنا أن اصرار طفلي أختها الكبرى على زيارة البحر هو ما دفعها للموافقة خاصة بعد بكائهم المستمر وهم يشاهدون مقاطع الفيديو عبر الانترنت للبحر والرمال، مضيفةً أنها اشترطت عليهم قبل الخروج من المنزل أن زيارتهم لن تشمل السباحة وسيكتفون باللعب على رمال الشاطئ ورؤية الموج.
وأشارت نسمة الجعل بسبابة إصبعها إلى البحر قائلة "تلك هي مياه البحر واضحة للناظر أنها مقسمة لثلاث أقسام الأسود حيث المنطقة الأقرب من الشاطئ، ثم الأخضر وهي منطقة المنتصف، وأخيراً الأزرق الخط الذي يلتقي بالسماء"، مضيفةً أن تصريف مياه الصرف الصحي داخلها هو ما غير لونها وجعلها غير صالحة للاستخدام الآدمي. وما زاد الوضع سوءاً فرض الحصار على سكان القطاع من جميع النواحي بذلك فقدوا آخر متنفس لهم.
وتتفق علا الدحدوح ذات (25) عاماً مع سابقتها أن تقليص ساعات وصل الكهرباء في قطاع غزة هو ما دفع محطة التكرير والمعالجة لصب المياه العادمة داخل البحر بحجة أن المياه تتجدد لكن زيادة الكميات الغير مرغوب بها عملت على تحويل البحر إلى مستنقع، مشيرةً أن البحر هو المكان الوحيد الذي يخفف من ضغوطات الحياة في قطاع غزة "لا غنى لأي غزي عنه حتى وإن كان ملوث فيكفي أن تجلس قبالته لتستمتع بحركة الموج".
وتضيف علا الدحدوح أنه حتى لو كانت مياه البحر غير ملوثة فإن اجتماع آلاف البشر على الشاطئ بمناطق متلاصقة يجعل السباحة بها أمر غير ممكن، لافتقاد عنصر الخصوصية كما أن انتشار الحيوانات الأليفة كالكلاب والخيول على الشاطئ يشكل رعب كبير لها وللمصطافين عموماً، لافتةً أنها تتمنى أن يتم إيجاد حل لتلك المشكلة للمياه العادمة الملقاة بالبحر أيضاً من قبل الجهات المسؤولة في قطاع غزة.
وحسب تقرير صادر عن مكتب هيئة الأمم المتحدة في قطاع غزة ما يزال العجز الحاد في إمدادات الكهرباء في القطاع، وما يقترن به من غياب البنية التحتية الملائمة لشبكات الصرف الصحي، يتسبب في تصريف (100-108) مليون لتر من مياه الصرف الصحي ذات المعالجة الرديئة في البحر كل يوم.
واستكمالاً لنتائج التقرير فإن ذلك الوضع يفضي إلى تصريف مياه الصرف الصحي ذات المعالجة السيئة من المحطات التي لا تستوفي المعايير المطلوبة مباشرةً في البحر يومياً، مما يتسبب في تلويث الشواطئ على نطاق واسع، مسبباً أيضاً تهديداً دائماً بفيضان مياه الصرف الصحي في المناطق المحاذية لأحواض الصرف الصحي ومحطات ضخها في القطاع.
وبحسب تقرير الأمم المتحدة تجسد بداية ذلك التهديد في 4 أيار/مايو 2018، عندما انهار أحد الجدران الإسنادية لأحد أحواض الصرف الصحي في محطة المعالجة في مدينة غزة (الشيخ عجلين) بعد انقطاع الكهرباء لفترة طويلة، مما أدى إلى فيضان 15،000 متر مكعب من مياه الصرف غير المعالجة إلى المنطقة الزراعية القريبة منها والمأهولة ببعض السكان.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية فإن أكثر من ربع الأمراض مرتبطة بالمياه ولهذا الوضع أي التلوث في بحر قطاع غزة مخاطر صحية وبيئة جسيمة، ولا سيما خلال فصل الصيف، حيث تُعد السباحة في البحر إحدى الأنشطة الترويحية القليلة المتاحة أمام سكان القطاع، وهي السبب الرئيسي الذي يقف وراء اعتلال صحة الأطفال في غزة.
وقد لفتت المنظمة خلال بيانها أنه من المحتمل أن يطرأ المزيد من التدهور على تشغيل محطات معالجة مياه الصرف الصحي في المستقبل القريب بسبب فجوات التمويل التي تواجه برنامج وقود الطوارئ الذي تنفذه الأمم المتحدة لتشغيل المولدات الاحتياطية في المنشآت الحيوية، فضلاً عن تشديد الحصار مؤخراً.